وسط مخاوف من الاستحواذ التام على مفاصل الدولة, تواجه سوريا الجديدة تحديات كثيرة, يمكن أن تعرقل الاستقرار, وتدخل البلاد فى نفق مظلم من الصراع والتقسيم.
التحدى الأول يكمن فى قدرة هيئة تحريرالشام على إدارة تحالفاتها المحلية, خاصة مع تصاعد التوترات بين الفصائل المختلفة فى ظل غياب رؤية توافقية لعملية الانتقال السياسى, وفى هذه الحالة إذا لم يكن الردع والتهديد هو الحل سيكون التقسيم هوالبديل, للخروج من الانسداد السياسى.
التحدى الثانى أمنى بالأساس, ويكمن فى تحول سوريا إلى قبلة ل”الجهاديين”, خاصة عناصر القاعدة, مقابل عودة” داعش” مرة أخرى, لفرض نفسه من جديد كلاعب أساسى فى الساحة السورية, مما سيضطر إدارة الشرع إلى التفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية وربما ضمها – كما يدور- للجيش السورى, وفى هذه الحالة ماذا سيكون موقف تركيا, خاصة وإنها تنظر ل”قسد” بعين الريبة. هذا الوضع يعزز من حالة عدم الاستقرار, ويفتح الباب لمرحلة طويلة من الحرب والتهديدات الأمنية.
التحدى الثالث يكمن فى مواصلة اسرائيل رسم خرائط أمنيةجديدة داخل سوريا, متجاهلة القوانين الدولية وهوية النظام المستقبلى, وهذا التقدم داخل سوريا يشمل مناطق أمنية تعتبرها تل أبيب غير قابلة للتفاوض, وأخرى قد تستخدم كورقة مقايضة فى صفقات سياسية مع الحكام الجدد مستقبلا.
أمام هذه المعطيات, يبقى المشهد السورى مفتوحا على جميع الاحتمالات, ويبقى من الصعب الجزم بخصوص مستقبل دولة استراتيجية دمرتها الحرب, وجعلت من قادتها الجدد أطرافا رئيسية فى لعبة دولية غاية فى التعقيد.
- خلال فترة الوحدة المصرية السورية بين عامى1958 -1961 تعرضت سوريا لتهديدت عسكرية إسرائيلية خطيرة وصلت ذروتها عام 1960, فحشدت مصر أنذاك قوات عسكرية كبيرة فى سيناء لردع الاسرائيليين, وقد جرى تحريك القوات المصرية بدون سابق إنذار, وكانت هذه مفاجأة حقيقية للصهاينة الذين اضطروا إلى إيقاف التصعيد على الجبهة السورية, واتجهوا للتصرف الدبلوماسى وليس العسكرى, ولقد كشفت هذه الحادثة عن قصور فى عمل اجهزة المخابرات الاسرائيلية التى فشلت فى توفير(تحذير من تهديد وشيك), وانتظر الصهاينة أسبوعا كاملا قبل ظهور الصورة الكاملة للانتشار العسكرى المصرى الموسع واتخاذ الاجراءات المضادة, وقد أدى ذلك إلى فقدان الثقة بين حاييم لاسكوف رئيس الأركان الاسرائيلى وقتها, وحايم هرتسوج مدير المخابراتالعسكرية الاسرائيلية, وفيما بعد اعتبرت هذه الحادثة أخطر تحد لعقيدة الردع الاسرائيلية بين حربى 1956و1967, ولقد كانت سوريا دائما معرضة لتهديدات صهيونية حربية خلال فترات مختلفة, وفى هذه الأيام يحتاج الشعب السورى الشقيق إلى دعم ومساندة كل الأشقاء والأصدقاء, وكل أحرار العالم حتى يتم اجتياز هذه الفترة بنجاح.
- تواجه بعض الدول العربية التى لديها مواقف صارمة رافضة لتيار الاسلام السياسى بكل أطيافه أزمة فى التعامل مع الادارة السورية الجديدة, فهناك دول قبلت الانفتاح عليها, وأخرى تتحفظ, وثالثة رافضة, ولكل فريق دوافعه وأسبابه فى الانفتاح أو التحفظ أو الرفض, انطلاقا من الصورة التى يرى بها مصالحه ورؤيته لحجم التغيير الملموس فى دمشق وتتفاوت تقديرات المراقبين حيال مدى صواب رؤية كل فريق.
- حتى الان لم يصدر من الحوثيين أى تعليق يظهر أنهم يتفهمون الأضرار التى يلحقونها بمصر تحديدا, التى هى من أهم الأطراف حاليا وتاريخيا فى دعم الفلسطينيين بجميع السبل. لقد أعلنت مصر أن قناة السويس خسرت العام الماضى نحو 7مليارات دولار بسبب مايحدث فى البحر الأحمر وتأثيره على عرقلة مرور السفن فى القناة, أى بسبب العمليات العسكرية التى يقوم بها الحوثيون ضد السفن التجارية, مع زعمهم بأن العمليات موجهة ضد السفن الذاهبة إلى إسرائيل, مما جعل السفن تلجأ إلى رأس الرجاء الصالح, فتزيد من زمن الرحلة, فترتفع تكلفة التجارة المنقولة, مما تسبب فى ارتفاع الأسعار عالميا, أى معاناة أطراف أخرى عبر الكواكب! فهل كان هذا من أهداف الحوثيين؟ وهل كان من أهدافهم كذلك, عرقلة مشروع الصين التاريخى الحزام والطريق الذى خطط له بأن يكون مسار البحر الأحمر وقناة السويس من أهم مراحله؟ هل يدرس الحوثيون بجدية الآثار المترتبة على عملياتهم؟ وهل يراجعون النتائج لتى لم يحسبوها وتبين أنها تضر أطرافا غير مستهدفة؟ وهل يفكرون فى منطق تساهل دول عظمى داعمة لإسرائيل معهم؟
- هناك أطلس جديد يعد للمنطقة, وستختلف مناطق النفوذ والوزن النسبى للدول , وسواء شئنا أم أبينا نحن فى هذا التشكيل الجديد, والفارق فقط هل نستطيع أن نكون طرفا فاعلا, بمعنى أن نكون جزءا من ترتيبات المستقبل, وبصورة فعالة ولانتركها تتشكل بدون حضورنا, والثابت أن السيادة الوطنية على كل التراب المصرى ليست محل مساومة, ولاتفاوض, ولامطروحة أصلا, فمصردولة مركزية مكتملة الأركان من الألفية الرابعة قبل الميلاد, ثم لأن المؤسسة العسكرية المصرية هى مؤسسة وطنية خالصة, وهى العقبة الكبرى فى طريقهم لتقسيم الشرق الأوسط, ودائما ما يضعونها طرفا فى كل صراع سياسى أو اقتصادى فى الشرق الأوسط, ولكن المؤكد أننا أمام مستقبل معقد وغير واضح المعالم.
- أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى ساحة واسعة لنشر الأفكار والأخبار, لكنها أصبحت أيضا منصة خصبة لانتشار الشائعات الكاذبة على نطاق واسع, مما يجعل من الصعب احتواؤها, فقد تفتك بالنسيج الاجتماعى, وتؤجج الصراعات بين البعض. إن غياب الرقابة الكافية على المحتوى المنشور يفتح الباب أمام انتشار الشائعات.