كريستيانو رونالدو ليس مجرد لاعب موهوب لكن الأهم من وجهة نظرى أنه لاعب يجيد تحمّل المسئولية
لست ممن ينفعلون بشدة وهم يتابعون ردود فعل نجوم كرة القدم بعد أن يسجلوا أهدافاً فى مرمى الخصوم. المفروض أن صنعة النجم هى إحراز الأهداف وهز الشباك، لذا أندهش من ردود أفعال كل منهم كلما يحرز هدفاً حيث ينطلق تجاه الجمهور فى المدرجات وأمام الشاشات كالمجنون وهو يضرب صدره بكفيه فى إشارة نرجسية أنى أنا البطل، مع أن الكرة فى الأساس لعبة جماعية. من حق كل إنسان طبعاً فى أى مجال أن يفرح بنجاحه خاصة لو كان فى هذا النجاح ما يسعد الآخرين لكن المبالغة تفسد كل شيء، فما هى المعجزة فى أن يحرز الهدًّاف هدفاً أو أن يمثل الممثل دوراً جيداً أو أن يكتب الكاتب مقالاً يعجب الناس، المفروض أن هذا هو العادى والمتوقع منهم.
كانت تلك المقدمة ضرورية لحديثى عن النجم البرتغالى كريستيانو رونالدو. اعترف فى البداية أن حكمى على نجم فى مجال ما لا يرتبط فقط بأدائه فى الملعب لو كان لاعباً، أو أمام الكاميرات لو كان فناناً، أو بسطوره التى يكتبها لو كان كاتباً. فشلت وهذا عيب فى شخصيتى أن أكون موضوعياً متجرداً فى الحكم على النجوم. أتأثر كثيراً فى مواقف النجوم الشخصية خارج مدار نجوميتهم، يفرق معى كثيراً مثلاً من يدافع عن حقوق الفلسطينيين عمن يأخذ جانب الدفاع عن إسرائيل. لذا أحببت رونالدو ولا أحب ميسى. أعرف أن مشاعرى لن تفرق مع أى منهما ومؤمن أن مواقف الإنسان الخاصة لا يجب أن تؤثر على حكمنا عليه، لكن هذا أنا مع الأسف وقد حاولت كثيراً أن أغير من نفسى لكنى فشلت.
الحكاية إذن أنى من متابعى هذا النجم الفذ فى عالم كرة القدم والذى ستحتاج الملاعب سنوات طويلة لتجود بمثله. كريستيانو رونالدو ليس مجرد لاعب موهوب لكن الأهم من وجهة نظرى أنه لاعب يجيد تحمّل المسئولية. لفت نظرى منذ أشهر قليلة مضت عندما بكى وهو يخسر مع ناديه النصر السعودى أمام الهلال. كنت أظن أن انتقال رونالدو للدورى السعودى هو محض سبوبة تضيف لرصيده الملايين إن لم يكن المليارات من الدولارات، لكنى عندما وجدته يبكى بحرقة وبصدق ليس فيهما أى تمثيل أدركت كيف يشعر هذا البطل بالمسئولية عندما يلعب كرة القدم فى أى مكان. لذا يلعب بمنتهى الجدية من أول دقيقة حتى آخر المباراة. تكرر بكاء رونالدو عندما أضاع ركلة جزاء فى مباريات دور الـ ١٦ من بطولة الأمم الأوروبية أمام سلوفينيا وكاد فريقه أن يغادر البطولة قبل أن يلعب الفريقان ضربات جزاء فلا يجد رونالدو المسئول سوى التصدى بكل جرأة للركلة الأولى التى فتحت طريق الصعود لفريقه. بكى رونالدو عندما أضاع ضربة الجزاء لشعوره أنه مسئول ليس فقط عن إسعاد الجماهير البرتغالية المحتشدة فى ستادات ألمانيا وعلى رأسهم والدته بل لشعوره بالمسئولية تجاه بلده وتجاه عشاقه حول العالم.
أما عن إنسانية رونالدو وتعامله مع الناس العاديين وبخاصة الأطفال فحدث ولا حرج. يبتسم خلال السلام الجمهورى لبلاده لطفلة صغيرة غير مصدقة أنها تقف أمام الأسطورة وتلمسه بيدها لتتأكد أنه حقيقى وعقب انتهاء عزف السلام يحتضنها لتطير الطفلة من الفرحة، ثم يلمح فى مباراة أخرى طفلاً من ذوى الإعاقة فيمسك بيده بحنان بالغ ويؤدى معه النشيد الوطنى. حتى فى الشوارع وفى طريقه للملاعب ومهما كان درجة تركيزه لا يرد طلباً لمعجب فى التصوير معه سيلفى أو التوقيع له فى اتوجراف أو إهدائه صورة أو حتى شورت أو فانلة فهو كما وصفه النجم التركى «أردا غوار» يحب إسعاد الناس حتى لو لم يعرفهم وذلك تعليقاً على ذهاب كريستيانو له فى غرفة الملابس ليعطيه قميصه بعد أن عرف من زميل مشترك لهما أن نجم تركيا يرغب فى القميص لكنه يخجل أن يطلبه بنفسه.
ربما تكون الفرصة ضعيفة أن يحصل البرتغال مجدداً فى ظل قيادة رونالدو على بطولة عالمية مع تقدم سن اللاعب، لكن من المؤكد أن «الدون» – وهى كلمة لاتينية تعنى سيد البيت – سجل بدموعه وبأخلاقياته وتصرفاته مع زملائه ومع الجماهير داخل وخارج الملعب معانى جديدة للمسئولية ستظل خالدة فى تاريخ الملاعب.