نشاطات ثقافية كبيرة، وندوات وحلقات نقاش تدور حل دور الكتابة في
اكتشاف الذات
جهود كبيرة في الساحة الثقافية تقوم بها الفنانة التشكيلية والإعلامية رنا جعفر ياسين، في مجال اكتشاف الذات من خلال الكتابة التعبيرية التي يُمكنُ من خلالها إفراغ ما يجول في خواطر الذات البشرية، وتحويلها إلى منفذٍ يمرُ من خلالهِ الضوء للوصول إلى الاستشفاءِ وطر الظُلمة المستقرة في دواخلنا. تنقلت رنا بخفة وعفوية بين اركان المؤسسات الثقافة، تارةً في منصة إبداع (بغداد مدينة الإبداع الثقافي- اليونسكو) وتارةً في صرحٍ علمي كبير ألا وهو كلية اللغات – جامعة بغداد. كانت رنا في الجامعة بضيافة قسم اللغة الألمانية وبدعوة من الدكتور بهاء الجنابي. وكانت ندوتها تدور حول ((الكتابة واكتشاف الذات وصولاً للاستشفاء من الصدمات)).
وفي جانبٍ مما جاء في محاضراتها سواءً في منصة إبداع أو في كلية اللغات – جامعة بغداد:
للكتابة تأثير كبير لا يقتصر على نشر الأفكار والمفاهيم القيمة أو استعادة الذكريات والأحداث ومعالجة المشكلات ، بل يتعدى تأثيرها الى الجانب النفسي ليكون علاجاً نفسياً لمن يقوم بفعل الكتابة وقد أثبت العلم فائدة الكتابة وعدها أحد الأساليب التي تساعد الإنسان على الحفاظ على صحته النفسية والجسدية ،وهذا ما أكدته الشاعرة المبدعة رنا جعفر ياسين في جلسة مميزة لمنصة ابداع في بغداد مدينة الابداع الادبي اليونسكو إذ حاورها في هذا المضوع الناقد أ. د. سعد التميمي ليقدمها للجمهور في مجال ابداعي ومعرفي جديد كمدربة دولية تحمل مشروع اكتشاف الذات والاستشفاء من خلال الكتابة منطلقة من تدريبات متخصصة ومعتمدة في اميركا في علم النفس الايجابي والمعرفي والادراكي وعلم الاعصاب ووظائف الدماغ ، فبعد رحلة مع الشعر والاعلام والتشكيل امتدت أكثر من عقدين وجدت أن هذا المجال يقدم خدم للإنسان في بلد تعرض عبر عقود من الزمن الى صدمات نفسية واثار جسدية بسبب الحروب المتتالية ، وقد اكدت الشاعرة زنا جعفر أن هذا المجال يختلف عما يطرح بمجانية عما يسمى التنمية البشرية ،مؤكدة ان اكتشاف الذات يمكن أن يكون بالكتابة الابداعية لكن الاصل في هذه النظرية الكتابة العادية مع ضرورة توفر القصدية ، اتبدأ العملية بوضع اليد على الاثار التي تؤرق الانسان ثم التخلص منها بعد كتابته ليتبعها عملية الاستشفاء، وهذا ما أكده الباحثان “كارين بايكي، وكاي ويلهيلك”، اللذان أقرا بأن الكتابة التعبيرية تنفع بشكل كبير في أوقات الضغط والتوتر والحزن والغضب، وأن الكتابة عن حدث مؤلم حصل في الماضي يحسّن من الصحة النفسية والجسدية التي تسبب الألم بتدهورها، وقد قدمت الشاعرة رنا قصيدة كشفت فيها عما مرته من صدمات لتتخلص بعد ذلك من آثار هذه الصدمات.
إن ممارسة الكتابة باستمرار بقصدية اكتشاف الذات سيؤدي الى الاستشفاء ويخفف من أثر الحدث ويقلل من الضغط، وهذا ما سيكتشفه من يقوم بفعل الكتابة ليجد أن الحدث لم يعد يحمل التأثير نفسه وأن الكتابة تدفعه لتفريغ عواطفه السلبية؛ وفي هذا السياق نجد أن الكتابة عن المشاعر المرتبطة بالحادث الأليم مثلاً لا تكفي من أجل التفريغ، بل يجب الكتابة عن تسلسل الأحداث بشكل حيادي، من أجل النجاح في تغيير طريقة التفكير.
وقد اكدت الشاعرة رنا جعفر ياسين أن الهدف من اكتشاف الذات وتطويرها او تشافيها هو ان نحصل على أفضل نسخة ممكنة من أنفسنا على المستوى النفسي والمستوى العاطفي والمستوى البدني وخلق ذات إنسانية واعية، ذات تعرف نفسها جيدا وتتقبلها وتسعى دائما لبناء وعي متسع وخلق نمط حياة صحي.. وتعتبر الكتابة التعبيرية واحدة من اهم الطرق الموثوقة ذات التأثير الملموس لهذا الغرض، وهذا ما يثبته العلم وتثبته التجربة اليوم.
لابد من التأكيد على ان الكتابة التعبيرية من اجل اكتشاف الذات وتطويرها والتشافي من الصدمات والالام الناتجة من التجارب السلبية السابقة لا تتطلب اطلاقا مهارات أدبية إبداعية او تقنيات كتابة احترافية ولا تتطلب معرفة بقواعد اللغة والمعايير التي تعتمد عليها الكتابة الاحترافية. هي متاحة للجميع لأنها ببساطة بالإضافة الى كونها وسيلة تعبير عميقة وفاعلة عن المشاعر والأفكار الداخلية والمكبوتة، هي أيضا وسيلة لتشخيص هذه الأفكار والمشاعر والانماط السلوكية بدقة عالية ومن ثم تسمية كل فكرة او شعور او سلوك والبحث عن أسبابه ومن ثم العمل على تقبله والاعتراف به وهذا ما يحدث في مرحلة اكتشاف الذات. وفي مرحلة تطوير الذات أو التشافي من اثار صدمات الماضي، والتي تعتبر المرحلة الأطول التي تتطلب وعيا وصبرا كبيران، تبدآ الكتابة التعبيرية دورها أيضا في التعامل مع تلك الأفكار والمشاعر والسلوكيات وتضع خطة تطويرية وشفائية من خلال ممارسة تقنيات وتمارين متخصصة تخلق مسارات عصبية جديدة من خلال التكرار الذي يعيد توجيه الدماغ البشري ويعيد تشكيل القناعات والانماط التي خزنت سابقا في العقل الباطن.
هل هذا يعني ان الكتابة التعبيرية لا يمكن ان تكون كتابة أدبية احترافية؟ بالتأكيد لا. فالكتابة الإبداعية وفي مناطق كثيرة قد تكون كتابة استكشافية لمكنونات النفس البشرية وتعافيها ويمكن لكاتب محترف ان يمارس الكتابة الإبداعية وفق تخصصه وبشكل احترافي والكثير من الاعمال الأدبية خير دليل على ذلك.
ويجب الإشارة الى ان الكتابة التعبيرية تعتمد على الأسس العلمية لطريقة عمل الدماغ/ العقل الواعي والعقل والباطن وحقيقة ان الدماغ البشري مرن وقابل لإعادة التشكيل. كما وان الكتابة التعبيرية هي وسيلة مكلمة لا تتعارض مع أساليب العلاج الطبية وليست بديلا عنها ان وجدت.