“عمريّات: خرابيش شعرية” هو ديوان يتفجّر بالمشاعر يعيد تشكيل اليوميّ في صورة شعرية نابضة بالحياة. عمر فوزي، كحكّاء بالفطرة، لا يقدّم شعرًا مجردًا من السياق، بل ينحت بالكلمات ملامح الإنسان المصري البسيط، المتأرجح بين الحبّ والغضب، بين الأمل والانكسار.
يبدأ الديوان بمقدّمة تعكس فلسفة الكاتب تجاه الشعر: لا يراه صنعة بل لحظة صدق، فكلّ نصّ هنا هو أثر من آثار وجدانه، توثيق للحظات وجدانية لم تُرد أن تمرّ بلا أثر. هذه الرؤية تجعل القصائد أشبه بصدى لنَبْض القلب، تُلتقط بلحظتها ثم تُصاغ على الورق بعفوية تُشعرك أنك تستمع لصوت داخليّ مألوف.
في قصيدة “الأُوْلَى آه”، نجد صوتًا وطنيًا يتغلغل في الذات، حيث الحنين للوطن والخوف على الأجيال القادمة، وصراع بين الحبّ والخوف، بين الأمل واليأس في جُمل مكثّفة تصيب القلب مباشرة، كأنها تنهيدة متأجّجة.
أما في “بحبها”، فإن الحبّ لمصر يبدو كتيمة متكرّرة، لكنّه ليس الحبّ الرومانسي الهادئ، بل حبّ متقلب
يجمع بين العشق والضيق، بين الولع والغضب، وهو ما يعكس علاقة المصريّ بوطنه؛ ذلك الحبّ العنيف الذي
لا يعرف الفتور لكنه لا يخلو من المرارة.
قصيدة “ليه؟!” تُجسّد بامتياز روح الاحتجاج في الديوان، حيث تتداخل الأسئلة الوجودية مع الغضب من الواقع السياسي والاجتماعي. الأسئلة هنا لا تطلب إجابة بل تُلقى في وجه القارئ كصفعة توقظه على قسوّة ما يحدث. استخدام التكرار يضيف إيقاعًا تصاعديًا، كأن القصيدة نداء متألم يتردّد صداه في كل شارع.
ثم تأتي “الغربة” كسحابة سوداء تحوم فوق صفحات الديوان، حيث تتعدّد القصائد التي تصوّر ألم الاغتراب سواء كان اغترابًا مكانيًا كما في “جينا الغربة”، أو اغترابًا نفسيًا كما في “ياغربة يامرة مرار”، حيث تبدو الغربة كعدوّ خفيّ، كمارد يسرق الأحبة ويمزّق الأوصال.
يُقدّم الديوان أيضًا مجموعة من قصائد الرثاء التي تنزف ألم الفقد، مثل “في رثاء توأم الروح”، حيث يتحوّل الشعر إلى عزاء، محاولة لاحتواء الخسارة داخل الكلمات، وكأن القصيدة صرخة ممتدة ضدّ الموت.
لكن وسط هذه الحلقات من الحزن، هناك ومضات من الأمل والفرح، كما في “كل سنة وأنت حبيبي”، و*”أولادي”*، حيث يتحوّل الشعر إلى احتفال بالحبّ والعائلة، كأنه استراحة من صخب الألم.
لغة عمر فوزي في “عمريّات” سلسة، مشبّعة بالحكي قريبة من العاميّة المحكية، لكنها تحتفظ بعمق شعوريّ يُشعرك أنها تُقال لك شخصيًا، لا تُكتب من بعيد.
كلّ قصيدة هنا أشبه برسالة صغيرة تُرمى في بحر المشاعر، تنتظر من يلتقطها ليتأمّلها.
هكذا، ينتهي الديوان، لكن أثره يبقى. ليس فقط كقصائد تُقرأ ثم تُنسى، بل كأصوات تُحفر في الذاكرة، ككلمات تتحوّل إلى نبض في صدر القارئ، كحكايات تُروى على مقهى مصريّ عتيق، حيث الحزن يختلط بالضحك والغربة تتجاور مع الحبّ، والوطنية تغزلها الآه.