رغم إننا في احتياج لتدشين مزيد من العلاقات مع الآخرين بغية جني ثمارها التي تنضج من تعاملات سوية تحكمها قيم إنسانية سامية ويغلفها نسق خلقي محمود؛ إلا أن هناك علاقات تحتاج لمراجعة وإعادة النظر في طبيعتها ومكونها ومكنونها، تلك التي تؤثر سلبًا على وجدانيات الآخرين، وتربك مسار حياتهم، وتزج بهم في غيابات وبراثن الأمراض النفسية منها والعضوية على حد سواء.
والاضطرار لبقاء استمرارية هذه العلاقات قد يكون من قبيل المواءمة، أو كما يقال قبول أخف الضررين، ومن ثم يحاول الإنسان مسايرتها ومعايشة مفرداتها كارهًا لها، ولديه شعور بالتهديد، أو الخوف، أو صعوبة الارتياح، مثلما يتكون في أنفسنا حيال نوازل القدر، ولهذا محاذيره وسلبياته والآليات التي يتوجب أن يتبعها الفرد كي لا يتردى الوضع عما هو عليه.
وعندما تفرز العلاقات مع الآخر نتائج غير مرضية، أو غير متقبلة، كالإساءة المتعمدة مثلًا، أو الأذى بمستواه اللفظي أو البدني، أو تعمد خدش وجرح المشاعر والأحاسيس، أو القيام بأفعال توصف بخستها ودنائتها؛ فإننا دون تردد نوصف صورة هذه العلاقات بأنها سامة؛ حيث تؤدي لآثار نفسية جسيمة لدى الإنسان، تجعله يقع فريسة للأمراض، ويتكون لديه وجدان سالب، قد يؤدي إلى هلكته في بعض الأحيان.
ولزامًا على كل إنسان أن يراجع نفسه وموقفه وعلاقاته إذا ما بدت أو لاحت في الأفق علامات تنذر بخطر معنوي أو مادي تجاهه؛ فعندما نرصد علاقة تقوم فلسفتها على حب الذات، أو الأنانية، أو حب التملك من طرف واحد؛ فيجب أن نتوقف كي لا نتعرض من خلالها لأذي سوف يحدث في وقت قريب لا نتوقعه؛ إذ أن تحمل مثل هذه العلاقات تؤدي لضغوط شديدة على كافة المستويات النفسية والمادية.
وحري بالذكر أن هناك أشخاصًا لا يقدمون لك من خلال علاقاتهم بك إلا كل سلبي، ويحاون مثابرين أن يجعلوا طريقك مليئًا بالأشواك، وممزوجًا بالظلام، ومحفوفًا بالمخاطر؛ فلا يستحسنون ما تقوم به، ولا يثمنون جهودك البناءة في مجال تخصصك النوعي وغير النوعي، ويتعمدون التقليل من حجم إنجازاتك، ودومًا ما يشعرونك بالفشل، ويحاولون أن يكرثوا ماهية الإحباط في ذهنك على مدار الساعة؛ فالحياة من وجهة نظرهم التي يصدرونها لك ما هي إلا شرور تفضي لمزيد من الأسى والحزن.
وهناك من ينتوى عبر علاقته بك أن يجردك من كل ميزة وتفرد بصورة ممنهجة؛ فيوجه دومًا لك النقد الهدام، ويستمتع بإضعاف ثقتك بنفسك، ويعمل بكل طاقته كي يثبط من عزيمتك ويهدر من طاقتك ويشتت أفكارك الإيجابية، ويحاول استبدالها بأخرى سلبية؛لتتسبب فيأرباكك وإشغال ذهنك في الأمور التي لا تحدث، ومن ثم تترك مخططاتك الآنية منها والمستقبلية، وتنتظر ما يحل بك من سوء القدر، وقد يصل الأمر لبلوغك مراحل الشك في نفسك وفيمن حولك؛ فتفقد الأمان في صورته الكلية، وهذا حال الشيطان مع بني البشر.
إننا نلاحظ إنسانًا يمتلء قلبه حقدًا عندما يرى آخر يمارس حياته بنشاط وحيوية ويؤدي أعمالًا مفيدة على المستوى العام والخاص؛ فيحاول عبر علاقته به أن يراقب ما يقوم بأدائه؛ ليبحث عن فجوات، أو هنات، أو نقاط ضعف، أو جوانب قصور؛ فيستغلها بطريقة غير سوية؛ ليظهر العوار بغية تثبيط العزيمة وتقليل الجهد، بل والتشكيك في حسن النوايا؛ فقد باتت الغيرة متقدة لا يطفئُ نارها إلا انهيار الآخر وخذلانه وإخفاقاته المتوالية.
وعلى كل حال يصعب أن نحصي صور العلاقات غير السوية، أو ما يسمى منها بالسامة في هذا المقام؛ لكن يتوجب علينا تناول وعرض ما ينبغي أن نقوم به لنقلل من الأثر السالب على الفرد الذي قد يتعرضلتلك العلاقات بمستوياتها المختلفة؛ إذ يجب أن يثق الإنسان بنفسه، ويستثمر ما لديه من طاقات في مكانها الصحيح، ويتجاهل كل نقد من شأنه يقلل من قيمة ما يؤديه.
وينبغي أن يخيم الأمل والتفاؤل على شخصية الإنسان كي يبعث طاقة إيجابية لكل من حوله؛ فالحياة في مكنونها تقوم على الطموح، والمستحيل ضرب من الضروب التي لا نضعها في الحسبان؛ فالعمل الجاد يصنع النهضة التي تورث في النفس حب الحياة وعشق مفرداتها، ومن ثم لا تترقب تغير الأخر للأفضل؛ فأمضي في طريقك ولا تتوقف تنتظر طيف دخان.
ولندرك أن أحلامنا الصغيرة سوف تكبر بمزيد من المثابرة والنشاط الزائد؛ فلذلك خلقنا وأمانة الإعمار على عاتقنا؛ فلا تستهين بصغير تقوم به؛ لكن ضاعف من نتاجك وسيمنحك رب العزة المنة والعطاء بأكثر مما تتمنى وتتوقع، وعظم من شراكاتك بعلاقات إيجابية، تحفزك وتشعل لديك لهيب حب العمل المثمر؛ فيستقر وجدانك ويدوم أداؤك ويرتقي.
وتمسك بمن يتحملون مسئولية ممارساتهم وأفعالهم، ويقدسون واجباتهم ويرفضون ماهية التقاعس، ويجرمون التقصير الذي يفضي لأذى الغير، وتأكد أن الإنسان المسئول يخشى إضارة من تكون بينه علاقة بغض النظر عن مستواها؛ إذ يخلو قاموسه من أذى نفسي كان أم مادي؛ فالعاطفة لديه متزنة، وحب الخير يملء جنباته، ويتطلع دومًا لمزيد من العلاقات المثمرة مستدامة النفع.
إن ضرورة المراجعة واجبة لنحافظ على طبيعتنا الإنسانية السوية؛ كي نضع من يستحق في مكانه المستحق؛ فلديك مقومات منحك الله أياها ويجب أن تحافظ عليها..ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة – جامعة الأزهر