تعاني كثيرٌ من دول العالم تحديًا ضخمًا في توفير الطاقة اللازمة للصناعات وللاستخدام، وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية؛ حيث إن الكمية الكافية للاستهلاك المتزايد من الكهرباء أضحت تعجز عن توفيرها، وهذا ما يؤكد أهمية ترشيد الاستهلاك قدر المستطاع، ومن ثم فالبحث عن حلولٍ إجرائيةٍ في الوقت الراهن صار أمرًا وجوبيًا بشأن الاستخدام المرشد على وجه التحديد؛ بالإضافة إلى ما تقدمه الدول من حلولٍ تساعد في التغلب على المرور من تلك الأزمة التي تواكبت مع طقسٍ شديد الحرارة في كثير من أرجاء الأرض.
ومقصد الترشيد يقوم على تجنب الإسراف قدر الإمكان بما لا يؤثر على مقومات المعيشة الرئيسة؛ فالمنزل الذي به عدد من المكيفات يكفي أن يشغل واحدًا دون الأخرين في حالة الإتاحة، وفوانيس الإضاءة يشعل منها الضروري ولا داعي للإنارة بصورةٍ كليةٍ، والمصابيح الموفرة يفضل استخدامها عن العادية، والإضاءة الطبيعية مقدمة بلا ريبٍ عن الإضاءة الصناعية، والأجهزة الكهربائية تستخدم في وظيفيتها فقط، وهنا نرمي إلى أنه يمكننا أن نقوم بالاستغلال المثالي للطاقة الكهربائية بما يسد الاحتياجات الأساسية بعيدًا على ماهية الإفراط في الاستخدام؛ كي نضمن استدامتها على مدار الساعة؛ إذا ما كان التحميل غير مرتفع، وحتى لا تضار شبكات التوزيع.
وفي هذا المقام نؤكد على أهمية الوعي الصحيح في عملية ترشيد الطاقة الكهربائية؛ بعيدًا عن قوانينٍ منظمةٍ؛ فالسلوك الحميد خير منظمٍ ومعينٍ ويساعد بالتالي على حل الأزمة أو المشكلة بصورةٍ ممتازةٍ، كما أننا لسنا بصدد أنها خدمة تقدم بمقابلٍ؛ فالأمر لا يؤخذ على عمومه؛ لأن التحدي يفوق قدرات ومقومات دولٍ كثيرةٍ وفي مقدمتها بلاد تمتلك البترول وليس لديها أزمةٌ في المحروقات؛ لكن الأزمة تتمثل في زيادة التحميل الناتج عن الاستهلاك المفرط والذي أدى لتعطل الشبكات وخروجها عن حيز العمل لفترات، ومن ثم لجأت إلى الترشيد بصورةٍ إجباريةٍ؛ حيث تخفيض ساعات الإمداد بالطاقة الكهربائية.
ولنا أن ندرك ونعي صورة التحديات المتعلقة بشأن الطاقة في ظل الحروب المتقدة والطقس القاسي، ومعرفتنا بالمعلومات المتعلقة بهذا الشأن للأسف نادرةٌ، وفي هذا المقام نؤكد على ضرورة إمداد المواطنين بالمعلومات التي توضح ماهية وطرائق ترشيد الاستهلاك للطاقة الكهربائية من خلال شركات الكهرباء وعبر منابر الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، حتى يستوعب الجميع تلك الآليات وتترجم في صورة ممارساتٍ فاعلةٍ تساعد في تقليل الاستهلاك قدر المستطاع، وبما يسهم في الخروج من الأزمة في وقتٍ قياسيٍ.
ولتكن هذه الأزمة ملهمةً لحلولٍ مبتكرةٍ، منها على سبيل المثال اختراع أجهزةٍ تعمل على توفير استهلاك الكهرباء وتفي بالغرض، كما تستبدل الأجهزة التي تستهلك قدرًا كبيرًا من الكهرباء بأخرى موفرةٍ من خلال مبادرة تتبناها شركة الكهرباء أو ترعاه مؤسسات الدولة الوطنية العامة منها والخاصة، كما يأتي الاهتمام بإعمال الألواح الشمسية في هذا التوقيت من الضروريات التي ينبغي تفعيلها، خاصة وأن درجات الحرارة في قصوتها بما يساعد على توليد قدر لا بأس به من الطاقة الكهربائية من خلالها.
ونشير إلى أن الممارسات غير الرشيدة في استخدام الطاقة الكهربائية لها آثارٌ عكسيةٌ على المجتمع بأسره، يأتي في مقدمتها زيادة فترات الانقطاع جراء تضرر الشبكات الكهربائية، وهنا نؤكد على التوازن والاعتدال في الحفظ على هذا المورد الذي يتوقف عليه العديد من مناشط الحياة المادية والمعنوية؛ فحفظ النعم تقوم على تجنب الإسراف والتبذير من خلال استخدامات غير ضرورية، تضير بالآخرين بصورةٍ مباشرةٍ.
ودعونا لأن نصبح قدوةً لأبنائنا الصغار؛ كي يقلدوا ممارستنا الصحيحة والإيجابية عندما يرونا نرشد الاستهلاك، ونغرس فيهم العادات الحسنة والاتجاهات الإيجابية المتمثلة في تعاونهم وشراكتهم الفاعلة عندما نواجه مشكلةً أو أزمةً؛ فيصبحون متحملين للمسئولية لديهم قيمٌ اقتصاديةٌ نبيلةٌ منها التوفير والترشيد، كما أن تشجيعنا لهم من خلال تقديرٍ رمزيٍ أو معنويٍ يشكل دافعًا لمعاودة الترشيد المرغوب فيه..ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر