نعيش في طيف بعض من الثقافات المستوردة التي تستهدف بشكل صريح النيل من ثوابت القيم من خلال تأثيرها الفاعل على العقول ومنابع المعرفة، وتوظف الأدوات التي تعمل على ذلك عبر تصدير العادات والتقاليد واللغات المرتبطة بها، وهذا يدفعنا أن نصنع سياج الحماية كي ترتديه أجيالنا ومن ثم تستطيع أن تحافظ على أصالتها وحضارتها وثقافتها وما بها من قيم نبيلة وخلق فضيل وعادات أصيلة تدعم أواصر المحبة والوئام، ولا تسمح للخلق غير القويم أن ينتشر.
وهذا لا يعني أن نلقي باللوم على الثقافات الغريبة؛ لكن الأحرى بنا أن نهتم برسالة المؤسسة التربوية بشأن تعضيد النسق القيمي الذي يشكل اللبنة الرئيسة لبناء الإنسان؛ فالتربية الرسمية تعمل بقصد وبصورة ممنهجة على تغذية العقول وتعزيز الوجدان بالقيم والمبادئ والفضائل، ناهيك عن المعارف التي تتضمن في طياتها صحيح المفاهيم والمعتقد، بما يؤكد على السلوك العربي المصري القويم الذي يتناغم مع مكون حضارتنا وما تشمله من ثقافة أصيلة المكنون والمكون.
وأحد غايات المؤسسة التربوية العمل المتواصل على بناء قواعد أخلاقية تصبح بمثابة المعيار أو المرجعية التي يتمسك بها النشء والتي تجعله يقوم بالسلوك الصحيح ويتجنب غير القويم منه، بل ويتمكن الإنسان من مراجعة ذاته حال الوقوع في الخطأ، وبالطبع يتناغم ذلك مع النسق القيمي لمجتمعنا وما به من ضوابط الخلق النبيل النابع دون شك من أيديولوجية وفلسفة المجتمع المصري، ومع هذا المرمى يتوجب أن نتضافر مع المؤسسة التربوية لنحدث تعاونًا وشراكة حقيقية في بناء الإنسان صاحب الهوية الوطنية.
وعلى المؤسسة التربوية العمل من خلال مناهجها وعناصرها المعلومة لدينا على بناء ماهية النقد البناء لدى الإنسان؛ حيث إن العقلية العلمية الناقدة التي توظف ملكات التفكير ومهاراته في مواجهة المشكلات والتحديات ومختلف القضايا تُعد أحد الأعمدة الرئيسة في بناء الأوطان والنهضة بمقدراته والعمل على تحقيق إعماره، وهذا يقوم أيضًا على الاهتمام ببناء قاعدة لغوية وطنية، ودون مواربة اللغة العربية في ثيابها الأصيل الذي يعزز القومية ويعضد صحيح قيمنا وعادتنا المصرية التي أضحت في خطر.
وتعويلنا على مؤسساتنا التربوية تجاه بناء الإنسان يؤكد مقدرة هذا الصرح العظيم على تربية النشء بصورة وظيفية؛ حيث الربط من خلال الأنشطة التعليمية والإثرائية والعلاجية وما تتضمنه من مهام يقوم بها المتعلم تحت توجيه وإشراف من أستاذه وربط ذلك بالواقع المعاش الذي يعكس الممارسات بالمنظومة المجتمعية؛ فيحث الفرد على تقديم أفضل ما لديه من أفكار وأداءات تساهم في حل مشكلاته وتلبي احتياجاته، وهذا في مجمله يشير إلى تحمل المسئولية بشكل مبكر، ومن ثم يعضد ماهية الولاء والانتماء الذي يترجمه اهتمام نرصده بوضوح.
وعبر ما يجري من تفاعلات داخل المؤسسة التربوية، يمكننا أن نتطلع لمزيد من التعاون المثمر بين أبنائنا المتعلمين في إنجاز مهامهم التعليمية، وهذا أمر مهم يؤكد في البداية وحدة الهدف والعمل على تحقيقه، وتضافر الجهود من أجل إنجازه، ومد يد العون لمن يتعثر في القيام بما يكلف به، وإصلاح الخطأ، والتريث في إصدار الحكم بعد مطالعة جوانب القضية محل الدراسة، واستحقاق الإثابة عند الوصول لنتائج مرضية، وجملة ذلك يعزز في نفوس المتعلمين ماهية المقصد وضرورة التنظيم، والتخطيط، والتنفيذ، والتقويم.
وعطفًا على ما تقدم ينبغي الإشارة إلى أن التربية تقوم على التجديد والإضافة؛ فرغم الحفاظ على الثوابت إلا أن إعادة النظر في التفاصيل وفق ما يتناسب التغيرات المحيطة أمرًا مهمًا تقوم عليه دواعي التطوير والتحسين والتقدم والرقي؛ ليصبح الإنسان مواكبًا ومتكيفًا لمستجدات الساحتين المحلية والعالمية على السواء؛ فيتصبر لمستقبله ولا يعتريه الدهشة والذهول فيركن ويتوقف.
وتتجلى ملامح البناء القويم للإنسان داخل المؤسسة التربوية فيما يمتلكه من بنى معرفية صحيحة وخبرات نوعية تجعله قادرًا على فرز الغث من الثمين؛ فلا تستهويه أطياف سحر الثقافات التي تهتم بالمادة وما يرتبط بها من متع ولو كانت في جملتها غير منضبطة أو تنافي ما تربينا عليه من قيم وأخلاق وعادات تتسم بالنبل وتحافظ على الكرامة وتصون الشرف وتعضد العفة؛ فيصبح بنيان المجتمع قوي لا يفت عضده من يكيد له بليل ومن يحمل إليه شتى مغريات الثقافات المستوردة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر