يُعنى المجال الإعلامي بالعمل على تشكيل الوعي في مستوياته المعرفية والمهارية والوجدانية، ومن ثم يهتم هذا المجال بتوفير وتدفق المعلومات عبر قنواته ومن خلال أنظمته التقنية التي تضمن تأمينها والسيطرة عليها والعمل على إتاحتها للمادة الإعلامية بالعديد من الصور سواءً أكانت مكتوبة، أو مرئية، أو مسموعة، أو تفاعلية، وفي ضوء ذلك يستهدف المجال الإعلامي كل من الفرد والمجتمع في كافة المستويات العمرية.
ونعني بالأمن الإعلامي السيطرة الممنهجة التي تقوم على العديد من الاستراتيجيات والطرائق التي تضمن سلامة المخرج الإعلامي عبر مصادره المختلفة بما يضمن تشكيل وعي صحيح في أبعاده ومستوياته المختلفة وبما يضمن تجنب التجاوزات التي من شأنها تعرقل مسيرة النهضة والتقدم والإعمار بالدولة، وبما لا يهدد أمن واستقرار الوطن، ومن ثم لا تتعارض مع النسق القيمي الذي يؤمن به المجتمع.
وتقوم فلسفة الأمن الإعلامي على ما يُتخذ من إجراءات تحمي هذا المجال الخطير وتؤمن موارده ومصادره ووسائله ليؤدي رسالته الرئيسة والتي تتمثل بوضوح في خدمة غايات الدولة العليا وفي مقدمتها العمل على بناء الإنسان الذي يسهم في نهضة الوطن ويعلى من شأنه ويقدم كل ما يمكنه من أجل رفعة رايته وريادته في أي مجال من مجالات الحياة، كما تتضمن غايات الدولة الدفع بتطوير مؤسساتها من خلال ما يقدمه الإعلام من دعم ومساندة بشتى الصور والطرائق الاحترافية.
وفلسفة الأمن الإعلامي لا تنفك عن مداخل التأثير الإيجابي والنقد البناء عبر ما يقدمه من محتوى هادف، يساعد في تحسين المخرجات، وينوه على حتمية توافر المتطلبات والاحتياجات، التي من شأنها توفر البيئة الداعمة للعمل والإنتاج في شتى المجالات، ويرتبط بالفلسفة أيضًا سرية المعلومات وخصوصيتها سواءً تعلقت بالأفراد، أو المؤسسات، أو المنظمات، أو الكيانات الرسمية منها وغير الرسمية، بما يضمن سلامتها، وتحقيق أهدافها المنشودة، ومنع سبل استغلالها، أو فرض الهيمنة عليها بأي طريقة كانت.
وعلى الساحة الدولية تطفو على السطح مفاهيم يتم تداولها كثيرًا، منها مفهوم الحرب الإعلامية، الذي يشير إلى محاولات الهجوم الممنهجة، التي تقوم بها وكالات إخبارية، أو وسائل إعلامية؛ تستهدف بشكل واضح أنظمة إعلامية مضادة لها، أو تعد خصمًا لها في الميدان؛ بغية الإضرار بها، أو العمل على تخريبها، وتقويض ما تقوم به من أعمال، مرتبطة بنظام الدولة السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو العقدي، أو البيئي، أو غير ذلك من المجالات وأبعادها في الحياة العلمية، أو العملية، أو المعيشية؛ بغرض زعزعة الأمن والاستقرار داخل المجتمعات، أو من أجل مآرب غير سوية أخرى.
وهذا يجعلنا ندرك ماهية استراتيجية الصراع على الساحة الإعلامية ومدى خطورتها؛ نظرًا لتأثيرها البالغ الأثر على مستوى الفرد والجماعة، وهنا يتوجب أن نفقه تغير الاستراتيجيات في العداء؛ حيث تحاول الدول العمل على خلق صراعات داخل دول أخرى وبين شعوبها للتأثير السلبي على أمنها واستقرارها من خلال الآلة الإعلامية، بما قد يؤثر بصورة مباشرة على خططها الاستراتيجية، وما تتضمنه من مسارات سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية؛ لتصبح في حالة من الارتباك، وتقع في فخ الصراع والنزاع الداخلي، ومن ثم تنهك قوتها.
ونؤكد في هذا المقام أن الأمر جلل؛ إذ يتطلب أن نوفر مقومات الأمن الإعلامي بصورة عاجلة تضمن تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي، وتدفع بمؤسسات الدولة للعمل والإنتاج، من خلال مواطن يمتلك الوعي الرشيد تجاه فلسفة البناء والنهضة، وإدراكه للتهديدات والمخاطر المحدقة بمقدرات وطنه، المادية منها والبشرية، والبداية تكمن في نظام إدارة الآلة الإعلامية، والتي تتطلب الخبرة والحرفية، من خلال أصحاب الكفاءة والكفاية؛ بما يساعد في تبني استراتيجيات جديدة ومبتكرة، تواكب التغيرات الرهيبة والمتسارعة في صورة الإعلام العالمي.
وأرى أن تحقيق الأمن الإعلامي يقوم على تكامل مؤسسي؛ حيث تبادل الخبرات بين المؤسسة الإعلامية وغيرها من المؤسسات الفاعلة؛ كالمؤسسة التعليمية والبحثية والدعوية وغيرها من المؤسسات التي تستطيع أن تحدث نقلات نوعية في مخرجات النظام الإعلامي بشكل احترافي، وهذا الأمر يؤكد على ضرورة التضافر الوطني بكل مكونه؛ فقد باتت القضية واضحة المعالم؛ حيث تنمية وتعزيز الوعي الصحيح مع تصويب المشوب منه؛ لنضمن تعضيد النسيج الوطني وصلابة الجبهة الداخلية التي تسمح للدولة عبر مؤسساتها أن تؤدي ما عليها لتصل لمبتغاها ومقصدها.
وفي تلك المرحلة ما أحوجا لإعلام يستهدف التنمية الاقتصادية بكل تنوعاتها؛ حيث تعزيز القدرات الإنتاجية في مجالاتها المختلفة، من خلال تقديم العون والمساندة للمؤسسات الاقتصادية، وتعضيد آليات تبادل الخبرات بين المؤسسات عبر الربط التقني الفعال، وتقديم كل ما من شأنه يؤدي إلى مزيد من تعظيم المقدرات الإنتاجية لاقتصادنا الوطني، خاصة في الصناعة والزراعة.
ما أحوجنا لإعلام جماهيري رسمي وغير رسمي، يحمي مصالح الدولة العليا، ويدفع بعجلة الإنتاج، ويعزز الفهم الصحيح، في كافة المجالات الحياتية والعملية؛ فالجميع يدرك المعاناة حيال ما يبث ليل نهار من أكاذيب، تستهدف تشويه كل ما تقوم به الدولة ومؤسساتها الوطنية، من جهود من أجل استكمال بناء الإنسان، وإعمار المكان، وفرض حالة الأمن والأمان والاستقرار الداعم لمسار نهضتنا، وتقدمنا، وازدهار مصرنا الحبيبة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر