لم يتفاجأ بخبر اغتيال السنوار، فهو المكافأة المتوقعة والمرجوة لكل من اختار طريق الشرف والكفاح لتحرير أرضه.
كنت يوم الخميس الماضى أتجول فى شوارع منطقة كوينز بنيويورك، وهى من المناطق التى يسكنها عرب كثيرون، عندما بدأت الأخبار تتوالى عن اغتيال الشهيد بإذن ربه يحيى السنوار.. توقفت فى الشارع لا أدرى ماذا أفعل، ولا أدرى كيف سيكون رد فعلى لو تأكد الخبر.. وسبحان الله انشقت الأرض فجأة عن شاب عربى الملامح، لكن على سبيل الاحتياط، وكعادتى لو أردت التأكد مما لو كان مَنْ أمامى عربياً من عدمه، ألقيت السلام باللغة العربية، قائلاً: «السلام عليكم»، ابتسم الشاب ابتسامة عريضة، وهو يرد السلام فرحاً، كما لو كان هو الآخر ينتطر سماع السلام باللغة العربية.. كان يبدو من لهجته أنه لبناني، أو سوري، ولم أتوقع أن يكون فلسطينياً، رغم أنى – والله – تمنيته كذلك.
استمرت الابتسامة على وجه مصطفى، وهو يبلغنى أنه فلسطيني، أيقنت أنه لم يعرف بعد بخبر اغتيال البطل السنوار، شعر الشاب بارتباكي، وفهم حالى دون أن أتكلم، بل بادرنى بالعزاء، حيث كانت الموبايلات قد أكدت ارتقاء روح السنوار إلى بارئها.. للوهلة أوشكت أن أحتضنه لنبكى سوياً تماماً مثلما نفعل عند فقد عزيز مشترك، لكن حار عقلي، كيف للشاب أن يستمر على هذه الابتسامة التى تضيء وجهه، كأنها تمتد من المشرق إلى المغرب.. ابتسامة الواثق المنتصر، فقد أخبرتنا الأحداث أنه لا يوجد فلسطينى حقيقى مهزوم أو مقهور مهما خسر من جولات المعركة، فهو يدرك أنه منتصر لا محالة، وأن النصر مع الصبر، وعن صبر الشعب الفلسطينى حدث ولا حرج.
أحس مصطفى بكثير من الأسئلة تدور بداخلي، فأجاب دون أن أسأله، قال إنه على المستوى الشخصي، وكذلك حال كثير من الفلسطينيين، لم يتفاجأ بخبر اغتيال السنوار، فهو المكافأة المتوقعة والمرجوة لكل من اختار طريق الشرف والكفاح لتحرير أرضه من المغتصبين الصهاينة، سبقه عبد العزيز الرنتيسي، وأحمد ياسين، وإسماعيل هنية، وغيرهم من ملايين الفلسطينيين الأبطال، وسيلحق به آخرون، لا نعلمهم لكن الله يعلمهم.. نحسبهم من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، ولا نزكيهم على الله سبحانه وتعالي..
نعم مات السنوار، لكن القضية لن تتوقف بموته، وسيخرج بدلاً من السنوار مليون سنوار من أبطال مسيرة لن تتوقف إلا بالنصر وتحرير كامل الأرض، فهذا وعد الله، وفى النهاية لن يصح إلا الصحيح مهما طال الوقت، ومهما دفعنا من دماء الأبطال..
فلا تحزن يا رجل، أما سمعت عن أسطورة طائر النار ذلك العملاق العجيب الذى يوجد فى أقصى الأرض والبلاد؟!.. لم ينتظر مصطفى إجابتي، وأردف مصطفى يقول: «إنه طائر يسكن أذهان الناس، وتنتقل أساطيره من الأجداد للأحفاد، وتؤكد الأسطورة أنه عند نهاية حياته يحترق، ثم ينبعث مجدداً من بين الرماد، فهو طائر النار الأسطورى الذى تتفق ساعة رحيله مع ساعة ميلاده من جديد!!..
فى هذه اللحظة تذكرت لقطة تذاع كثيراً على الشاشات لطفل فلسطينى يبكى بحرقة خلال استخراج جثث أسرته من تحت أنقاض أحد البيوت المهدمة على ساكنيها فى غزة العزة، غزة الأبية، بينما أحد الرجال المشرفين على عملية انتشال الجثامين ينهره، قائلاً: «لا تبكِ يا زلمة، أنت زلمة (أى رجل) كلنا مشاريع شهداء يا زلمة».
أفقت من سرحانى على صوت مصطفى وهو يلقى السلام قبل أن يغادرني، وهو يدندن بلحن رحباني، وصوت فيروزي: «دَخْلَكْ يا طير «السنوار»، رِحْلَك من صَوبُن مشوار، وسلّملى عالحبايب، وخبِّرنى بْحالُن شو صار»!..
فشكراً يا مصطفي، وسلام على يحيى السنوار، طائر النار الأسطورى الذى يجدد نفسه عند رحيله!