يوم فارق في تاريخ الشرق الأوسط والعالم حيث شهد تنفيذ وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد 471 يوماً من الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الاعزال، بدعوى الرد على عملية طوفان الأقصى، والسؤال الذي يردده الكثيرون الآن .. هل المقاومة انتصرت؟! هل 7 أكتوبر خطأ أدى إلى تدمير قطاع غزة وتسبب في 47 ألف شهيد و110 ألف مصاب؟! هل كان الأمر يستحق كل هذا الثمن؟! وعشرات الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات مقنعه في ظل عالم تسيطر عليه الصراعات والأكاذيب والقتل والحروب.
الحقيقة أن إسرائيل كان لديها خطة لاحتلال قطاع غزة وتهجير سكانه إلى سيناء، واحتلال الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن.. في ظل ما يسمى بـ«خطة الجنرالات» لتوسيع الكيان كخطوة أولى من أجل إقامة دولة إسرائيل الكبرى من نهر الفرات إلى نهر النيل؟!.. خطة عبر عنها اغلب قيادات الكيان والكثير من المراقبين.. لكن ما حدث وفق مصادر مطلعة أن حركة حماس حصلت على تلك المعلومات – سواء بنفسها أو عبر طرف ثالث – ووضعت خطة لاجهاض المخطط الصهيوامريكي لتنفيذ ما يسمى بـ«صفقة القرن» وإجبار الفلسطينيين على الهجرة إلى سيناء، علاوة على طمع تل أبيب في غاز غزة، وفي الأرض الفلسطينية لمحاولة جعل أرض القطاع حل لتنفيذ مشروع «قناة بن جوريون» البديل لـ«قناة السويس» والذي تعثر أكثر من مرة بسبب صعوبة تنفيذه لأسباب جيولوجية وجغرافية ومادية…
قامت حماس بعملية طوفان الأقصى.. 7 أكتوبر 2023.. التي كان أبرز نتائجها الحصول على مئات الأسرى الصهاينة للتفاوض بشأنهم ومنع إسرائيل من العدوان على غزة .. وكان الأمر يمكن أن يمر هكذا بحرب محدودة على القطاع ثم تفاوض على الأسرى لكن الطريقة التي تمت بها العملية والتي كسرت دولة الاحتلال، والحصول على آلاف الوثائق السرية عن الكيان الصهيوني وحلفاؤه، ومقتل ما يزيد عن 2000 اسرائيلي خاصة في تلك الحلفة التي تصادف إقامتها وقت الاقتحام – بحسب تقارير إعلامية – هذا وغيره في ظل خطة التهجير المعدة مسبقاً، تسبب في جنون جيش الاحتلال وحكومة نتنياهو ومن وراءهم، واعتبروها صفعة لا تغتفر، لذا أشعلوا حرب متعددة الأطراف ضد قطاع غزة.. حرب انتقامية مدمرة .. حرب شاركت فيها إسرائيل وجيوش ومخابرات أكثر من 17 دولة، أبرزها امريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.. ورغم كسر مقولة «الجيش الذي لا يقهر» مجدداً بعد ما فعلها الجيش المصري العظيم عام 1973، وكشف هشاشة الكيان.. صحيح صمود الشعب الفلسطيني عظيم .. وصحيح الموقف المصري الرافض التهجير تاريخي وعظيم .. إلا أن هؤلاء الأسرى كانوا الورقة الأهم التي أجبرت الكيان على التفاوض ووقف الحرب .. نعم إلى جانب الصمود وصلابة الإرادة واستمرار المقاومة بكل قوة لمدة 471 يوماً.. لكن تخيل لو حماس والجهاد وحركات المقاومة ليس لديها أسرى!!.. كان الحلف الصهيوامريكي لن يتوقف أبداً إلا بتنفيذ خطة التهجير.. وهذا يكشف أهمية عملية 7 أكتوبر ..
عزيزي القارئ… هذه مكاسب وقف إطلاق النار في غزة:
1- فشل صفقة القرن إلى الأبد.. لم تنجح في غزة ولن تتمدد..
2- فشل مخطط إسرائيل لـ«تهجير الفلسطينيين إلى سيناء».. وبالتالي صعوبة تنفيذ المخطط مع سكان الضفة الغربية المخطط أن يتم تهجيرهم إلى الأردن.
3- فشل إسرائيل في القضاء على حماس وحركات المقاومة.. وحماس من عقدت الإتفاق.. بل ظهر جنودها منذ اليوم الأول لوقف إطلاق النار في كامل القطاع بشكل لافت وكأنهم لم يخوضوا حرباً مع دولة الاحتلال وحلفاءها على مدار 16 شهراً متواصلة.
4- فشل إسرائيل في إعادة إحتلال قطاع غزة ووافقت مجبرة على الخروج منه بعد 471 من حرب دموية..
5- فشل إسرائيل في تنفيذ رؤيتها المنفرده في الاتفاق والرضوخ لمطالب المقاومة وشروطها.
6- اقتناع أغلب شعوب العالم بالرواية الفلسطينية وأن الشعب الفلسطيني صاحب الأرض.
7- تعثر اغلب المخططات التي كانت تراد بمنطقة الشرق الأوسط، وتمسك الفلسطينيين بأرضهم أعطى درس للجميع.. صاحب الأرض أقوى من لصوص الأوطان.. وقطار التطبيع مع إسرائيل أصبح ركوبه خطر شديد على صاحبه.
8- ظهور أصوات قوية تطالب بحل الدولتين سواء في الأمم المتحدة أو في عدد من الدول الكبرى…
9- خروج مصر قوية راسخة ذات دور إقليمي لا غنى عنه، وتأكيد على وطنية المؤسسات المصرية في الرئاسة والقوات المسلحة والمخابرات العامة، وأنها قادرة على حماية مقدرات الأمن القومي والدفاع عن الدولة بقوة وإخلاص وصلابة.
10- حكومة نتنياهو بدأت بالتصدع وسوف تزيد الاستقالات منها، وسط توقعات بانهيار تلك الحكومة في أقرب وقت.. وسوف تشهد دولة الإحتلال خلافات داخلية طاحنة تبدأ بسقوط حكومة نتنياهو ثم صراعات بين مختلف مكونات المجتمع الصهيوني.. وقد برز ذلك باستقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير واعضاء من حزبه «عوتسيما يهوديت» من الائتلاف الحكومي، في اليوم الأول لبدء تنفيذ وقف إطلاق النار، وقال الحزب في بيان له: «الموافقة المتهورة على الاتفاق مع حماس يمثل استسلاما مشينا.. إن هذه الصفقة تجعل الجيش الإسرائيلي يخسر الانجازات التى حققها بشق الانفس فى الحرب.. وقف القتال كما لو كنا نحن نستسلم لحماس» .. كما أعلن هرتسي هاليفي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي استقالته وتصبح سارية من 6 مارس القادم، مؤكداً أن قرار الاستقالة نتيجة الاخفاق فيما حدث يوم 7 أكتوبر .. وتقدم بالاستقالة كل من: قائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان، ورئيس المخابرات العسكرية اللواء أهارون حليفا، ورئيس مديرية العمليات اللواء عوديد باسيوك، وقائد الوحدة 8200 العميد يوسي ساريل، وقائد فرقة غزة العميد آفي روزنفيلد، وقائد اللواء الشمالي في فرقة غزة، العقيد حاييم كوهين.. وسط توقع بزيادة أعداد الاستقالات.. بالطبع.. لا يوجد جيش منتصر تستقيل قياداته!!.
11- هجرة نحو 600 ألف إسرائيلي يملكون جنسيات أخرى إلى بلادهم الأصلية، وتركوا كل المغريات في الكيان المحتل، ورفضوا الإستمرار في دولة لم تعد توفر لهم الأمان، بعد وصول صواريخ المقاومة إلى كامل الأرض المحتلة، حيث كان الأمن أحد المغريات التي تستخدمها إسرائيل في جذب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وهو خطر كبير على الكيان الذي فقد نحو 15% من سكانه، في أول هجرة عكسيه من اليهود لخارج الأرض المحتلة، منذ وعد بلفور 1917 .. في المقابل برز تمسك الفلسطينين بارضهم رغم الإبادة الجماعية والدمار واستخدام العدو الصهيوامريكي أسلحة محرمة دولياً، وإذا قارنت صور هروب الإسرائيليين مزدوجي الجنسية مقابل تمسك الفلسطينيين ببلدهم، تكتشف الحقيقة: «صاحب الأرض يواجه الموت بصدر عار من أجل بلده، ومغتصب الأرض يهرب إلى بلده الأصلية مع أول طلقة بارود».
12- لأول مرة في التاريخ .. الإحتلال يخسر أكثر من 17 ألف قتيل في حرب واحدة مع الشعب الفلسطيني علاوة أكثر من 29 ألف إصابة أغلبهم عاهات مستديمة عضوياً أو نفسياً، مما تسبب في تأثير سلبي واسع على العقيدة القتالية لقوات جيش الاحتلال التي انسحب الكثير من عناصرها ورفضوا الاستمرار في الحرب، والآلاف منهم يعالجون في نفسياً نتيجة ما تعرضوا له.. الواقع أن خسائر إسرائيل العسكرية أضعاف أضعاف ما أعلنه جيش الإحتلال.. وتكلفة الحرب كانت باهظة وباهظة جداً.
13- تعرض الاقتصاد الإسرائيلي إلى خسائر تجاوزت 270 مليار دولار .. والحياة توقفت في أغلب الأرض المحتلة حيث تعطلت المطارات وتوقفت السياحة بالكامل ووهرب المستثمرين ولم يعد الكيان مكان آمن للاستثمار، وتم إغلاق الآلاف الشركات.
14- فشلت إسرائيل في مخطط قناة بن جوريون، أو الطريق الهندي الإسرائيلي الجديد كبديل لقناة السويس .. الحقيقة أن حلم قناة إسرائيل الجديدة تبخر منذ تعثر الميناء الأمريكي في غزة.
15- فشلت إسرائيل في تمرير السلام الإبراهيمي وهو «السلام مقابل السلام»، وتم إعادة ترسيخ المفهوم المصري للسلام وهو «الأرض مقابل السلام».. وإعادة مفهوم الإنسحاب من الأرض مقابل وقف إطلاق النار استمراراً لنموذج حرب أكتوبر المجيدة.
كل هذا وغيره يؤكد فشل الخارطة الإسرائيلية للشرق الأوسط الجديد.. لذا يرى مراقبون أن الشعب الفلسطيني انتصر .. حماس والجهاد وحركات المقاومة انتصروا.. مصر انتصرت .. فالصمود إنتصار.. قوة الإرادة إنتصار.. عدم الاستسلام انتصار، وقف صفقة القرن انتصار .. فيتنام انتصرت على أمريكا رغم كل الضحايا، الجزائر انتصرت على الاحتلال الفرنسي رغم فقد 1.5 مليون شهيد.. تحرير الأوطان من الاحتلال يحتاج إلى تضحيات عظيمة اسألوا اهل الجزائر وليبيا وفيتنام وكوبا والكونغو وأغلب دول افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية التي تحررت من الاستعمار.. لا تتحرر الاوطان مجاناً.
وقد اعترف الإعلام العبري بما أسماه بـ«الفشل الإستراتيجي» في حرب غزة وهو مرادف لكلمة «الهزيمة»، ونشرت صحيفة معاريف العبرية مؤكده أن الحكومة أصبحت هشة ويمكن انهيارها في أي وقت، وحملت نتنياهو رئيس الوزراء وجالانت وزير الدفاع السابق، وهاليفي رئيس الأركان المسؤولية الكبرى عن «الهزيمة الاستراتيجية» في الحرب ضد حماس.. وأبرزت الصحف العبرية صورة مقاتلي المقاومة وشرطتهم تملأ القطاع.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد أكدت بكاء كل وزراء نتنياهو أثناء المصادقة علي قرار وقف إطلاق النار في غزة، وأن نتنياهو بكي وبحرقة لأنه لم يستطع مواجهة ترامب في قرار وقف الحرب في غزة بعد أن كان نتنياهو يراهن على الرئيس الأمريكي الجديد في استمرار الحرب وقرار ضم شمال غزة، إلا أن ترامب وفي لحظة تاريخية قد جمع الحزبين الجمهوري والديمقراطي ضد رغبة منظمة الإيباك أو اللوبي الصهيوني داخل أمريكا بوقف الحرب .. ويرى مراقبون أن تحدي ترامب لمنظمة الإيباك يهدد حياته ويجعله عرضه لمحاولة اغتيال ثالثة في حفل تنصيبه، مما استدعى ولأول مرة إجراءات تأمينية استثنائية للحفل الذي تم داخل قاعة مغلقة وتم استدعاء فريق طبي كامل تحسباً لأي خطر يواجه الرئيس، وهو ما غرد به جاك سوليفان مستشار الامن القومي الأمريكي.
