تسعى مصر لتحقيق الأمن المائي المستدام بشتى الطرق وعبر العديد من المشروعات التنموية، لتحقيق الاستفادة القصوى من حجم المياه، والتوجه نحو التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج المياه. وتعتمد تقنية استخلاص المياه من الجو على طاقة متجددة، ليشكل هذا المشروع إضافة مهمة للمشاريع المستدامة والمبتكرة الواعدة التي تقام ضمن مشروعات الإنتاج الحربي. أن هذه التقنية تقوم بتكثيف المياه بطريقة مبتكرة موفرة للطاقة ثم معالجتها وإضافة عناصر مفيدة للجسم أهمها الكالسيوم ثم تعقيمها باستخدام أيونات الفضة وهى تكنولوجيا يابانية خاصة بشركة ميزوها.
يعدّ مولّد المياه من الغلاف الجويّ جهازاً لاستخلاص واستنباط المياه من جزيئات الهواء الرطبة المحيطة به، ويستخرج بخار الماء من الجوّ عن طريق تكثيف الهواء وتبريده إلى درجة أقل من درجة الندى، أو عن طريق تمريره في مجفّفات أو ضغطه. تكمن أهمية وجود هذه المولّدات في المناطق التي يصعب إيجاد المياه النقية فيها، والتي تعاني من شحّ المصادر المائية.
تتطلب عملية استخراج المياه من الجو كمية من الطاقة اللازمة لتشغيل هذه المولّدات، وبعضها يعتمد على الاختلاف بين درجات الحرارة دون الحاجة إلى اللجوء لمصادر أخرى من الطاقة.
أن هذا الجهاز يأتي إنتاجه في ظل جهود حثيثة بذلت على مدار فترة امتدت لأكثر من عام مرّ خلالها الجهاز بعدة اختبارات، وتم الحرص على تطويره خلال تواجده واختباره بمصر، لكي يناسب العمل في الأجواء الجوية الحارة، التي تختلف عن أجواء اليابان، التي لها خواص جوية مغايرة. أن هذه التقنية الخالية من الانبعاثات الكربونية سوف تساعد على توفير المياه بطريقة مبتكرة، وإدارتها بشكل مستدام، بأيد مصرية وتكنولوجيا يابانية، أن المياه المنتجة من الجهاز حصلت على موافقات وزارة الصحة والسكان. يواجه العالم حالياً واحداً من أهم تحديات العصر وهو التغير المناخي. وفي ظل اهتمام الدول بالبحث عن طرق للحد من هذه الظاهرة، تجتهد مصر في التقدم نحو مستقبل أكثر استدامة واستغلال موقعها المتميز ومواردها الطبيعية في إنتاج طاقة نظيفة تسهم في خفض الانبعاثات المسببة للتغير المناخي الذي يشهده العالم في الوقت الحالي بطريقة غير مسبوقة.
يعد النشاط البشري، الذي يتضمن الصناعة والزراعة وقطع الغابات واستخدام وسائل النقل وغيرها من الأنشطة، المصدر الأول والأساسي للتلوث البيئي والتغير المناخي بسبب انبعاثات الغازات الكربونية التي تساهم في الاحتباس الحراري. يتسبب الوقود الأحفوري -النفط والغاز والفحم- بنسبة 75% من هذه الانبعاثات. ويعود ارتفاع هذه النسبة إلى أهمية الوقود الأحفوري كمصدر أساسي للطاقة على كوكب الأرض لتوفره وسهولة إتاحته فهو يستخدم في الأنشطة الصناعية ولتوليد الكهرباء كما يستخدم كوقود لوسائل النقل بمختلف أنواعها. تمثل الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري في مصر ما يقرب من 90% وتشمل النسبة المتبقية الطاقة المتجددة الشمسية والكهرومائية.
الطاقة المتجددة، مصادر متنوعة ومستقبل مشرق
في ظل اهتمام العالم بكيفية مواجهة التحديات البيئية الراهنة، تبحث الدول عن بدائل نظيفة للوقود الأحفوري. وتأتي الطاقة المتجددة في أعلى قائمة البدائل النظيفة. تعرف الطاقة المتجددة بالطاقة الناتجة من مصادر طبيعية ومستدامة، ومن أمثلتها: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، والطاقة البحرية، والطاقة الأحيائية وهي الطاقة التي تُنتج من المواد العضوية والسماد الطبيعي لإنتاج حرارة وطاقة. هذا بالإضافة إلى الهيدروجين الأخضر، وهو من أبرز أنواع الطاقة المتجددة التي تتسابق الدول في إنتاجها لاحتوائه على حوالي ثلاثة أضعاف الطاقة المتوفرة في الوقود الأحفوري. ويُنتج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية تحليل كهربائي باستخدام أحد أنواع الطاقة المتجددة التي سبق ذكرها لفصل الهيدروجين عن الأكسجين من المياه.
هناك العديد من الجوانب المشرقة في التحول إلى الطاقة المتجددة، حيث أنها طاقة نظيفة صديقة للبيئة لا تصدر أي انبعاثات كربونية أو غازات مسببة للاحتباس الحراري، فبالتالي تعمل على تقليل التلوث الهوائي والحفاظ على البيئة. ونظراً لأنها مصادر لا تفنى لإنتاج الطاقة، فهي تعمل على حفظ الموارد الطبيعية على النقيض من الوقود الأحفوري الذي يُفنى ولا يتجدد بالمعدل المطلوب لتلبية احتياجات البشرية في العقود القادمة. كما تتسبب الزيادة السكانية في زيادة اللجوء إلى استخدام الوقود الأحفوري لتواجده بوفرة وهو ما يزيد من معدل إهدار الموارد الطبيعية فضلاً عن معدل التلوث البيئي.
أما على الجانب الاقتصادي، يمكن للطاقة النظيفة أن تؤثر بشكل إيجابي على استقرار الأوضاع الاقتصادية. بسبب الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري، تضطر معظم البلاد إلى استيراده مما يجعل هذه الدول عرضة للأزمات التي تتعرض لها التجارة العالمية بسبب الحروب مثل الأزمة الروسية الأوكرانية، أو التحديات الصحية مثل وباء كوفيد-19. على النقيض تتوافر مصادر الطاقة المتجددة في معظم الدول بشكل طبيعي مما يساعد على استقرار اقتصاد البلدان نسبياً في حالة اعتمادها على المصادر المحلية المتجددة للطاقة. كما تعمل مشاريع الطاقة المتجددة أيضاً على خلق فرص عمل، فحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، يمكن أن يؤدي التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة إلى كسب حوالي ٩ ملايين وظيفة على المدى البعيد.
الإمكانات الكامنة لمصر في مجال الطاقة النظيفة
تتمتع مصر بالعديد من المصادر الطبيعية المنتجة للطاقة النظيفة والمتجددة بسبب موقعها الجغرافي المتميز حيث تقع مصر بين خطى عرض 22 و32 شمال خط الاستواء وبين خطي طول 24 و37 شرقي خط جرينتش، لذلك تتميز بموارد طبيعية غنية يمكن استغلالها لإنتاج طاقة نظيفة مثل:
سرعة الرياح: تقع مصر على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط بالإضافة إلى كونها مصب لنهر النيل، مما يجعلها موقعاً متميزاً لإنتاج طاقة الرياح لوجود أنظمة رياح متميزة في أماكن مثل خليج السويس وعلى ضفاف النيل، وساحل البحر الأحمر، ومنطقة شرق العوينات حيث يصل متوسط سرعة الرياح إلى 10.5م/ث في خليج السويس ومن المتوقع أن تصل قدرة الطاقة الناتجة منها إلى 7 جيجاوات في 2022. ومتوسط سرعة الرياح في مناطق شرق وغرب النيل تبلغ حوالي 7.5 م/ث على ارتفاع 80 متر.
الطاقة الشمسية: تعد مصر من دول “الحزام الشمسي” وهي الدول ذات أهمية كبرى وإمكانية ضخمة لتوليد الطاقة الشمسية، حيث يذكر الأطلس الشمسي لمصر أنها تنتج حوالي من 2000 إلى 3000 كيلووات/ساعة من الإشعاع الشمسي المستقيم. وتكون عدد ساعات سطوع الشمس في مصر حوالي من 9 إلى 11 ساعة يومياً طوال العام، بالإضافة إلى ندرة تواجد السحب. يوجد بمصر أيضاً مساحات ضخمة من الصحراء غير معمرة يمكن استخدامها لإنشاء مشاريع ضخمة لإنتاج الطاقة الشمسية. لذلك تساهم الطاقة الشمسية في مصر في إنتاج أكبر نسبة من الطاقة المتجددة، وتهدف مصر لتوليد ما يقرب إلى 21.3% من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035.
الطاقة الكهرومائية: يتم إنتاج الطاقة الكهرومائية عن طريق تدفق المياه وتحويل الطاقة من طاقة كامنة إلى طاقة ميكانيكية باستخدام التوربينات. لذلك استغلت مصر المسطحات المائية لديها -نهر النيل بشكل أساسي- في بناء محطات لتوليد الكهرباء مثل السد العالي بأسوان، خزانات أسوان إسنا ونجع حمادي وأسيوط. حيث تنتج محطات الطاقة المائية حوالي 18% من إجمالي الطاقة المستهلكة في مصر.
وانطلاقاً من هذه الإمكانات الهائلة، تهدف مصر في 2022 لإنتاج حوالي 20% من إجمالي إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، وترتفع هذه النسبة إلى 42% بحلول عام 2035 وفقاً لاستراتيجية الطاقة المتجددة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، اهتمت مصر ببناء العديد من المشروعات في مجال الطاقة المتجددة، من أبرزها:
مجمع الطاقة الشمسي ببنبان بمحافظة أسوان: يعد من أكبر المشروعات المحلية إنتاجاً للطاقة حيث أنه يضم 40 محطة شمسية، وتبلغ قدرة كل محطة 50 ميجاوات، ليكون إجمالي إنتاج كل محطة ما يقرب من 90% من إنتاج السد العالي للطاقة الكهربائية.
والمحطة الشمسية الحرارية بالكريمات: تبلغ قدرة المشروع 140 ميجاوات. ويعتمد المشروع على ارتباط الدورة المركبة بالحقل الشمسي.
محطات الخلايا الفوتوفلطية: في العديد من المحافظات منها أسوان والبحر الأحمر ومطروح. وتعتمد أنظمة الخلايا الفوتوفلطية على تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كهربائية.
ومن أهم مشروعات طاقة الرياح:
مزرعة رياح الزعفرانة: تضم المزرعة عدد 700 توربينة، وتنتج حوالي 545 ميجاوات. وتعتبر مزرعة الزعفرانة من أول محطات إنتاج طاقة الرياح في مصر.
مزرعة رياح جبل الزيت: تنتج مزرعة رياح جبل الزيت إجمالي طاقة تساوي 580 ميجاوات. وتضم المزرعة 3 محطات تعمل بقدرات مختلفة تتراوح بين 240 و120 ميجاوات. وتحتوي عدد 290 توربينة.
محطة رياح خليج السويس: تعتبر أول محطة تابعة للقطاع الخاص في مصر. وتنتج إجمالي طاقة بقدرة 250 ميجاوات.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لاستكمال خريطة الطاقة المتجددة في مصرس، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه التقدم نحو هذه الجهود مثل عدم تهيئة المصانع والمباني ببنية أساسية تعتمد على الطاقة المتجددة، وعدم توافر طرق تخزين هذه الطاقة.
الوعي العام بأهمية التحول لاستخدام الطاقة المتجددة
علي الرغم من أن المشروعات الكبيرة والمصانع الضخمة هي المسبب للنسبة الأكبر من التلوث البيئي، إلا الأفراد أيضاً يقع على عاتقهم مسئولية ليست بالهينة، حيث تساهم العديد من العادات الإنسانية والتقاليد الاجتماعية في ارتفاع معدلات التلوث البيئي. ولذلك ابتكار الطرق والحلول التي يمكن للأفراد والمجتمعات المحلية اتّباعها للمساهمة في حل مشاكل البيئة يعد عنصراً هاماً للتحول لمصادر الطاقة المستدامة في الحياة اليومية أيضاً. ومن ضمن هذه الحلول:
تركيب لوحة طاقة شمسية فوق أسطح المنازل للاستهلاك المنزلي. وتوجد قدرتان تناسب الاستخدام المنزلي: القدرة الأولى تمنح حوالي 5 ك.وات في الساعة أي ما يقرب إلى 750 ك.وات شهرياً. والقدرة الثانية تمنح حوالي 10 ك.وات أي ما يقرب إلى 1600 ك.وات شهرياً. كما تمنح البنوك قروض خاصة لتمويل مشاريع الطاقة الشمسية في المنازل.
استبدال وسائل المواصلات بوسائل أقل تلوث للبيئة. حيث تساهم المواصلات البرية في نسبة أقل من الانبعاثات الكربونية من المواصلات الجوية، والتنقل داخل المدن بمواصلات صديقة للبيئة مثل الدراجات، وتوفير استخدام السيارات بالركوب مع الأصدقاء. وكذلك استخدام السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي بدل البنزين لأنه يعتبر من أقل أنواع الوقود المنتجة للانبعاثات الكربونية.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا