تقتضي قوانين (الذوق العام) في وسطنا ومجتمعنا الرياضي الالتزام بحماية منظومة القيم والأخلاق والآداب العامة.. وهي القيم الاجتماعية.. كالوعي، والتربية، واللباقة.. وصولاً للسلوكيات الإيجابية التي تعبر عن قيم المجتمع بشكل عام. إن الذوق السليم والرفيع هو ثمرة تربية حسنة و أخلاق فاضلة و عقل راجح تغذى بالمعرفة الصحيحة فصاحب الذوق الرفيع هو إنسان حكيم يحسن فن التعامل فيراعي في كلامه مع الناس مشاعرهم وضعفهم فلا يتكلم عن المال مع فقير ولا عن الصحة مع مريض و لا عن السعادة مع محزون…
عندما تنتشر ثقافة الذوق بعيش المجتمع في سلام و نظام و تآزر فلا ارتفاع الأصوات و لا فوضى في للعلاقات و لا شوارع متسخة تحيطها القمامات…
فثقافة الذوق الرفيع حتما تقودنا إلى ذوق الثقافة، أن ننتقل إلى درجة عليا فننتقي ما نقرأ من جماليات الأدب الإنساني العالمي ومن الحكمة الإنسانية، نتذوق الشعر والكلمات المشعة بالصدق وبلاغة المعاني فتتحول من أشخاص يتحلون بثقافة الذوق في حياتهم إلى أشخاص ينشرون مهارات تذوق الثقافة وكيفية اقتناء الكتب التي نقرأها…بثقافة الذوق وذوق الثقافة نبني مجتمعا راقيا متحضرا لا نخاف عليه من رياح الزمن العاتية التي تعصف بمجتمعات التخلف و الجهل المقدس.
عبر التاريخ كانت الرياضة ولا تزال هي الوسيلة الأكثر تأثيرا في المجتمعات، وهي التي تقدم رسالة سامية عظيمة في زرع الكثير من الخصال الحميدة في نفوس الشباب، ويتأثر المشجعون بشكل كبير مما يقدمه النجوم والرياضيون بشكل عام داخل وخارج الملاعب.
ولأن الرياضة هي جسر الوصول لكل جميل، ولأن النشء هو أساس المستقبل وثروته الحقيقية، وبما أن مجتمعنا الرياضي المحلي ظهرت فيه بعض السلوكيات البعيدة عن الروح الرياضية، كان لزاماً على الجهات المعنية بتقويم مثل هذه السلوكيات والتحرك سريعاً لمعالجة مسببات مثل هذه التصرفات، التي ينهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف، والطبيعة السمحة
ولا تفرق، والرياضة مهمة جدًا في حياتنا ومفيدة للجسم، بل حث عليها ديننا الحنيف، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»، نحن نعرف ان الرياضة فن وذوق وأخلاق وليس لمن يمارسها فقط، بل حتى من يشاهد ويشجع تنطبق عليه تلك المبادئ والقيم، مثله مثل أي رياضي آخر، فالتشجيع ايضا فن وذوق وأخلاق، ولكن القضية هو عدم الالتزام بالضوابط والقيم التي عرفت بها الرياضة.. سؤالنا هل حقاً أدت نظرتنا السلبية للرياضة الى التخلي عن بناء القوة في أجسامنا وعقولنا؟ والى أي حد يصبح التشجيع مقبولاً في حياتنا؟
وما أسباب تحول الفوز والفرح الى ايذاء المارة وقطع الطرق وازعاج الآخرين، بل يمتد للشغب بين الجماهير وبكلمات نابية وغير محببة ينهى عنا ديننا الحنيف؟.. والسؤال المهم هنا الى أي حد يصبح التشجيع مقبولاً في حياتنا؟ فهل حقاً تحولت الرياضة لدينا الى وسيلة تناحر وعداء بين الاخوة والأصدقاء وبين الأندية مع بعضها البعض؟ وهل يمكن تتحول الرياضة إلى هذا الحد من العداء والكراهية؟ الجواب.. اذا كانت العقول خاوية تكون (نعم)!
مع انتشار الأجهزة الذكية والتسجيلات الصوتية والفيديوهات بات الأمر أكثر تعقيدًا من ذي قبل، بدل ان نستغل تلك التكنولوجيا لنشر الوعي وتقريب وجهات النظر ونستخدمها بأشياء مفيدة بين الرياضيين، بل باتت هي السبب الرئيسي لنشر السباب وزيادة الاحتقان، وأصبحت وسيلة شرعية تتناقل بين المتطفلين ومن في حكمهم، أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة من أصحاب الشأن وكل من يمارس الرياضة ويعشقها وحتى من يتابعها من خلال المدرجات
لإيجاد بيئة مجتمعية مناسبة تمتاز بالذوق في جميع التصرفات والتعاملات لجميع جوانب الحياة المختلفة، استنادًا إلى القيم الدينية والمعايير الاجتماعية، من خلال تفعيل دور المجتمع عن طريق التأثير الإيجابي وتعزيز القيم بنشر ثقافة ومفهوم الذوق
ان الذوق ملاك الحضارة المترفة وانه يشيع حيث يتاح للحضارة ان ترقى وتترف ومن أجل ذلك يوجد في المدن اكثر مما يوجد في القرى وفي القرى اكثر مما يوجد في الهجر وفي القصور اكثر مما يوجد في الدور ويقال عنه اكثر من ذلك فالذوق يكون في الادب والفن وهو خصلة من خصال الفرد المترف الراقي المهذب ويكون ايضا خصلة من خصال الجماعة المثقفة المترفة ونسبته بين الشعوب حسب حظها من الحضارة وامعانها فيها وتعرف بعض المعاجم الذوق بانه ملكة طبيعية تسبق التفكير وتعين على تمييز الجيد من الرديء ويقول هذا المعجم ان لكل انسان من هذا الذوق حظا ولكن هذا الحظ يقوى ويضعف باختلاف ما يكون عليه الانسان من ثقافة وحضارة.
ويقال كذلك ان الذوق يتغير بما يصيب الحضارة فيفسد بعد صلاح ويقبح بعد حسن ويشيع فساده وقبحه بمقدار ما يصيب الحضارة من ضعف وانحطاط واكثر ما يفسد الذوق حين يطرأ على الحضارة المستقرة المطمئنة التي الفتها النفوس وتوارثتها الاجيال طارئ عارض عنيف يغير سيرة الناس في حياتهم المادية اولا ثم في حياتهم العقلية بعد ذلك.
وهذا ما يحدث في وقتنا الحاضر المجنون بعد ان ازداد هذا الطارئ العارض عنفا وقوة فصار بقوة وسرعة الاعصار الممطر ليقتلع ويفسد ويجرف ويطمس الامارات “أي العلامات الثابتة التي يدل بها لمعرفة حدود الاشياء” فهناك من يطلق على إمارة المنطقة “أمارة” بفتح الالف وهذا خطأ والصحيح “إمارة” بكسر الألف قلت ليفسد ويطمس ويجرف الامارات والمفاهيم المستقرة المطمئنة التي ورثتها والفتها الاجيال وربما تأتي اجيال في وقت من الاوقات قد غيرت واستبدلت اذواقها الحضارية والثقافية المتوارثة فلا تعرف حينها حتى عن ابجديات تراثها الثقافي شيئا
وان شاءت لها الصدفة وسمعت عنه شيئا او اطعلت على شيء منه فهي ستكون على غير اقتناع به او ميول اليه فهذا الطارئ العارض ليس وليد اليوم. ففي اواخر النصف الاول من القرن التاسع عشر اطلق عميد الادب العربي الدكتور “طه حسين رحمه الله” صرخة مدوية يحذر فيها اجياله والاجيال القادمة عندما لاحظ “علامات فساد الذوق تنتشر والناس تتهافت عليه”
فقد كتب منتقدا ما آل اليه المجتمع حينذاك ومتنبئا بما يهدد حضارتنا والاجيال القادمة من دخائل عنيفة وقد ظهرت اليوم بعد ثلثي قرن منذ صرخته انذاك حينما قال “فلما تقدم القرن شيئا – يقصد القرن الثامن عشر الميلادي- تغيرت الدنيا وهجمت الحضارة الغربية هجوما جعل يزداد عنفا من يوم الى يوم ثم بلغ اقصى غايات العنف بعد الحرب العالمية الاولى”. يقول الكاتب رحمه الله فاخذ المترفون من الناس يتركون مترفهم القديم الانيق الذي كانوا يعرفونه ويألفونه ويحسنون تنميته والتأنق فيه الى الترف الغربي اخذوه كما هو واندفعوا فيه غير متحفظين فكانوا محدثين ثم يضيف وقل مثل هذا بالقياس الى الحياة العقلية فقد كان الناس الى اوائل هذا القرن أميل الى المحافظة على ثقافتهم يغذون عقولهم بالتراث العربي اكثر مما يغذونها بالتراث الاجنبي ثم هجمت الثقافة الاجنبية هجوما لم يكن اقل عنفا من هجوم الحضارة الاجنبية فاضطربت لهجومها العقول
واختلطت له الامور وتأثرت به الاخلاق وتغير به الذوق وكانت الموقعة الهائلة بين الادب القديم والادب الجديد ثم يصف الكاتب واقع الحال بعد الحرب العالمية الثانية بقوله.. فاذا رأيت قيم الاشياء تتغير الى هذا الحد الذي نشهده واذا رأيت الشباب لا يحفلون بشيء
ولا يتحرجون من شيء ولا يتحفظون في قول او عمل وعلمي نحو مجاف لكل ما الفنا من سماحة الخلق وسجاحة الطبع وصفاء النفوس وبركة الاذواق فحمل هذا كله غير متردد ولا متهيب على هذه الحضارة الطارئة التي غزتنا بها أمريكا فكانت بعيدة الاثر في حياتنا المادية والاقتصادية والأدبية. ومع ذلك تهافت الناس عليها تهافتا عنيفا وهم لا يشعرون.
رحم الله عميد الادب العربي كأني به كتب هذا عما هو كائن او حاصل في عصرنا الحالي لما ينشر من خلال ما يسمى الشاتات على شاشات الفضائيات وعما يعرض من فساد الذوق الفني وسماجته على مختلف تخصصاته ومسمياته وكأني به يرحمه الله يكتب عن العولمة الجديدة في عصرنا وعن طلب تغيير المناهج وحوار الحضارات او كما اطلقوا عليه هم “صراع الحضارات”
يا ترى كيف وعلى أي اساس وبأي حال سنحاور هل هم مستعدون لقبول مفاهيم حضارتنا الدينية والثقافية والاجتماعية واحترام اذواقنا ام انهم سيملون علينا ما يريدون اتمنى على القسم الثقافي في الجامعة العربية ان يهلوا علينا من سحائب ما لديهم من معرفة برذاذ فقط لا نريد زخات ولا شآبيب وبهذه المناسبة اقترح على “جامعة الدول العربية” باصدار مجلة عربية ثقافية ادبية اجتماعية شاملة وتعنى ايضا بالتراث العربي ليتواصل المواطن العربي مع جامعته العربية ومع المفكرين والادباء .–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا