كان يستعد لإجراء عملية قيصرية طارئة ، هو كبيرنا الذي علمنا السحر ، وكنا اثنتين، نتدرب على يده في فرع النسائية والتوليد.
حينها كان في نهاية أربعينه ، متزوج وأب ، على قدر كبير من الكفاءة العلمية في اختصاصه ،لكن مصيبته أكبر من مصيبة (أبو الهول) ،المسكين، أبو الهول على الرغم من هيبته وجلسته الفخمة وسمعته المنتشرة في المعمورة ،إلا إنه أبكم ،صخر،لاينطق ،هيبة على الفاضي،وصاحبنا هذا كان طويل القامة عريض المنكبين (شلولخ )، كما يقول عادل إمام ،مشعرٌ جدا، إلى الدرجة التي تجعله ربما يحلق ذقنه صباحا فينمو من جديد بعد الظهر .
لكنه وياللمصيبة قد تأثر بالجو الأنثوي في مجال اختصاصه في قسم النسائية والتوليد ، فصار يمشي مشية الأنثى وأحيانا يثرثر ويتفوه بمقولات خاصة بالجنس اللطيف دون أن يعي .
مهلا ،لقد سمعت بعضا منكم يضحك لأنني قلت جنس لطيف، نعم، نحن لطيفات جدا وحنونات إلى الدرجة التي نجعلكم تختارون فيها طريقة موتكم شنقا أو صعقا إن غامر أحدكم وقال :الطعام اليوم فيه ملح كثير .
المهم لاتعترضوا على لطافتنا وتصبحوا مثل الفيلسوف السوداوي شوبنهاور الذي لايطيق النساء و قال مستغربا(لا ادري كيف يمكن أن يطلقوا على هذا الجنس القزمي غير مكتمل النمو ضيق المنكبين عريض الوركين قصير الساقين صفة الجنس اللطيف !!!)، ولنعد لصاحبنا الذي لايمكن أن يُنسى.
في ذلك اليوم كنت أقف بقربه ونحن نستعد لإجراء العملية القيصرية ،نلبس الكفوف وغيرها من شروط صالة العمليات ونثرثر أنا وهو في شيء ما ، لكني سأتذكر ماحييت جملته المشفوعة بلغة جسد أنثوية و التي سببت لي ألم ممزق في بطني بسبب ضحكة مهولة كتمتها ولم أفجرها في وجهه احتراما له ، لأنه كما قلت لكم، كان كبيرنا الذي علمنا السحر ،يعني( الكبيررر اووي) ونحن نتتلمذ على يديه .
قال لي : أتعلمين شيئا ،(أنا أسامح لكني لاأنسى.)
قالها وابتسامة ظفر أشرقت على صفحة وجهه الأسمر الداكن الرجولي بشاربه وحاجبيه الكثين .
فابتسمت له وضحكتي المكتومة تكاد تمزق أمعائي ،ولم أعقب بكلمة واحدة .
المسكين كان يقول جملته تلك متفاخرا، وهو لايعلم أن تلك الصفة تنطبق على النساء حصرا دون الرجال.
لأن واحدة من الفروقات النفسية بين الرجل والمرأة، هو أن المرأة لاتنسى الإساءة أبدا ،في الحقيقة هي لا تنسى شيئا على الإطلاق، لأنها تربط كل حدث بالعاطفة ،وكل مايرتبط بالعاطفة يبقى راسخا في الذاكرة مدة طويلة جدا .
حتى إن خزان المشاعر والذكريات(الايماكدالا amygdala) في الدماغ, هو أكبر حجما عند المرأة منه في الرجل .
لذا فالمرأة لاتنسى بالفعل، لكنها تسامح ،نعم تسامحك وقد تفرش لك الأرض وردا، لكنها ستُذكرَك دوما بفعلتك الشائنة في حقها التي فعلتها أنت قبل تسعة آلاف سنة ضوئية مثلا.
في حين أن الرجل كارثي في نسيان الأحداث ،بالفعل إن دماغه يلغي الأحداث السيئة ولايحتفظ بها ، وحتى الأحداث السعيدة ، بل كل التفاصيل ،لكن المشكلة أنه حين يُهان أو يُجرح لايسامح أبدا .
لذا فمواقف الرجل قاطعة ولاعودة فيها حين يتجاوز أحدهم خطوطه الحمراء ، سيتخذ موقفا،لن يسامح،لكنه سينسى التفاصيل ،وينطلق في دربه متخففا من الأحمال.
ويبدو أن كبيرنا هذا قد نسي أنه رجل ،متأثرا بالمحيط الأنثوي في قسم النسائية والتوليد، فصار لطيفا مثلنا نحن اللطيفات( يسامح لكنه لاينسى)
فنحن النساء نجرجر دوما الماضي خلفنا، كما نجر أذيال فساتيننا الطويلة ،هكذا نحن ،نحب أن نذكر الماضي ونقحمه في الحاضر دوما ،وهذا تحديدا ما يبغضه الرجال،فهم لديهم ممحاة بايولوجية ذاتية لمحو كل التفاصيل السابقة ،فنفسيا لغة الرجل هي ميلتونmelton ولغة المرأة ميتاmeta.
الرجل يتحدث بالعموم ،والمرأة بالتفاصيل
تسأله: ماذا تريد أن تأكل اليوم ؟
يقول :اي شيء
هو يتحدث بالعموم وهي تبحث عن التفاصيل.
تصبغ شعرها البني الغامق بلون بني شوكولاتة ،تسأله :مارأيك بلون شعري الجديد اليوم؟ أيعجبك؟
ينظر بدهشة إلى فروة رأسها ثم يقول:
شعرك جميل ،لكن ألم يكن هو نفسه يوم أمس!!، بل وقبل شهر ؟!!!
فتنفجر هي غيضا من إهماله وعدم إهتمامه بها ولاتعلم بأن الرجال لايلحظون ولايعرفون للشعر سوى ثلاثة ألوان لاغير ،أشقر،أحمر،أسود
وكل مايقع من (تدرجات) لونية بين تلك الثلاثة لايعرفها سوى صنفان من البشر،النساء و الكوافير في صالونات التجميل.
فياعزيزتي المشمشي والبطيخي والعنابي والبصلي بالنسبة للرجال هي فواكه وخضروات وليست ألوان.
وهذا تركيب نفسي يولدون به واختلاف طبيعي عن جنس النساء .
يقع الرجل في مشكلة،يتأزم ،فيصمت،يرتدي وجهه عتمة الليل وينزوي لوحده يفكر .
تسأله المرأة :مابك؟ ،يقول: لاشيء
فتلح وتكرر سؤالها عشرات المرات مابك؟
فيصرخ :لاااااشيء ،فقط اتركوني لوحدي الآن
الرجل بتكوينه النفسي ، لا يتحدث عن مشكلته لأحد إلا إذا أراد حلا من ذلك ال (أحد).
المرأة تتأزم،تواجه مشكلة،فتخبر اربعة آلاف شخص بمعاناتها ،تثرثر،تريد من الزوج أن يستمع لمشكلتها ويعلق آذانه على مسامير الانتباه ،لكنها في الحقيقة لاتريد منه حلا،هي فقط تريده أن يصغي، وغالبا هي ستجد الحل بنفسها،فلاتحاول مساعدتها بطرح الحلول ،ليس هذا ماتريده منك،استمع فقط يابطل.
آه نسيت ان اخبركم ،أن كبيرنا الذي علمنا السحر هذا كان يمشي يتبختر هازا وركيه ناقلا خطواته برشاقة على الأرض (ولا أكدعها ست) بالمصري.
كبيرنا هذا كان يشوش لي أفكاري،لأن لغة جسده تعني شيئا،وصوته الرجولي الآمر الناهي يشير إلى شيء،في حين أن كلماته أحيانا يقصد بها شيئا مختلف تماما.
والمشكلة أن الكلام المنطوق مسؤول عن 7%فقط من المعنى الذي نريد إيصاله للآخر ،في حين تشكل نبرة الصوة 38% من المعنى وحصة الأسد المتبقية هي للكلام غير الملفوظ أي للغة الجسد ،55% من لغة جسدنا تعبر عما نريد قوله ساعة إلقاء الكلمات.
لكنه الشهادة لله كان ذكيا علميا ذا كفاءة عالية.
ألم أقل لكم نحن النساء( نسامح ولا ننسى )
ها أنا أذكره ولا أنسى كوارثه التي حدثت قبل عشرين عاما ،لكننا لطيفات طيبات كما أخبرتم ،نسامح ،والدليل أنني سامحته على ألم بطني الحاد حين كتمت ضحكتي وهو يخبرني بصفته الأنثوية تلك دون أن يعلم أن المصيبة التي تقف قربه تحلل كل شارة وواردة من ألفاظ ولغة جسد .
وأنا متاكدة إن تفكيري هذا بفعل قانون الجذب الكوني سيجعل هذا المقال يظهر لكبيرنا وقد يقرأه ، وسيقول ماهذا الهراء الذي تفتريه علي هذه الحمقاء!!!
ولن (يسامحني) لأنه رجل (لايسامح) لكن المصيبة أنه(نسي) كل ماحصل في الماضي ولن يتذكر أي تفصيلة مما كتبته عنه مثلما أتذكرها أنا .
وسأبقى أنا أجرجر الماضي وانفجر ضحكا رغم أنني احب كبيرنا هذا جدا ،لكن المشكلة أننا لطيفات وحنونات فنحن (نسامح لكننا لاننسى).