وقد كان ترامب قد وعد بالجحيم للجميع في الشرق الأوسط بما فيهم إسرائيل، إذا لم تتقف حرب غزة قبل يوم 20 يناير موعد تنصيبه، وأجبر تل أبيب على قبول وقف إطلاق النار، وقال رئيس الموساد أن وقف الحرب ضرورة وذلك بسبب عدم قدرة إسرائيل لا سياسياً ولا إقتصادياً أو عسكرياً على الإستمرار في الحرب لمدة طويلة وهذا ما أزعج نتنياهو ووزرائه لدرجة البكاء.. كان نتنياهو يريد مواصلة الحرب لإنقاذ نفسه وحكومته لكن الموساد يعلم أن أغلب دول العالم ضد استمرار الحرب.. وهنا قال ترامب بوضوح: «الحرب لن تعود مرة أخرى» .. وتم رفض محاولة نتنياهو البقاء في محور فيلادلفيا، بل ورفضت القاهرة تغيير تموضع قوات الجيش المصري في سيناء .. فقد أصبح محور فيلادلفيا جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، ولن تقبل القاهرة بمناورة نتنياهو وحكومته، للبقاء الجزئي في المحور حتى لا يكون باب لعودة إحتلال القطاع، حيث يرى نتنياهو ووزراءه وقادة جيش الإحتلال أن انتهاء الحرب يعني إقالتهم بشكل جماعي.. وهو ما يتوقعه اغلب اللاعبين إقليماً ودولياً.
مصر والحرب والأمن القومي!!
خاضت مصر – لمن يعرف أو لا يعرف – منذ 7 أكتوبر الماضي حرباً سياسية ودبلوماسية من أجل الحفاظ على أمنها القومي، فالأمر أبعد من مجرد تغير نوعي قادته المقاومة الفلسطينية ضد دولة الإحتلال الإسرائيلي، وأعمق من حرب بربرية خاضها الكيان الصهيوني ضد أهلنا في قطاع غزة، فما
جرى على الأرض محاولة واضحة لتهديد الأمن القومي المصري، باستخدام «قوة السلاح» لإجبار الفلسطينيين على تنفيذ مخطط تهجيرهم إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، واللافت أن ذلك تم تحت غطاء دولي تقوده أمريكا وبريطانيا، وبموافقة وتواطؤ دول عربية، دول كشفت الحرب الأخيرة مواقفها المساندة للصهيونية بلا مواربة.
هنا كان موقف مصر الرسمي واضحاً رغم الضغوط:
1- لا تصفية للقضية الفلسطينية.
2- لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
3- لن نسمح بخلق صدام مسلح بين الشعب المصري والأشقاء في فلسطين.
4- لن نسمح بالتنازل عن شبر واحد من أرض سيناء.
5- أي محاولة لفرض ذلك بالقوة ستكون نتيجتها إعلان مصر الحرب على إسرائيل.
التحدي الحقيقي أن مصر تمسكت بتلك المواقف حتى النهاية.. القاهرة منذ 7 أكتوبر وحتى إتفاق وقف إطلاق النار خاضت حرباً على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية علاوة على التأهب العسكري المتواصل والاستعداد لخوض حرب جديدة مع إسرائيل في أي وقت في موقف قوي يحسب للقيادة السياسية برئاسة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، بالتنسيق الكامل مع القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق عبدالمجيد صقر، والمخابرات العامة برئاسة اللواء حسن رشاد، وفق محددات الأمن القومي، وهو ما دفع أغلب الشعب المصري عبر وعيه الشديد لمساندة قيادته السياسية وقواته المسلحة، لإجهاض مخطط خبيث كان يتم ضد مصر خلف الكواليس، وفي الغرف المغلقة.
الموقف المصري الذي لم يعرفه الكثيرون، لم يتوقف عند منع التهجير ورفض أن تكون سيناء وطن بديل للفلسطينيين، بل وجهت مصر رسالة واضحة للجميع مفادها: «أي محاولة لإجبار الفلسطينيين على دخول مصر، فإن القاهرة لن تشتبك مع الأشقاء الفلسطينيين بل سوف يكون ذلك بمثابة إعلان إسرائيل الحرب على مصر، وأن مصر سوف تدخل الحرب مباشرةً مع إسرائيل دون تراجع، وتم إبلاغ الأمم المتحدة وامريكا وعدد من الدول» .. بل وذهبت مصر بعيداً مهددة جيش دولة الإحتلال بأن أي محاولة للتهجير سوف يجد قواته في مواجهة الجيش المصري أقوى جيوش المنطقة، وهددت مصر وفق تقارير دولية بـ«أنها تمتلك من القوات والأسلحة ما يمكنها من فرض كلمتها بشكل لا يتوقعه أحد داخل إسرائيل وحلفاؤها».. تلك الرسالة وصلت واضحة وصريحة للجميع، وصلت في عدة مناسبات على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما قال في القمة العربية الإسلامية التي عقدت بـ«السعودية»: «أن الحرب إذا إستمرت قد لا يتوقف أمدها عند قطاع غزة، وسوف تمتد لمناطق أخرى إذا لم يتم وقف إطلاق النار»، وما قاله في أحد المناسبات المحلية: «لن نسمح بتهجير الفلسطنيين إلى سيناء .. وهذا خط أحمر لن نقبل تجاوزه».. وأيضاً في تصريحات العديد من المسئولين في الحكومة والقوات المسلحة، وهددت مصر بإشعال حرب «يوم القيامة» ضد الكيان الصهيوني، هذا وغيره جعل الموقف الرسمي والشعبي في مصر يربح عدة نقاط منذ ديسمبر 2023 وحتى وقف إطلاق النار أهمها:
1- تحول الدول الغربية من مساندة التهجير إلى رفض التهجير والتأكيد على أن الفلسطينيين سيظلون في غزة.. وهو ما حدث في النهاية.
2- إدراك قوة وصلابة الموقف المصري وعودة القاهرة رقماً فاعلاً داخل الشرق الأوسط بعد سنوات من محاولة تهميشها لحساب دول عربية أخرى.. وهو ما برز في وجود مصر إلى جانب أمريكا وقطر رعاة وضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار.
3- فرضت مصر حضورها رقماً فاصلاً في الأمن الإقليمي والأمن العالمي.
4- رفضت مصر إدارة قطاع غزة أمنياً، ورفضت أي تواجد لإسرائيل داخل قطاع غزة بعد الحرب، ورفضت وجود قوات دولية في القطاع واعتبرته إعادة احتلال، وقد تفهمت الدول الغربية والأمم المتحدة ذلك.. وهو ما تحقق في إتفاق وقف إطلاق النار.
5- الموقف المصري الرسمي والشعبي أعاد الثقة بين المصريين والأشقاء في فلسطين بعد سنوات من سعي الكثيرين لضرب العلاقات التاريخية بين الشعبين.
6- عودة الثقة بين القيادة السياسية والشعب، وتأكيد أن الخلافات السياسية تتلاشى عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري..
7- عودة بعض الدول العربية إلى صوابها، والتأكد أنه لا يمكن لأحد مزاحمة مصر في مكانتها ودورها الإقليمي.
ووفق تقارير إعلامية وسياسية فإن أحد أبرز المكتسبات من الحرب على قاطع غزة .. خلق جيل جديد على مستوى العالم متضامن مع الحق الفلسطيني ويدرك صحة الرواية الفلسطينية، بعد عقود من تفوق الراوية الإسرائيلية المكذوبة وسيطرتها على «العقل الجمعي العالمي» خاصة «العقل الغربي» بسبب سطوة اللوبي الصهيوني في كافة المؤسسات داخل الدول الغربية، وسيطرة اليهود على وسائل الإعلام ومؤسسات المال والتعليم والقضاء والفنون والثقافة وغيرها، وفي مقدمة تلك الدول «امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا وكندا….».. وتأتي تصريحات دونالد ترامب في حفل تنصيبه وقراراته بكشف وثائق سرية حول إغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي، وأحداث 11 سبتمبر، وقضية جزيرة جيفري ابستين، وجميعها متورط فيها اللوبي الصهيوني، وتأكيده على إعادة الانضباط للتعليم الأمريكي وتنقيحه، ليؤكد أنه يقود ثورة لمواجهة الدولة العميقة والصهيونية داخل أمريكا، فهل يستمر حتى النهاية أم يتراجع خوفاً من اغتياله كما تردد الكثير من التقارير السياسية؟!..
تأثيرات حرب غزة وفقاً للتقارير الدولية ستكون واسعة على الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية ودول المنطقة خاصة مصر والأردن ودول الخليج العربي، ومحور المقاومة.
1- إسرائيل .. انتهى رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو سياسياً، وسوف يخرج من الحكومة في أقرب وقت، وكل ما كان يفعله على مدار 16 شهر محاولات يائسة لتحقيق أي انتصار يمنع محاكمته لكنه فشل بسبب ما تكبده جيش الإحتلال الإسرائيلي من خسائر وعدم تحقيق أي من أهدافه المعلنة حول الحرب، فقد تحولت «صفقة القرن» من «حلم نتنياهو» للحصول على جائزة نوبل للسلام إلى «كابوس» انتهى معه دوره السياسي وربما تتم محاكمته في إسرائيل، إلى جانب ملاحقته دولياً كـ«مجرب حرب» نتيجة الإبادة الجماعية التي أمر بها داخل قطاع غزة.. وتؤكد تقارير إعلامية عبريةن إسرائيل قد تشهد انهيار حكومة نتنياهو والدعوة إلى إنتخاب حكومة جديدة قريباً وقريباً جداً، وأن العديد من الاسماء السياسية سوف تختفي من المشهد الإسرائيلي كأحد فواتير الحرب.
2- السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، أصبحت أقرب للرحيل من أي وقت مضى، هناك مطالب عديدة لانهاء حكم أبومازن، وسط توافق دولي وانفتاح فلسطيني لاختيار قيادة سياسية جديدة، لذا قد تشهد الأيام القادمة إدخال تغييرات واسعة على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، يبقى الاختلاف بين الأطراف حول اسم الشخص الذي سيقود السلطة الفلسطينية وفريقه المعاون، فقد تسربت خلال أيام الماضية عدد من الأسماء التي تحظى برعاية غربية وعربية لقيادة السلطة الفلسطينية وجاء الرد سريعاً من الشعب الفلسطيني بمكوناته المختلفة: «لن نقبل أية قيادات تأتي بالبارشوت برعاية دولية، وهناك توافق عام بين القاعدة الشعبية مفاده: «لن يحكم فلسطين إلا من دفع الفاتورة الوطنية وساهم في الكفاح الفلسطيني الثوري والمقاوم وشارك في ضريبة الدم الفلسطيني بعيداً عن أصحاب المكاتب المكيفة ومن يعيشون في عواصم غربية».. وأصبح العالم يدرك أن حماس وباقي الفصائل الفلسطينية حركات مقاومة تعمل لتحرير التراب الوطني وفق القانون الدولي، وليست حركات إرهابية كما يدعي الحلف الصهيوامريكي، بل أصبحت أنظمة عربية تدرك أهمية وجود المقاومة حتى لو اختلفت معها إيديولوجيا انطلاقاً من القاعدة الشعبية: «أنا واخويا على إبن عمي، وأنا وإبن عمي على الغريب».
3- وسط حملة تشكيك واسعة في القيادة السياسية المصرية خلال الفترة الماضية من أطراف عدة والحديث عن تورط مصر في خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ورغم مواقف مصر الواضحة منذ 7 أكتوبر ضد هذه الخطة الصهيوامريكية كان يخرج كل يوم من يتهم مصر، وبعدما انتهت حرب غزة دون تهجير الفلسطينيين، ومع اعتراف الجميع بما فيهم. حركة حماس بالدور المصري المساند لحقوق الشعب الفلسطيني، فإن الرئيس السيسي أكثر الرابحين خاصة على المستوى الداخلي، بدحض رواية خصومه بأنه ينفذ الخطة الإسرائيلية في المنطقة، وحقق نصراً تاريخياً انصفه وأثبت للجميع أنه ملتزم بمحددات الأمن القومي المصري، مما يعزز الثقة بينه وبين مكونات الشعب المصري، كما ربحت مصر موقفاً تاريخياً أعاد لها حضورها السياسي والدبلوماسي على المستوى الإقليمي والدولي، ونجحت القوات المسلحة والمخابرات العامة وأجهزة الأمن القومي المصرية في إدارة أصعب موقف واجهته الدولة المصرية خلال العشر سنوات الأخيرة، ومواجهة مخطط الشرق الأوسط الجديد وما يعرف بـ«صفقة القرن»، خاصة أن كافة التقارير كشفت أن مصر منذ 7 أكتوبر شكلت «مجلس حرب» عمل على مدار الساعة وكانت كافة الخيارات مطروحة وفي مقدمتها خوض حرب ضد إسرائيل في أي وقت، فمصر قالتها واضحة: «إذا اجبرتوا الفلسطنيين على اقتحام الحدود المصرية، فسوف نخوض حرباً مباشرةً مع إسرائيل».. بل إن مصر سوف تحتفظ بكافة قواتها في سيناء بعدما أصبحت إتفاقية كامب ديفيد من الماضي، وكان تسليم محافظ شمال سيناء وقيادات الجيش شقق الإسكان في رفح لأهالي سيناء بعد 48 ساعة من وقف إطلاق النار في غزة، خير رد بأن تلك المساكن بنيت من أجل المصريين من أهل سيناء وليس لتهجير الفلسطينيين كما كان يردد البعض الفترة الماضية.
4- عربياً.. ربحت الأردن موقف إيجابي لمساندة الشعب الفلسطيني، وربحت قطر دوراً سياسياً جديداً كأحد رعاة اتفاق وقف إطلاق النار، فيما خسرت دول خليجية خاصة الامارات والبحرين بمساندة كيان الإحتلال وترديد روايته، فيما لم تقدم السعودية ما هو مأمول منها وظهرت وكأنها تمسك العصا من المنتصف في خسارة كبيرة لا تتفق مع ثقل بلاد الحرمين الشريفين التي كان يرى المسلمون في العالم أنه كان يجب على المملكة مساندة المقاومة الفلسطينية دون قيد أو شرط، لكن يبدو أن ما حدث افسد خطة السعودية لركوب قطار التطبيع، فذهبت إلى الهجوم على حركة حماس واتهامها بأنها تعمل لصالح إيران الخصم الأبرز للمملكة العربية السعودية خلال العقود الأخيرة، بينما تراوحت مواقف باقي الدول العربية بين التنديد والصمت والانشغال بالداخل المتأزم.. ونأمل أن يكون للجميع دور في إعادة إعمار غزة.
5- إيران وحزب الله والحوثيين وبعض الفصائل في العراق شكلوا جبهة إسناد لقطاع غزة، ساهمت في دعم المقاومة الفلسطينية، ورغم خسائر كل طرف إلا أن الإسناد أكد أن العرب والمسلمين يقدرون على هزيمة الاحتلال الإسرائيلي لولا مساندة امريكا وأوروبا له، واللافت أن المقاومة الفلسطينية لم تكن تراهن على باقي الجبهات، وهو ما يفسر ما أعلن منذ بداية الحرب أن حركة حماس قامت بعملية 7 أكتوبر دون تنسيق مع أحد من جبهات المقاومة..
المؤكد أن العالم ومنطقة الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر 2023 يختلف تماماً عما قبل هذا التاريخ، ويبقى شهر أكتوبر مجدداً مناسبة لانتصار العرب على إسرائيل، والواقع يقول إرادة الله نافذة مهما كانت مخططات البشر، وأن إرادة الله فوق مخططات «المنظومة السرية.. الصهيوشيطانية» وأقوى من حاكم العالم السري.. فقد يكون لدى إسرائيل معلومة من مصادر: «حماس سوف تقوم بعملية ضد إسرائيل» ولا تصدقها ولا تعمل لها حساب مثلما حدث في أكتوبر 1973، لتصبح القاعدة: «ليس كل من لديه المعلومة يدرك قيمتها.. فإذا كان امتلاك المعلومة مهم جداً فإن التعامل معها شديد الأهمية» .. وهو ما يجيب على السؤال الذي يردده خصوم المقاومة: «لماذا دخلت حماس تلك المعركة غير المتكافئة والتي كانت نتيجتها ما نشاهده من دمار قطاع غزة واستشهاد أكثر من 47 ألف وإصابة أكثر من 110 ألف؟! .. والإجابة ببساطة لأن حماس والفصائل الفلسطينية امتلكت المعلومة الأهم: «اسرائيل سوف تشن حرب إبادة جماعية ضد قطاع غزة لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وسوف يتم ذلك بغطاء دولي واسع» .. للتعامل مع تلك المعلومة قررت حركة حماس أن تقوم بعملية هجومية استباقية لا تمنع الحرب ولكن تمنح المقاومة المبادرة، وامتلاك أسرى إسرائيليين للمقايضة بهم، والأهم السيطرة على مراكز الشباك والموساد والحصول على ما بها من معلومات، وفق قاعدة: «من يمتلك المبادرة يكون صاحب القرار الأقوى.. اتغدت حماس بإسرائيل قبل ما يلتهم الجيش الصهيوني قطاع غزة» .. وهو ما غير حسابات المعركة كاملة وجنن تل أبيب وواشنطن ولندن وعواصم الغرب .. من الذي سرب الخطة؟! ومن وضع الخطة المضادة لحركة حماس؟! وكيف استطاعت حماس والمقاومة هزيمة الكيان الإسرائيلي وإجباره على وقف إطلاق النار بتلك الشروط؟! كيف أجبرت أمريكا على دخول الحرب بشكل مباشر؟! وما هي الخسائر التي تكبدتها أمريكا على كل المستويات في غزة حيث أن السلاح أمريكي والقوات أمريكية والتخطيط والتنفيذ بمعرفة العسكريين الأمريكتين بعدما استسلمت تل أبيب بعد أيام من العدوان وهو ما يفسر استخدام واشنطن حق الفيتو على مدار 16 شهر لمنع وقف النار؟!، وما الذي دفع أمريكا في النهاية إلى إرغام نتنياهو على قبول قف إطلاق النار؟! .. وفقاً لتقارير عديدة أن أمريكا هي من كانت تقاتل في غزة إلى جانب إسرائيل بعدما تكبدت تل أبيب خسارة هي الأصعب منذ عقود طويلة.. حاولت واشنطن إنقاذها دون جدوى.. حتى جاء قرار وقف إطلاق النار في هزيمة مزلة لإسرائيل مهما ادعى الصهاينة اليهود والمسيحيين والمسلمين..
أخيراً.. يتساءل البعض عن سر قدرة حماس وفصائل المقاومة الاستمرار لفترة طويلة في مواجهة الكيان الصهيوني في حرب امتدت لنحو 16 شهراً متواصلة، وخروج قيادات حماس بهذه القوة والتنظيم في المشهد الذي شاهده العالم في أول يوم لتطبيق قرار وقف إطلاق النار؟! .. قلت مبكراً ومبكراً جداً أن حركة حماس عند الاعداد لعملية طوفان الأقصى كانت مستعدة لحرب تصل إلى عامين، وأن الحركة كانت تمتلك رؤية لمختلف السيناريوهات الإسرائيلية، وهو عكس ما تحدث عنه رافضي المقاومة، على مدار شهور الحرب، وكشفنا تقارير أكدت أن مصادر تمويل ودعم المقاومة أكبر بكثير مما هو معلن وما هو معروف، وأن الكواليس تشهد الكثير من التقاطعات بعيداً عن التحالفات المعلنة.. فالصديق قد لا يكون صديق .. والعدو قد تفاجئ بأنه صديق غير معلن .. والصامت يتحرك في الخفاء بقوة وحسم .. والرافض تجده يقبل ما يرفضه .. العالم لا يدار بالتصريحات العلنية التي تقدم للجماهير.. العالم يدار بما يجري في السر، وتحكمه تفاهمات قد لا يستطيع أكثر اللاعبون تحمل فاتورة إعلانها.. لذا دعونا نترقب وننتظر، فليس كل ما يعرف يقال.. وليس ما يقال كل الحقيقة.. الكواليس تحمل الكثير .. يا عزيزي «للحقيقة وجه واحد مهما حاولوا يلبسوها 100 قناع».