يعد موضوع البحث موضوع معاصر وذلك بـسبب ظهـور العديـد مـن الفيروسات والتي لم يتوصل إلي علاج لهـا حتـي الآن، كـذلك لأن هـذا الموضـوع يـشتمل عـلي مجموعـة مـن المـسائل القانونيـة المـستجدة والتـي يتعـين توضـيحها بدراسـة علميـة
كما أن مشكلة البحث تتلخص في تحديد طبيعة المسئولية المدنية المترتبة هدفت الدراسة إلى التعرف على تكييف المسؤولية الناشئة عن نقل عدوى فيروس كورونا المستجد وبيان أطراف دعوى هذه المسؤولية، وتحديد المسؤول عن التعويض عن الأضرار الناشئة عن نقل العدوى، وصور التعويض، وتتناول الدراسة أساس التعويض في المسؤولية التقصيرية، وتوضيح عناصر المسؤولية الناشئة عن عدوى الإصابة بفيروس كورونا بالإضافة إلى الوقوف على أهم نصوص القوانين وأحكام محكمة النقض المصرية الصادرة في هذا الشأن،
وكان من أهم نتائج الدراسة أن المسؤولية التقصيرية عن نقل عدوى فيروس كورونا المستجد تنشأ من التزام قانوني وآخر أخلاقي، ولا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها، كما يحق للمضرور بفيروس كورونا المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي متى توافرت عناصر المسؤولية التقصيرية، وأهم ما أوصت به الدراسة أنه على حكومات الدول سن القوانين التي تواجه تفشي الأمراض والأوبئة، ووضع ضمانات قانونية متنوعة لمواجهة الآثار الخطيرة التي تسببها الأوبئة بصورة عامة وفيروس كورونا المستجد بصورة خاصة.
يعد فيروس كورونا ( كوفيد 19-) من أشد الكوارث التي يشهدها العالم حاليا، حيث أدى انتشار هذا الفيروس منذ ظهوره نهاية ديسمبر / 2019 في الصين إلى وفاة أكثر من ( 2.83) مليون شخص حول العالم، ولم يتوقف هذا الوباء في دولة الصين، بل تجاوز الحدود والدول، وتسارعت وتيرة الأحداث حتى أعلنت معظم الدول تسجيل حالات الإصابة بهذا الفيروس.
حيث أشار الفقيه الفرنسي “لويس جسران” رائد نظرية التعسف إلى أن موضوع المسؤولية يمثل النقطة المحورية في الفلسفة التشريعية، ليس فقط في القانون المدني، ولكن في القانون ككل .
تتمثل المسؤولية العقدية بالالتزام بتعويض الضرر نتيجة إخلال بالتزام قانوني، أو هي الجزاء الذي يفرضه القانون على من يخل بالتزامه العقدي أو بالواجب القانوني العام وهو عدم الأضرار بالغير، ربما من أهم القضايا في المسؤولية العقدية وهو ما يتعلق بالمسؤولية عن نقل عدوى كورونا أشخاص آخرين، لما يلحق بهم من أضرار صحية ونفسية واقتصادية، وقد يصل في بعض الحالات إلى وفاة الشخص المتعرض للفيروس،
فالضرر الناتج عن تعمد الإصابة بنقل فيروس كورونا تتمثل بالأذى الذي يلحق بالشخص في ماله نظير تلق الرعاية الصحية أو الضرر الجسدي جراء ترك الفيروس إصابات مستديمة ببعض أعضاء الجسد كحدوث ضرر في رئتي المصاب، أو ضرر في عاطفته جراء فقد عائل للأسرة، وهو واجب التعويض مهما كان نوعه ماديا أو معنويا وفقا أحكام القانون المدني الأمر الذي دفع العديد من الدول من إعلان قانون الدفاع والظروف الاستثنائية في جميع أنحاء العالم، وفرض العمل بقوانين تختلف عن القوانين المعمول بها في الظروف والأحوال العادية مثل الحجر الصحي، ومنع الاختلاط واستخدام وسائل الوقاية المخصصة لذلك
ولئن كانت الجريمة هي كل فعل يمكن إسناده إلى فاعله يهدد مصلحة اجتماعية محمية بجزاء جنائي أو تدابير أمنية. إذ لا يكفي لتقرير المسؤولية الجنائية أن يصدر عن الجاني سلوك إجرامي ذو مظهر مادي بل لابد من توافر ركن معنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو باطنية يضمرها الجاني في نفسه. كذلك وإن جرائم التعدي في مقام التعويض ينصرف إلى كل إخلال بواجب قانوني يترتب عليه إحداث ضرر بالغير سواء كان مُحدثه يقصد منه إحداث هذا الضرر أو لا يقصد منه ذلك.
ولعل فيروس كورونا المًكتشف مؤخرا كان سببا في الاهتمام في بيان المسئولية المترتبة على نقل العدوى به إذ إن المتابع للوضع الوبائي يجد بعض الأشخاص المصابين بفيروس كورونا تعمدوا نقل العدوى، الأمر الذي يثير التساؤل عن ماهية المسؤولية المترتبة عن نقل فيروس كورونا من شخص إلى آخر عمدا وحكمها في القانون.
وبعد حقبة من الزمن ظهر مبدأ “حق الإنسان في سلامة جسده” الذي يعتبر من أهم الأمور في كل نظام وهو أمر يواكب الحماية الجنائية والمدنية للوجود الإنساني، إذ تعتبر هذه الحماية مظهر من مظاهر المدنية وتنضوي في إطار فكرة “معصومية الجسد، والحصانة الجسدية المطلقة التي تحميه خلال حياته وبعد فنائه، وحظر التعامل في جسم الإنسان“.
تعتبر سالمة الروح والجسد من الحقوق التي كفلها الله للإنسان منذ أن خلقه في أبهى صورة وكرمه أحسن تكريم، فجعل القصاص نتيجة التعدي على هذا الحق، وباعتبار هذا الأخير أي الحق في سالمة الجسم من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان التي تستلزم حماية قانونية، تم ترسيخه بعد ذلك بمختلف القوانين الوضعية.
ففي حين حدد قانون العقوبات مجموع التجاوزات التي يمكن أن تحرم الشخص من هذا الحق، والعقوبات الملازمة لكل تجاوز من شأنه المساس بسالمة الغير، أوجب المشرع – في بعض الحالات ،- وبموجب القانون المدني، تعويض المضرور عن الضرر الذي كان مادياً أو أدبياً لحقه، سواء ، وهو ما يعرف بالمسؤولية المدنية، أين يلزم مقترف الخطأ، ان ناجماً أياً كانت مهنته أو مركزه، بتعويض الضرر الذي لحق بالغير وك عن خطئه ذاك.
وبالحديث عن المسؤولية الطبية كصورة من صور هذه المسؤولية المدنية، نجد ما قيل قديماً عن أن: ” صنفان من الناس لا غنى للناس عنهما الأطباء أبدانهم والعلماء لأديانهم بالإضافة إلى القواعد الدقيقة لمهنة الطب التي أرستها الشريعة الإسلامية والتي تعد أرقى من أحدث ما توصلت إليه الشرائع المدنية في هذا العصر، إذ أقر فقهاؤها ” أن كل من يزاول عمالً أو علمــاً لا يعرفه يكون مسؤول عن الضرر الذي يصيب الغيـر، نتيجة هذه المزاولة“.
فالمساس بجسم الإنسان أو الاعتداء على سالمة جسده ويشكل محلها بالإضافة إلى الحياة، مجموع الميزات والقدرات التي خص الله بها كل فرد منا، كالقدرة على العمل جريمة نقل عدوي الأمراض المعدية من الجرائم التي تمثل خطورة بالغة، لما تسببه من تفشي في الأمراض المعدية بين أفراد المجتمع، وعلي الرغم من خطورة نقل عدوى الأمراض المعدية عن طريق الخطأ مثل نقل مرض كورونا المستجد أو الإيدز أو التهاب الكبد الوبائي كجريمة جنائية، فإن المشرع المصري لم ينشط لتجريمها بقواعد خاصة تاركاً ذلك للقواعد العامة ، فلم ينص علي ذلك في قانون العقوبات ، ولم ينظمه بقانون خاص كما سلكت بعض التشريعات الأخرى .
فأصبحت جريمة نقل العدوى بهذه الأمراض الخطيرة تمثل عبء ثقيلاً علي المجتمع، إذ تهدد الأمراض المعدية الأمن أكثر مما تهدده الجرائم التقليدية الأخرى ؛ لذلك فإن هذا التهديد يتطلب تدخل المشرع لتجريمها، وتحديد نطاقها القانوني، وذلك بنص خاص يقضي بمعاقبة الفاعل الذي ينقل العدوى إلي الغير عن طريق تعمده ذلك أو إهماله،
وليس ذلك وحسب بل أيضاً تجريم تعريض الغير لخطر العدوى ، بحيث يعاقب الفاعل علي تعريض الغير لخطر نقل العدوى إلي المجني عليه بمجرد وقوع الفعل بصرف النظر عما يترتب علي ذلك الفعل من نتائج، فلا يعقل أن يترك فعل نقل العدوى بدون تنظيم قانوني اعتماداً علي القواعد العامة في القانون الجنائي، أو القياس علي جرائم آخري منصوص عليها في القوانين القائمة.
والحالات التي تنتقل فيها العدوى بسبب الإهمال أو الرعونة أو عدم الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين واللوائح الخاصة بتدابير الوقاية من انتشار الأمراض المعدية من السهل تصورها ، بل أن مظاهرها تبدو للعيان، مثال ذلك الجراح الذي يجري عملية جراحية بأدوات ملوثة دون أن يقوم بتعقيمها، وطبيب الأسنان الذي يستخدم أدوات غير معقمة ، والممرضة التي تقوم باستعمال حقنة واحدة مع أكثر من مريض بالمخالفة للقوانين واللوائح التي تحذر تكرار استعمال هذه الأدوات أو تتطلب ضرورة تعقيمها قبل إعادة استعمالها
كذلك يتم انتقال هذه الفيروسات نتيجة عدم مراعاة القواعد المقررة لفحص الدم قبل نقله للمريض ، ولذلك تنعقد مسئولية الطبيب عن عملية نقل الدم الملوث بمرض الزهري ، حيث أنه إذا كان الطبيب لا يلتزم في الأحوال المستعجلة بنقل دم نقياً نقاوة لا شك فيها ؛ لأن التأكد من ذلك غير مستساغ في ظل ظروف العلم الحالية وعلي الأخص لكون وجود فترة خمول تختفي فيها الأعراض وتكون نتيجة التحليل سلبية ، فإن الطبيب بما يلتزم به من العناية والدقة ومراعاة القواعد المسلم بها في المهنة يكون مسئولاً إذا انتقل إلي المريض دما ملوثاً بالمرض في وقت مما يمكن كشفه ، علي الأخص إذ لم تكن ثمة ضرورة عاجلة لنقل الدم
. ولا يخلي مسئولية الطبيب عن ذلك أن يكون العرف قد جري في المستشفيات علي عدم فحص دم من ينقل منه الدم في كل وقت يحتاج الأمر إلي نقل الدم فيه ، لأنه لا يكفي لإخلاء الطبيب من المسئولية عن فعله أن يكون متفقاً مع ما تعارف عليه ، ومثل هذا العرف لا يرفع عن المحاكم حريتها في التقرير وحقها في أن تقرر أنه لا يتفق مع قواعد الحيطة أو غير كاف
كذلك ينتقل الدم الملوث نتيجة خلط دم ملوث بدم سليم عن طريق الإهمال أو عدم الانتباه من العاملين في بنوك الدم وإذا كان الدم الملوث يمكن نقله عن طريق جزيئات صغيرة قد لا تري بالعين المجردة فأن أي وسيلة لذلك تكفي لقيام المسئولية ، فالطبيب أو الجراح المصاب بأحد الأمراض التي تلوث الدم ومع ذلك يقدم علي إجراء عملية جراحية وهو مصاب إصابة من شأنها أن تنقل العدوى إلي المريض يسأل جنائياً ، وتطبيقاً لذلك حكم في فرنسا سنة 1874 علي مولدة بتهمة القتل والجرح الخطأ بالحبس سنتين وغرامة 50 فرنك لأنها أصيبت في أصبعها بالزهري ، وبدلاً من أن تترك عملها وتنقطع للعلاج إلي أن تشفي من مرضها تسببت باستمرارها في العمل في إصابة نحو مائة شخص منهم عشرة أطفال وتوفي ثلاثة منهم علي أثر ذلك
من المسلمات العلمية أن نقل الفيروس إلي دم المجني عليه سيؤدي حتماً إلي نقل المرض إليه ، ومن غير المعقول أن تثبت حالة المريض علي ما هي بعد أن ينتقل إليه المرض إذ أن حالته سوف تتدهور مع مرور الوقت ، غير أنه لا يمكن التنبأ بهذا الوقت الذي تمر به مراحل المرض ! منذ فترة حضانة الفيروس حتي الوفاة ، خصوصاً لو كان المرض المنقول هو مرض الإيدز الذي سيؤدي حتماً إلي الوفاة ، إذاً تمر النتيجة بمراحل تبدأ بانتقال الفيروس ، ثم المرض ، ثم الوفاة ، ومنذ اكتشاف النتيجة في مراحلها الأولي – مرحلة انتقال الفيروس إلي دم المجني عليه – فما هي الجريمة التي يسأل عنها الجاني ، إذا كان المرض المنقول للمجني عليه هو الإيدز الذي سيؤدي للموت حتماً ؟؟
في معرض الإجابة علي هذا التساؤل فإن النتيجة التي يجب العقاب عليها هي النتيجة المتحققة ، والمستقرة حال تقديم الجاني للمحاكمة ، ومن ثم يسأل الجاني عن جريمة إحداث عاهة مستديمة غير عمدية ؛ لأن النتيجة المحققة والمستقرة أثناء المحاكمة هي مجرد الإصابة بالفيروس ، ولم تصل بعد إلي حد الموت ومن ثم فلا يجوز معاقبة الجاني علي الموت وهو لم يحدث ، حتي وإن كان محقق الوقوع آجلاً أو عاجلاً .
أما إذا تحققت الوفاة قبل المحاكمة أو إثنائها و قبل صدور حكم نهائي علي الجاني فإنه يسأل عن جريمة قتل خطأ ، حيث أنه يجوز للمحكمة أن تعدل الاتهام الموجه إلي الجاني طالما لم يصدر حكم في الدعوي ، وفي جميع الأحوال لا يسأل الجاني إلا عن النتيجة المتحققة بالفعل عند محاكمته ، مع جواز تعديل الاتهام إذا تطورت النتيجة قبل صدور الحكم النهائي ، فالنتيجة المتحققة بالفعل هي القدر المتيقن في حق الجاني خاصة وأنه لم يتعمد إحداث النتيجة المتحققة أو المتوقعة أو المنتظرة
1- القانون الجنائي ما زال هو الملاذ الأخير الذي تهرع إليه المجتمعات عند تفشي الأمراض المعدية، فمن الملحوظ أن لقواعده أهمية كبيرة في ردع السلوك الإجرامي الذي يتسبب في نقل العدوى، فبعد أن كان دور هذه القواعد ينحصر في مجرد الوقاية من الأمراض المعدية، فقد برز دورها العقابي الرادع في منع انتشار العدوى، كما ظهر في الكثير من الدول التي نظمت تجريم نقل عدوي مرض الإيدز بقواعد عقابية حازمة .
2 – سلوكيات نقل العدوى تعد من أخطر الجرائم ؛ لأن خطورتها لا تقتصر علي المجني عليه وحسب، وإنما تتعداه إلي غيره من المحيطين به، كما أن هذه الخطورة تتعدي الزمان والمكان بحسبان أن أثر الاعتداء يظل لفترة طويلة ويصيب بالضرر أكثر من شخص حتى أنه قد يشمل المجتمع بإثره في فترات زمنية طويلة .
3- أن هناك قصور تشريعي في مجال نقل العدوى عن طريق الخطأ ، حيث لا توجد نصوص مباشرة تجرم الاعتداء بنقل العدوى رغم خطورة تلك الجريمة، وإن وجدت بعض النصوص التي تجرم نقل عدوي بعض الأمراض مثل الزهري فإنها تكون ذات عقوبات غير رادعة لا يمكن تطبيقها علي الأمراض الخطيرة.
4- كما أن القوانين التي تعرضت لنقل العدوى وردت متفرقة ومتشتتة ولم يجمعها قانون واحد، كما اتصفت هذه القوانين بأنها في معظمها قوانين وقائية، ولم تنظم المسئولية الجنائية لناقل العدوى، وما تضمنته من عقاب كان لمخالفة قواعد الوقاية من المرض، و كان هذا العقاب بسيطاً لا يتناسب مع خطورة المرض.
5- عدم مواكبة التشريعات القائمة للتطورات الهائلة في المجتمع، فمن خلال استطلاع القوانين والقرارات المتعلقة بالأمراض المعدية نجد أن معظمها قد وضع منذ أكثر من نصف قرن، في وقت لم يكن العلم قد توصل فيه لاكتشافاته العلمية المعاصرة في شأن الأمراض المعدية ، وإن كانت القوانين الأخيرة قد سدت بعض النقص مثل القانون رقم 152 لسنة 2021 بشأن إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية ، وتعديلات القانون رقم 137 لسنة 1958 الصادرة بالقانون رقم 124 لسنة 2020 بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية .
6- بالإضافة إلي عدم وضوح بعض المفاهيم في التشريع المصري، مثل مفهوم المرض المعدي، ومفهوم الجواهر السامة، وقصور مفهوم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة، فهذه المفاهيم أصبحت تثير الجدل أكثر مما تزيله.
7- كما خلصنا إلي أن الشريعة الإسلامية تضمنت بعض القواعد القانونية التي تجرم فعل نقل العدوى، واتسمت هذه القواعد بأنها قواعد وقائية، حيث جرمت السلوك الذي يعرض الغير لخطر العدوى، كما أمرت الشخص المريض بالتداوي، وعدم تسببه في نشر مرضه علي المحيطين به.
8- تزايد ارتكاب جريمة نقل العدوى عن طريق الخطأ غير العمدي، فهي ترتكب أكثر ما ترتكب عن طريق الخطأ غير العمدي سواء عن طريق الأشخاص، أو في المنشآت الطبية العامة أو الخاصة.
9- هناك صعوبة في مساءلة الأشخاص المعنوية العاملة في المجال الطبي في التشريع المصري عن جرائم القتل والإصابة الخطأ بالعدوى أو تعريض الغير لخطر الإصابة بالعدوى؛ حيث لا توجد نصوص جنائية في قانون العقوبات المصري تقرر المسئولية الجنائية لهذه الأشخاص عن هذه الجرائم، بالرغم من أن السلوك الإجرامي للأشخاص المعنوية العاملة في المجال الطبي يفوق بكثير السلوك الإجرامي للشخص الطبيعي، نظراً لما يملكه من قوة، ووسائل، وفروع كثيرة تفوق قدرات الشخص الطبيعي. 10- ترتكب جريمة نقل العدوى بالسلوك الإيجابي، وترتكب أيضاً بالسلوك السلبي، ولا يوجد سبب أو مبرر قانوني للتفرقة في جرائم الامتناع الإيجابية بين الجرائم العمدية والجرائم الغير عمديه ليقر القضاء العقاب علي الأخيرة دون الأولي في الجرائم المتعلقة بالاعتداء علي الحياة والسلامة الجسدية. 11- قامت بعض الدول بتنظيم نقل العدوى بتشريعات مستقلة، وجرمت الاعتداء بنقل العدوى؛ فعاقبت بالسجن عشر سنوات والغرامة، كل من يعلم أنه مصاب بالإيدز وتسبب في نقله إلي آخر، ومن هذه الدول الكويت وكندا وإنجلترا وبعض الولايات الأمريكية.
12- اتجهت السياسة التشريعية الجنائية في معظم الدول التي نظمت جريمة نقل العدوى إلي الاتجاه نحو التجريم الشكلي لمواجهة الاعتداء قبل وقوعه وذلك بالعقاب علي أي سلوك إيجابي أو سلبي يهدد بالخطر دون اشتراط تحقق الضرر، وهو ما يعرف بسياسة التجريم الشكلي.
13- اتصفت بعض التشريعات بالجور علي حقوق المرضي ولم تراعي التوازن بين الحق في حماية المجتمع من الأمراض المعدية، وحق المريض في ممارسة حقوقه.
لذلك نطالب :
1- لزوم التدخل التشريعي الفوري لتنظيم جريمة نقل العدوى بالأمراض المختلفة وإفراد عقوبات معينة علي حسب خطورة المرض المعدي محل الجريمة باعتبار أن جريمة نقل العدوى جريمة مستقلة تتصف بخصائص مميزة.
2- إعادة النظر في السياسة التشريعية الوقائية التي تبناها المشرع المصري تجاه الأمراض المعدية ، والتي أصبحت عاجزة عن توفير الحماية الجنائية ضد الاعتداء علي الحق في الحياة والصحة، مع ضرورة تبني السياسة التشريعية العقابية بما يتناسب مع المعطيات العلمية الحديثة والتطور العلمي الهائل في المجال الطبي.
3- ضرورة تحديد المضمون القانوني الدقيق للمرض المعدي، وترتيب الأمراض المعدية بحسب خطورتها، وما يكون منها قابل للشفاء، أو غير قابل له، وذلك حتى يتمكن القاضي من تطبيق صحيح القانون، وإنزال العقاب المناسب لكل جريمة علي حده حسب خطورة المرض .
5 – يجب اعتناق التشريع الذي يجرم كل امتناع عن تقديم المساعدة الطبية لشخص في خطر، لخطورة ما يترتب علي هذا الامتناع من نتائج إجرامية كالوفاة، والإصابة بعاهة مستديمة، خصوصاً في حالة امتناع المنشآت الطبية عن قبول المريض أو تقديم المساعدة الطبية له بسبب عدم مقدرته علي سداد مصروفات العلاج في الحال.
6- كما يجب اعتناق فكرة تجريم تعريض الغير لخطر العدوى بمجرد حمل الفيروسات المسببة للمرض دون مبرر، وهذه الفكرة تحمل في طياتها تجريم أي سلوك خطر يمثل تهديد بإحداث ضرر لحياة الشخص أو سلامته الجسدية أو ينذر بحدوث هذا الضرر، كما تحمل هذه الفكرة تجريم كل سلوك إجرامي ينتج عنه ضرر يلحق حقاً أو مصلحة يحميها القانون، سيما في ظل مخاطر تداول الفيروسات والميكروبات، والبكتريا.
7- وضع جريمة نقل العدوى في قالب الجريمة الشكلية التي تتم بمجرد إتيان السلوك المادي دون التوقف علي حدوث النتيجة، نظراً لما تتصف به هذه الجريمة من صفات تجعلها مستحيلة الاكتشاف والإثبات، ومن ثم فالتجريم الشكلي هو الأكثر ملائمة لجريمة نقل العدوى التي تتدرج فيها النتيجة المرضية من سوء إلي سوء، فلا تستقر علي حالة واحدة.
8- تجريم مخالفة المريض بمرض معدٍ للتعليمات العلاجية، والتدابير الوقائية التي تضعها السلطات المختصة له، كالالتزام بعدم مغادرة دور العلاج، أو الانقطاع عن تلقي الخدمات الطبية، لمنع نشر مرضه علي الآخرين.
9- إضافة أفعال التبرع بالدم الملوث من جانب المتبرعين الحاملين للأمراض المعدية للأفعال المجرمة قانوناً، إذا كانوا يعلمون بحقيقة حالتهم الصحية، مع تشديد العقاب في حالة تعمد الإصابة أو إزهاق روح الضحية.
10- تفعيل دور الخطأ في نطاق التجريم والعقاب لمواجهة مخاطر نقل العدوى إذ أدي التطور العلمي إلي زيادة كبيرة في الإجرام غير العمدي والذي يخرج عن نطاق الصور التقليدية للجرائم غير العمدية، كما يجب وضع حدود فاصلة وواضحة بين الخطأ غير العمدي والقصد الاحتمالي الذي يتشابه في أحوال كثيرة مع الخطأ الواعي.
11- إرساء المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية العاملة في المجال الطبي في قانون العقوبات، والنص علي تجريم نقل العدوى الذي يتم في المنشآت الطبية بقواعد تفصيلية، نظراً لخطورة الجرائم التي تقع داخل هذه المنشآت.
12 – إعادة تنظيم موقف القانون من واجب الإبلاغ عن الأمراض المعدية، والمسئولين عن التبليغ، والسلطة المختصة بتلقي البلاغات، ووضع عقوبات رادعة للمريض الذي يلتزم الصمت، ولم يخطر شريكة بحقيقة مرضه، أو لم يخطر السلطات المختصة بإصابته بالمرض المعدي.
13- حقوق الإنسان مصونة في جميع التشريعات، فلا ينبغي أن تتخذ الدعوة إلي حماية المجتمع من الأمراض المعدية ذريعة للمساس بحقوق الفرد وسلامته، بما في ذلك عزله أو حرمانه من الحصول علي حقوقه، أو التمتع بالخدمات العامة، أو انتهاك إسراره.
14- تجريم السلوك التمييزي ضد المرضي بمريض معدٍ، ولا ينبغي أن يكون تجريم نقل العدوى حرباً عليهم، وإنما حرباً علي السلوكيات الإجرامية الخاطئة التي تتسبب في نقل المرض، فتعريض هؤلاء المرضي للمشقة أو التفرقة دون غيرهم يخالف المبادئ الأخلاقية، ويؤدي إلي رغبتهم في الانتقام.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا