“اعتزال ربة منزل” ..هدية متواضعة أقدمها لشريكة آدم في رحلة البناء والحضارة والعمران من زاوية جديدة
تختص بتلك السيدة التي اختارت التفرغ لرسالة رعاية الزوج والأبناء.
وحاولت أن أرصد كيف نسعدها عندما تبلغ سن المعاش بدون أن تقدر على الاعتزال .
استيقظت من الغفوة الصباحية كالعادة ذهبت بخطى متناقلة لفتح النافذة.. تسطح غرفة النوم بنور الشمس.. وإطلالة لمنظر طبيعى مشرق فى هذه الضاحية الجديدة.. حركة الشارع طبيعية وقت الضحى بعد أن ذهب الناس للمدارس وأماكن العمل والنشاط.. تعدت عيناها على لوحة التقويم.. نزعت ورقة الأمس.. تكتشف أن ذكرى ميلادها اليوم.
ليست أبداً ذكرى عادية كما سنوات سابقة.. ولكنها تؤكد بوضوح أن اليوم ذكرى ميلادها الستين.. نفذت تقاليد الصباح ارتدت طقماً رياضياً يحمل لون ناديها المفضل.. وقررت النزول لحديقة الفيلا.. مع فنجان »النسكافيه« التى تحبه وخلفها تدافعت ذكريات وأحداث مرت عليها قبل محطة الستين تفقدت الأشجار المثمرة فى الحديقة.. ليمون.. برتقال.. مانجو.. كل شجرة تحمل اسماً عزيزاً أو عزيزة رحلوا عن الحىية ربطهم بها وشائج الحب والود والتقدير.
جلستها المفضلة تحت شجرة الليمون.. بدأت بتذكر وسؤال.. الذكرى استحضرت فترة عملها القصيرة بأحد الأجهزة المختصة بالدراسات الإحصائية.. الذى قبلها للعمل فوراً.. بمجرد إطلاع المسئول على شهادتها الجامعية وتقدير الامتياز طوال سنوات الدراسة.. والسؤال افتراضى.. ماذا لو كانت قد استمرت بالعمل.. حتى محطة الستين.. من المرجح أنها ستصل إلى وظيفة وكيل وزارة.. وعلى الأقل مدير عام.. وتخيلت حفل التكريم الذى حشد له العاملون معها كل ما يترجم العشرة والانجاز والود والعيش والملح.. وهى تعلم أن المصريين بارعون تماماً فى هذه المواقف والمناسبات.
لكنها ضحت بالمستقبل المهنى.. بمجرد أن طرق ابن الحلال منزل الأسرة طالباً من الأب والأم بالموافقة على زواجهما.. وردهما الطبيعى بأن رأى العروس له كل الاعتبار.. اشرقت بطلعتها المريحة وملابس بسيطة لكنها أنيقة على الغرفة.. حاملة صينية القهوة.. وفقاً للتقاليد.. وبمجرد الرسالة الأولى من عين العريس.. نبض القلب.. وغمره التيار الكهربائى التلقائى.. تفتحت له مشاعرها وشجعها ثلاثى القلب والعقل والفؤاد على الموافقة فى الحال.
لم تندفع وراء هذه المشاعر.. وانقذها ما قاله الأب فى نهاية اللقاء.. اترك لنا بطاقة التعريف.. وانتظر الرد بإذن الله.. بادرت بأداء صلاة الاستخارة.. التى حملت لها البشرى.. وبعد أن توفر لديها المعلومات الأساسية عن فارس الأحلام.. خطفت قدماها إلى جدها العجوز فى الحى القريب.. والذى عرف عنه هواية دراسة القلب والنجوم والأبراج.. طلب منها العودة فى ليلة قمرية بعد أسبوع.. وأكملت رؤية الجد.. منظومة الاطمئنان.
لذلك عندما تم الزواج.. واشعرها منذ أول يوم بأنها ملكة المكان.. لم تتردد فى إجابة طلب الاستقالة من العمل.. والتفرغ لشئون البيت والاستعدادات النفسية لمقدم الأولاد.. وكم سعد كثيراً عندما عاد للمنزل لتطلعه على بطاقتها الشخصية الجديدة »ربة منزل«.
مضت بهما سفينة الحياة.. دعمهما قرار صائب ألا تخرج خلافاتهما عن غرفة النوم.. للاستمرار معا والإسراع فى بناء كيان.. ورغم سياج السرية إلا أن كل العائلة.. أجمعت على نجاح هذا الزواج.. وسعوا إليها للحصول على الحل السليم لما قد تصادفهم من مشكلات.
فى هذا الجو الأسرى.. وبعد رحلة غربة فى الخارج.. استمرت سنوات محددة تمكنا من تحقىق الحلم والطفرة.. وتوفرت الامكانيات لأفضل تأهيل ورعاية للأبناء الثلاثة (بنت وولدان).. واجتازا بنجاح واقتدار فترة العاصفة التى تحدت للأزواج بعد 10 سنوات من الارتباط ذلك بوصفة سحرية.. التزم بها الطرفان.. إشعار الآخر بالتحامهما توأم لا ىنفصلان.. الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة فى المنزل وخلق المناسبات للتجديد من الملل والرتابة والتكرار.. بالوسائل الصغيرة والكبيرة.. التى تمتزج فيها الدهشة بالسعادة.. والراحة النفسية التى تجدد شرايين الحب الحقيقى.. حب العشرة والمسئولية.. ومع مرور الأيام نسيت تماماً مشروع حلمها الوظيفى وخصصت كل ينابيع الضوء للزوج والأبناء.
فى أول أيام محطة الستين.. لم تدر كم من الوقت مر عليها فى حديقة الفيلا.. فى صحبة الأحباء والذكريات.. ربما اخذتها الراحة إلى اغفائة لذيذة مميزة.. استيقظت على يد شريك العمر تربت على كتفها.. يقول لها بكل حب.. كل سنة وأنت طيبة.. اليوم كما يقول الحكماء.. العمر يبدأ يا حياتى بعد الستين.. قدم لها هدية جميلة.. ومن حوله شارك الأحفاد فى التهنئة والفرحة.. وأدركت أنها مازالت نافعة.. وأن مهمتها مستمرة.. لرعاية هؤلاء الأحفاد.. وتأكدت أن ربات البيوت معفاة من الإحالة للمعاش.
صالح إبراهيم