قال النجم أحمد مظهر إن (عبدالوهاب لن يتكرر)، رغم أنه غير مقتنع بحرف (لن)، لأنه يصادر على المستقبل،
لكن بطل فيلم (الأيدي الناعمة) أكد أنه يستثني نجيب الريحاني وعبدالوهاب من هذا الأمر، فهما، من وجهة نظره، لن يتكررا.
جاء هذا الكلام ضمن البرنامج التليفزيوني (من الألف للياء) الذي كان يقدمه الإعلامي المثقف المهذب جدًا طارق حبيب.
والحق كله مع أحمد مظهر، فمحمد عبدالوهاب يعد أعجوبة مرت بحياتنا، فقد عاش الرجل نحو 94 عامًا، وهو عمر مديد لا يحظى به إلا قلة قليلة جدًا من الناس خاصة في مصر.
اللافت أنه طوال هذا العمر ظل صاحب (الجندول) متمتعًا بصحة جيدة، فلا عطب في عضو، ولا شكوى من مرض خطير، بل مارس حياته بحيوية وعشق وشغف،
وها هو في برنامج (النهر الخالد) يتحدث بلباقة إلى سعد الدين وهبة وهو في الحادي والتسعين من عمره.
لاحظ من فضلك كيف كان يتكلم الموسيقار الأعظم طوال حلقات هذا البرنامج التي بلغت 30 حلقة. إنه حاضر البديهة… واسع الاطلاع… بالغ الأناقة… يقطر حكمة وذكاءً… يضع فوق رأسه (نصف أو ربع باروكة) من باب التجمل.
أسعد عبدالوهاب الملايين بموسيقاه الآسرة وصوته الجميل، ولأنه تلقى الثقافة الرفيعة على يد أحمد شوقي أميرالشعراء،
لذا، فقد انتقى الكلمات التي يترنم بها، وأظنه أكثر من غنى قصائد بالفصحى لشعراء مثلوا معظم تاريخنا الشعري،
فقصيدة (أُعجبت بي بين نادي قومها) للشاعر مهيار الديلمي الذي رحل قبل ألف عام، وغنى أيضًا لنزار قباني الذي غاب قبل ربع قرن!
لا تنس أن المجد الذي ناله عبدالوهاب لم يحظ به فنان من قبله ولا بعده، إذا استثنينا أم كلثوم، فقد انهمرت عليه الأوسمة والنياشين من رؤساء وملوك وحكام عرب وأجانب،
لدرجة أن وكالة الأنباء الفرنسية قالت في تقريرها عقب وفاته (إن الحكام العرب كانوا يخطبون ودّه).
العجيب أن هذا المجد رافقه بحنان منذ شبابه الأول نظرًا لموهبته الخارقة، فقد أرسل لي الناقد الموسيقي الأستاذ إيهاب فوزي العاشق المخضرم لعبدالوهاب والعارف الذكي بغنائه وتفاصيل حياته، هذا الخبر المنشور في مجلة المسرح عام 1926، أي وعمره 29 سنة فقط. يقول الخبر:
(تشرف محمد عبدالوهاب المطرب والملحن المشهور بزيارة دولة الرئيس الجليل سعد باشا زغلول، فلقى من دولته كل عطف دولته. وقد طلب منه دولة الباشا أن يغني له دورًا، فاعتذر له عبدالوهاب بعدم وجود المذهبجية “السنيدة”، ولكن سرعان ما تقدم مصطفى باشا النحاس ووليم بك مكرم عبيد لسد هذا النقص، فغنى عبدالوهاب).
تخيل زعماء مصر في الربع الأول من القرن العشرين يرغبون في سماعه ويرددون خلفه مطلع الأغنية!
فور رحيل عبدالوهاب في 4 مايو 1991 أعلنت فاتن حمامة: (عبدالوهاب أسطورة، ونحن محظوظون لأننا عشنا في زمن هذه الأسطورة).
حقا… لقد صدقت فاتن حمامة كما صدق أحمد مظهر.