أصبحت الدراما عنصرا مهما في دعم الإبداع الأدبي ووصوله إلى أكبر عدد من المشاهدين وليس القادرين على القراءة فقط وأيضا تعكس الدراما حظا مختلفا لهذا المبدع عن ذاك، فيتجاور صاحب العمل الواحد مع أديب ساعدته الموهبة والحظ والشهرة على تحويل كثير من كتاباته إلى أفلام ومسرحيات ومسلسلات
وعلى سبيل المثال نجيب محفوظ وآخرون حظهم أقل مثل الكاتب الفيلسوف توفيق الحكيم الذي عرف إنتاجه طريقه إلى المسرح والقليل من المسلسلات وهنا نتحدث عن “يوميات نائب في الأرياف”الذي صنع منه فيلما ومسلسلا هو المكتوب على الجبين.
**تحتفل الدراما العالمية بإبداعات الكتاب الأدبية.. يشمل ذلك الروايات والقصص والمسرحيات والذكريات والسير الذاتية.. وحتى للمذكرات نصيب واضح يتخذ غالبًا ثوب المسلسلات حيث يمثل الوقت والملابسات ونقاط التنوير.. فالزمن ممتد للحلقات من واحد إلى العدد فى الليمون.. كما يقولون.
**ويحسب للتليفزيون المصرى الاهتمام المشكور باستثمار الأعمال الابداعية للآدباء والمفكرين.. وتحويلها إلى مسلسلات وأفلام ناهيك عن الاحتفاء بالمسرحيات مما رفع الحاجز بين هؤلاء وفئات الشعب ناهيك عن ايصالها إلى الشعوب العربية والإسلامية على جناح القوة الناعمة فى كل مكان.
**بين هذه الأعمال سعدت بمتابعة مسلسل «مكتوب على الجبين» على ماسبيرو زمان القناة الحارسة لتراثنا الدرامى بكل همة واقتدار عن رواية الكاتب الشهير عملاق الفكر الراحل توفيق الحكيم «يوميات نائب فى الأرياف» عن تجربته فى حقل النيابة بالريف بعد تخرجه فى جامعة السوربون الفرنسية.. وتصدى لإخراجه عام 1986 المخرج عادل صادق.. عن سيناريو وحوار المبدع فتحى سلامة.. وبعد تجربة سينمائية لنفس الكتاب.. فى فيلم انتج عام 1969.
**الصعوبة الرئيسية أمام تحويل الأفكار المكتوبة إلى مشاهد مرئية تمثلت فى اشكالية التقيد بما ورد فى الكتاب من أحداث حقيقية للغاية.. ربما مع تغيير فى اسماء الابطال أو مساعدة البناء الدرامى بإضافة شخصيات وأماكن تساند فكرة العدالة المطلقة.. التى أمن بها الحكيم وأشار إليها فى عدة مؤلفات على رأسها عودة الروح.. ايقونة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والذى ألهمه فكرة الثورة على الملك والاقطاع والاستعمار فى 23 يوليو 1952 وتلاحظ أن كاتب السيناريو والحوار التزم بالكتاب على شكل مذكرات يكتبها البطل حسين وكيل النيابة «مجدى وهبة».. واستهلاك المخرج بدء حلقات المسلسل العشرين باطلاق غامض للرصاص أول كل حلقة.. مذكرًا بقضية مقتل قمر الدولة علوان الفلاح التى لم تحل حتى النهاية.. التى تميزت بالطابع البوليسى السريع.. ومصرع كل من المحت الأحداث إلى أنه القاتل.. وسط مناخ ضبابى ساد الحلقات.. بسبب طبيعة أهل القرية عدم الآدلاء بالحقيقة للمحققين.
**وسط كوكبة من الفنانين معظمهم أصبح من الراحلين.. اتحدث عن سيفونية أداء جميل.. للراحلين تحية كاريوكا (أم قمر العمياء) ومجدى وهبة وكيل النيابة.. وأبوبكر عزت (الضابط السرجانى) وعبدالله فرغلى (المأمور عزت) ونبيلة السيد (زوابع) وعايدة عبدالعزيز (زوجة المأمور) ومحمد أحمد المصرى (أبولمعة) القاضى الذى يبحث دائمًا عن التفاصيل ومحمد فريد (سكرتير النيابة البيرقراطى 100٪) ومحمود أبوزيد كاتب الشكاوى أمام المحكمة.. وإبراهيم خان «عيسوى زعيم أبناء الليل» وحسن حسنى (عباس أبوطاقية) المحرك المخفى للأحداث وعلى الشريف وسعيد عبدالغنى (العمدة) الحاكم الحقيقى للقرية فى ذلك الزمان (1937).
**ومع كل هؤلاء.. نرفع القبعة تحية وتقديرًا إلى الآداء المبهر للدور الصعب «عصفور» للفنان القدير الراحل صلاح السعدنى الذى تفتقده الدراما المصرية.. والديالوج المشترك مع صابرين (ريم).. مساحة أداء تستحق التكريم لمن يعيب على المسلسل مساحة الظلام الليلى فى الحلقات ناهيك عن عدم الافصاح عن المكان المختار لاخفاء ريم بعد هروبها من بيت المأمور.. ولكن يبقى للمسلسل الأمانة التامة فى التعبير عما جاء فى يوميات نائب بالارياف والبنيان الدرامى المتكامل الذى يحافظ على وهج البهجة والمعرفة ويضمن التجاوب مع المشاهدين ومنه فهمنا أن المكتوب على الجبين.. يخص الجميع.