المستهدف من تطوير المرحلة الثانوية بالتعليم المصري أن يفرز خريجًا قادرًا على مواصلة التعليم في مراحله المتقدمة، ومن ثم يستطيع أن ينخرط في سوق العمل في ضوء ما يمتلكه من مهارات متفردة تساعده في أن يحدث نقلة نوعية في الاقتصاد ومسارات التنمية بمجالاتها المختلفة، كما أن هناك اهتمامًا بالغًا في تعضيد الهوية القومية المصرية التي تزيد من ولاء وانتماء الفرد لوطنه ومؤسسات الدولة ورموزها.
وهذا يتطلب الاهتمام بالمعلم باعتباره حجر الزاوية في تحقيق المخرجات التي تمت الإشارة إليها؛ فبواسطته نتمكن من إكساب المتعلم لمجموعة من الخبرات المتضمنة في المقررات الدراسية التي تم التوافق عليها، ومن خلال المعلم يتم صقل الجانب الوجداني الذي يحث المتعلم على حب المؤسسة التعليمية وأنشطتها المرتبطة بمناهجها، ويكون اتجاهات إيجابية نحو صاحب الرسالة السامية، ومن يقوم على إدارة المؤسسة، وما يقدم من خلالها من مقررات دراسية.
وبواسطة المعلم تتكون المهارات الابتكارية النوعية لدى أبنائنا الطلاب بالصفوف الدراسية المختلفة؛ فهو من يصمم الأنشطة التعليمية ويوزع المهام التي يؤديها المتعلم تحت إشرافه ومتابعته الحثيثة، وهو من يقدم الدعم اللازم عندما يحتاجه المتعلم أثناء تنفيذ المهام التعليمية، ومن ثم لا يتأخر في تعزيز كل متعلم يقوم بمهمة مكلف بها؛ بغية استثارة دافعيته لمزيد من التعلم وحب الاستطلاع العلمي.
وما تمت الإشارة إليه تحتاج لمعلم مطلع لديه الرغبة في تطوير مهاراته التدريسية، وتنمية الجانب الأكاديمي لديه، من خلال طرائق وأساليب التعلم الذاتي، وعبر مسارات التدريب أثناء الخدمة التي تقدم له في صورة برامج مقصودة، أو من خلال مجموعات الأقران عبر فلسفة مجموعات التعلم المهني، وبناء عليه تتوافر العديد من المصادر التي تساعد في تنمية الكفايات لدى صاحب الرسالة السامية، وما عليه إلا أن يختار الأفضل والمناسب له.
إن رفع الكفاءة الأكاديمية والمهنية لدى المعلم تعني بالضرورة العمل على تحقيق مستهدفات التطوير التي سعت إليها سياسة التعليم المصري، والتي نثمن ما بذل من جهود في حقها، خاصة بالمرحلة الثانوية التي استنزفت الكثير من المقدرات المادية واهدرت المزيد من الطاقات؛ فالسعي تجاه التحسين وتخفيف الحمل من على كاهل ولى الأمر والطالب واضح المغزى، ومساره جلي.
ومعنى أن نعمل على تنمية الأداء الأكاديمي والمهني لدى معلم المرحلة الثانوية في ثيابها الجديدة، أننا نُسهم في تحفيز الطاقات الكامنة لدى كل من المعلم والمتعلم في آن واحد؛ فالتدريب ماهيته أن يقف معلم المرحلة على مستجدات المعلومات المرتبطة بمجال تخصصه، وأن يطالع أحدث الاستراتيجيات التدريسية التي تتناسب مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ويمكن توظيفها بكفاءة من خلال المعلم والطالب عبر أدوار متبادلة فيما بينهم.
والنمو المضطرد لطرفي العملية التعليمية ينعكس على رسالة المؤسسة التعليمية؛ فنرصد من خلال ذلك نواتج تعلم متفردة، ومسار من الابتكارات نلاحظها في الأداءات سواءً أكانت تدريسية أو نواتج تعلم من قبل المتعلمين؛ فنرى حالة من الرضا المهني لدى المعلمين، ونشاهد إقبالًا ملحوظًا من قبل أولادنا للمؤسسة التعليمية، التي تحاول أن تبذل أقصى ما في الجهد من أجل جذب المتعلمين؛ لينالوا الخبرات التعليمية في صورتها المتكاملة، والتي تتضمن المعارف والمهارات والوجدانيات.
إن الاهتمام بالمعلم وتدريبه لا يعني أن يقوم بواجباته فقط، بل نتطلع لأن يبدع في أداء مهامه التعليمية؛ فيؤثر على المتعلم ويجعله يتفاعل معه من خلال ما يقدم له من أنشطة تعليمية تجذب الانتباه، وتقدح الأذهان، بمزيد من التساؤلات التي تحتاج لمزيد من الاستفسارات والاستنتاجات والبحث والتقصي، وهذا لن يحدث في إطاره التقليدي؛ حيث الاكتفاء بما جاء بالمحتوى من قبيل التلقين ومحدودية التفكير.
نتطلع في الفترات القادمة أن نرصد تقدمًا محمودًا في العملية التعليمية؛ فننشد إقبالًا على المؤسسة التعليمية التي تزخر بمعلمين أصحاب كفاءات في مجالات تخصصاتهم؛ فما أحوج أبنائنا إلى أن يتجمعوا حول موائد التعلم الرسمية التي تعضد لديهم النسق القيمي الذي فقدناه في المراكز التعليمية الخاصة، كما نتمنى أن تكون البيئات التعليمية بمؤسساتنا الرسمية بربوع الوطن مناخها مواتي؛ كي تساعد منتسبيها من تحقيق نواتج التعلم المنشودة بالمرحلة الثانوية الجديدة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر