تزخر مصر العامرة بالعديد من المؤسسات المهنية الإعلامية بمختلف تنوعاتها والتي تحوي قدرات بشرية ماهرة ومقدرات مادية ضخمة، ومن ثم تؤدي عملها بإتقان وحرفية منقطعة النظير؛ حيث تلبي احتياجات الرأي العام من معارف ومعلومات إخبارية وغيرها من التنوعات التي تُعد محل اهتمام المتلقي في شتى المجالات العلمية والرياضية والعملية والحياتية؛ لذا تساهم بصورة مقصودة في تشكيل وعي مجتمعي رشيد، يعد سياجًا منيعًا ضد ما تبثه وتنعق به منابر تزييف الوعي بمختلف صورها المقيتة، والتي تطلق الأكاذيب والأباطيل على مدار الساعة.
ويدرك القاصي والداني المهمة غير الأخلاقية التي تمارسها منابر تزييف الوعي والتي تستهدف في مقامها الأول إحداث الزعزعة، وإضعاف الثقة لدى المجتمع المترابط؛ كي تنفك لحمة الشعب ويتهتك نسيجه، وتبدأ النزاعات، وتصبح الفرقة والشتات السبيل الذي ينتظر الأوطان، وتتعاظم مهددات الأمن القومي في أبعادها المختلفة؛ فيسهل النيل من مقدراتها المادية والبشرية على السواء، وتذهب النهضة والإعمار إلى غير رجعة، ويغدو المستقبل مليئًا بسيناريوهات الرعب والفشل والانحدار نحو هاوية سحيقة لا يعلم ما بها إلا علام الغيوب.
وحري بالذكر أن المؤسسات الإعلامية المصرية تتميز بقدر عال من التفرد وصورة العرض والتناول التي توصف بالمبتكرة؛ كونها تراعي معايير الجودة فيما تقدمه، والمصداقية فيما تعرضه؛ حيث التزامها الصرف بماهية الميثاق الإعلامي الذي أقرته سياسة الدولة، وحدد بنوده بشفافية، ونصت مواده الملزمة على ملازمة النسق القيمي النبيل الذي يؤمن به المجتمع؛ كي يتم الحفاظ على الهوية القومية المصرية، ولا ينالها التشوية، وقد تمخض عن ذلك تناول وعرض قضايا الداخل والخرج بتجرد واضح بما مكن المتلقي من مطالعة الحقيقة، ومشاهدة الحدث على أرض الواقع؛ فلا مغالاة ولا تزييف، مثلما تنتهجه منابر الشر التي باتت تملأ الأرجاء.
إن المزايد على مصالح الوطن العليا لا شك أنها خيانة، ومن يمارس هذا الفعل الشنيع يعد متجردًا من قيم الولاء والانتماء دون مواربة؛ حيث إن قلب الحقائق والتأويل بما يثير الخوف والرعب والرهبة في قلوب من يتلقى الخبر أو يتابع القضية أو يشاهد ويتابع الحدث لهو ضرب من ضروب التزييف والخداع، ويخالف المهنية الإعلامية بصورة صريحة، ومنابر الكذب تحاول جاهدة بكل مقوماتها الممولة أن تضفي شرعية وهمية لطرف على حساب طرف آخر؛ لتحقق مآرب باتت منكشفة وواضحة لمن يمتلك قلبًا ووعيًا سليمًا.
وتتعالى صيحات منابر تزييف الوعي من خلال ممارسات وأنشطة وفق سيناريوهات ممنهجة تقوم على سياسة التهويل وإضفاء مزيد من الزخم غير الحقيقي؛ لتصاب الشعوب ومواطنيها بفزع وهلع، ولا ريب فنحن نعيش في فترة مليئة بالأحداث المتوالية والمؤسفة؛ فالمخاطر والتهديدات تكسو سماوات العالم بأسره، وبقع النزاع المسلح أضحت في تنامي يومًا تلو يوم، ومن ثم تستغل أبواق الكذب الإعلامي عبر الفضائيات ومنصات المواقع الاجتماعي هذا المناخ لتحقق مآربها التي تسعى إليها، وفي المقابل يقوم الإعلام الوطني المصري بدحر ما تخطط له تلك المنابر سيئة الغاية؛ لتضع الأمور في نصابها، وتنقل الحقيقة كما هي؛ لتبث الطمأنينة في القلوب، ويستشعر الإنسان أنه آمن في وطنه.
وتعمل منابر تزييف الوعي على سياسة النفس الطويل؛ لتفرض سيطرتها على فكر ووعي المتابعين لها والمتلقيين معلوماتهم من خلالها فقط، كما تستهدف نشر مناخ سلبي يؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية ويضعف من الهمة ويحض من العزيمة، بل ويدعو للفوضى؛ كي يقف القطار التنموي في أرجاء وربوع الوطن، فتتساقط غاياته العليا، ويحل مكانها غايات الخلافة المزعومة؛ فتصير البلاد طوائفًا وشيعًا، القوي يأكل الضعيف؛ لكن تلكما المخططات يدركها شعبنا العظيم، ويعمل على إسقاطها كلما طفت على السطح بممارسات نبيلة تبدو في الاصطفاف خلف الدولة في كل الأحوال.
وعلى إعلامنا الوطني تقع مهمة استكمال مسيرة بناء الفكر القويم الذي يقوم على صقل وتعضيد الهوية القومية المصرية في أذهان شباب الأمة الذي يدفع عن بلاده شر ما تنتويه أصحاب الأجندات والمستظلين بجنبات الخراب والدمار وهدم وانهيار الأوطان، كما على إعلامنا الوطني العمل بصورة ممنهجة من أجل غرس القيم النبيلة في النشء الذي يواجه موجات من غيث معلومات تشوبها الشوائب وتكمن في طياتها رسائل سلبية تسهم في تشويه الرؤى والوعي.
ونؤكد أن مسار بر الأمان في ظل ما نعيشه من فتن متوالية ومتتالية يقوم على تنمية الوعي الصحيح وتصويب المغلوط والخطأ منه، وهذا من مهام الجميع دون استثناء بداية من إعلامنا الوطني ومؤسساتنا التعليمية والعقدية والاجتماعية ناهيك عن دور الأسرة الفعال في هذا الخضم.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر