باتت الدولة المصرية مالكة لبنى تحتية صامدة تقبل الإضافة والتطوير، ومن ثم فتحت صورًا للاستثمار في كافة المجالات التنموية الاقتصادية، ما شجع تلك الشركات العالمية على عقد اتفاقيات وشراكات مع الحكومة المصرية بغرض الاستثمار في البنية التحتية المستدامة، والتي منها مشروعات النقل والمياه، والطاقة المتجددة ومنها الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، والأمن الغذائي، وهذا الأمر يجعل طموح التنمية لا متناه في كافة ربوع الوطن، ويؤكد بأن مقوم التنمية بتنوعاتها يقوم على بنية قوية مجهزة تحقق احتياجات التجارة والاستثمار وتوطن المجتمعات؛ بما يحدث تسريع لوتيرة نهضة المجتمعات الجديدة وامتداد المساحات العمرانية التي توجدها فرص العمل المتجددة.
ودومًا ما يبحث المستثمر على العوامل التي تضمن تحقيق أهدافه، وفي مقدمتها النمو المادي والخبراتي لمؤسسته الاقتصادية؛ فيقوم بدارسة حالة استقرار الدولة المستهدفة، ويطلع على خططها الطموحة تجاه التنمية الشاملة في صورتها المستدامة، ويرصد مدى توافر البنى التحتية الأساسية التي تمكنه من الذهاب والإياب من طرق برية ومطارات وموانئ؛ بالإضافة إلى سهولة الإجراءات والتسهيلات في الحصول على ما يمكن هذا المستثمر من ممارسة نشاطه الاقتصادي في وقت قياسي، كما يرصد مدى إقبال القطاع الخاص على الاستثمار في مشروعات الدولة القومية وصور مشاركته، وحجم الإنجازات على أرض الواقع ومدى جودة المخرجات، وغير ذلك مما يجعله آمنًا مطمئنًا في مقصده وعلى أمواله.
بيد أن مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي الذي يستهدف صور التعاون الاقتصادي بين مصر والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلال جذب الاستثمارات الأوروبية المتنوعة إلى الوطن الحبيب جاء نتيجة لجهود متواصلة وعلاقات طيبة وثقة متبادلة بين القيادة السياسية والدبلوماسية المصرية مع هذه الدول؛ فمصر من الدول المتفردة في موقعها الجغرافي، ومناخها المواتي، وقدراتها البشرية التي تمتلك المهارة والكفاءة في مجالات العمل والإنتاج بمختلف أنماطه، فضلًا على أن الدولة بها العديد من الموارد الطبيعية التي تحقق الغاية منها حال توطين الصناعة بأماكن تلك الموارد النادرة منها وغير النادرة.
ومن الأمور المشجعة على نجاح ما يمتخض عن هذا المؤتمر من اتفاقات، أن الأجندة المصرية وضعت الأولوية فيما تود الاستثمار به وفق الأولوية والأهمية، ومنها البنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والصحة والتعليم، والنقل المستدام وشبكات المياه والصرف الصحي، وهناك أيضًا مبشرات تؤكد أن الدولة على مسار النهضة الصحيح؛ حيث أبرمت منذ وقت قريب صفقة رأس الحكمة التي تعد من صفقاتها غير المسبوقة في تاريخ الاقتصاد المصري؛ حيث إن هذا المشروع سوف يحقق استثمارات آنية ومستقبلية تساهم في ازدهار الوطن، بل والمنطقة كلها.
وما نطمح إليه جراء الاستثمار من قبل دول الاتحاد الأوربي وشركاته العالمية، أن ينعكس ذلك بصورة ملموسة في مزيد من تحسين مقومات المعيشة للشعب المصري العظيم؛ فيتلقى الخدمات التي تتسم بجودتها، وينال الرعاية كما ينبغي أن يكون، وتُخلق المزيد من فرص العمل التي تستوعب القدرات البشرية القادرة على العطاء؛ فأبواب هذه الاستثمارات مفتوحة على مصراعيها في شتى القطاعات من صناعة وطاقة وزراعة وتعليم وصحة وتجارة وسياحة، وضروب المنفعة المتبادلة لا يستهان بها.
وندرك أن سائر الدول المتقدمة قلما تعتمد على مورد اقتصادي بعينه؛ فنحن نعيش ثورة معرفية وتقنية مكنت من تحقيق ماهية الاستثمار في كافة المجالات والقطاعات؛ فما كان من قطاع مستهلكًا في الماضي ويشكل عبءً على عاتق الدولة أضحى مثمرًا ومنتجًا، ومصر من الدول التي تستطيع أن تعدد من أنماط اقتصادياتها بشكل فاعل؛ فلديها موقع فريد يمكن من خلاله أن تنافس على مكانة متقدمة في المجال السياحي على سبيل المثال؛ بتوفير مقومات هذا المجال بصورة مدروسة من خلال خبراء على المستويين المحلي والدولي.
إن مجالات التفاوض حول الاستثمار كثيرة ويصعب سردها؛ لكن نثق فيمن وكل لهم الأمر بهذا الشأن؛ ليحققوا المكاسب المستحقة لدولة عظيمة تمتلك بكل مصداقية مقومات الاقتصاد المتنوع، ونثمن جهود المخلصين في إنجاح غايات هذا المؤتمر على أرض المحروسة، ونوجه التحية لقائد لمسيرة لجهوده المخلصة وتفانيه في رفعة شأن الوطن وإعلاء قدره ومقداره؛ فندعو الله تعالى أن يسدد خطاه ويوفقه لما فيه خير البلاد والعباد إنه ولي ذلك والقادر عليه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر