اقتنع أحد أصدقائي بالإعلانات التي تبثها مئات القنوات الفضائية على مدار الساعة بشأن الأدوية التي يمكنها معالجة كل أنواع الأمراض بجرعات قليلة وفي أيام محدودة . ورغم أنه حاصل على مؤهل عالي ولديه قدر من الوعي إلا أن آلام العظام التي يعاني منها منذ شهور بالاضافة إلى ” الزن على الودان ” دفعته لشراء نوع من المراهم ، وأوقعه في الفخ الشخص الذي يقوم بالدعاية لهذا العلاج ويرتدي زي الأطباء ، ويؤكد أنه يزيل كل الأوجاع خلال 3 أيام ،ويزعم أنه دواء “حاصل على تصريح من وزارة الصحة”.
مرت الأيام الثلاثة وخلصت جرعة المرهم واستمرت شكوى الصديق من الألم ، مثله مثل كل ملايين المرضى الذين وقعوا في فخ النصابين الذين يبيعون لهم الوهم مستغلين لهفتهم على العلاج وأنهم ” كغريق يتعلق بقشة”. ولطف الله بصديقي ولم يتعرض لأثار جانبية حيث أن العلاج دهان من الخارج ، ولكن هناك ملايين المرضى الذين تعرضوا لأضرار صحية بالغة وصلت الى حد الموت بتناولهم تلك الأدوية المغشوشة التي يروج لها أصحابها علنا في الشوارع وعبر وكل وسائل الاعلام الرسمية والخاصة دون رادع من قانون أو وخذة ضمير . وذكر الدكتور أحمد فؤاد الدهراوى في دراسته لنيل درجة الدكتوراه بجامعة الأزهر:” أن الإعلانات الطبية تستحوذ علي مساحة زمنية كبيرة من بث القنوات الفضائية تقدر بـ35.8% من إجمالي مساحة الإعلانات التجارية المقدمة في الفضائيات العربية “. وأوضحت الدراسة أن التجاوزات الأخلاقية فى هذه الاعلانات تبلغ 26.4%، تليها التجاوزات الخاصة بثقافة التداوي بنسبة 20.9%، ثم تجاوزات تدني الذوق بنسبة 14.8% .
ورغم خطورة فوضى اعلانات الأدوية وتاثيرها المدمر على الصحة البدنية ، فإن هناك فوضى أشد خطورة في الترويج الفضائي لأعمال السحر والشعوذه لأنها تدمر الصحة العقلية والنفسية. يقول الداعية الدكتور إبراهيم الحقيل في احدى خطبه :” أن الإقبال على هذه القنوات كبير جدا، وهي تزداد يوما بعد يوم، حتى إن المتصل بها ربما اتصل عشر مرات ولا يستطيع الوصول إلى الساحر أو الكاهن من شدة الزحام عليه، وفي بعضها يأخذون رقم المتصل ويعدونه بالاتصال به بعد أسبوع أو أكثر لكثرة من ينتظرون قبله”. وكشف الحقيل احصائية خطيرة تفيد بأن العرب ينفقون سنويا على السحر وحده خمسة مليارات دولار، وأن هناك دجالا واحدا لكل ألف من العرب، وقد ازدهرت سوق ترويج السحر والكهانة حتى بلغت مبيعات كتبها أرقاما قياسية.
الغريب أن فوضى تلك الاعلانات تتزايد انتشارا ويتزايد يوميا عدد الضحايا رغم أن القوانين الصحية ولائحة آداب مهنة الأطباء والصيادلة تجرمها. وهناك ثغرة لا بد من سدها تتمثل في أن معظم الإعلانات تبث عبر قنوات خاضعة لهيئة الاستثمار،ولا سلطان لوزارة الصحة عليها . والأمر الخطير ورد في تصريح للدكتور محمد سعودي، وكيل نقابة الصيادلة الأسبق قال فيه : ” في بعض الأحيان لا تقوم هيئة الاستثمار بمخاطبة تلك القنوات لحصولها على مقابل مالي للبث، لأنها يمكنها البث من أماكن أخرى في حال منعها من عرض إعلان أو محتوى معين “.
فمن يوقف هذا النصب العلني في ظل عجز الأجهزة الرسمية عن التصدي لتلك الظاهرة الخطيرة التي تنفرد بها بلدنا. مطلوب تحرك عاجل من وزارت الصحة والاستثمار والتعاون الدولي والهيئة الوطنية للإعلام.
Aboalaa_n@yahoo.com