توجهت الطفلة حنيفة زارا ( 7 سنوات ) إلى مركز الشرطة القريب من منزلها في مدينة أمبور بولاية تاميل نادو جنوب الهند، وسلمتهم خطابا مكتوبا بخط يدها تطالبهم فيه بالقبض على والدها بتهمة الغش ، بعد أن أخلف وعده معها لبناء دورة مياه داخل منزلهم ، موضحة أنها تشعر بالخجل من قضاء حاجتها خارج المنزل بالخلاء. وهنا يحضرني تساؤل : كم عدد الآباء المصريين الذين سيكونون موضع شكوى من أبنائهم بتهمة الغش لعدم الوفاء بوعودهم ؟!
أعتقد أن العدد سيتجاوز الملايين ، مما يضعنا أمام قضية تتعلق بالخلل الذي أصاب غالبية الأسر المصرية في تربية أبنائها، وهي قضية خطيرة تتعلق بمستقبل بلدنا وبأمنها القومي لأنها تخص بناء الأجيال التي ستتحمل المسئولية.
فكثير من الآباء يكثرون من وعودهم باللعب والهدايا والتنزه للأطفال الصغار خصوصا في حال غضبهم لمجرد إرضائهم ، ثم ينتهي الأمر بمجرد هدوئهم. وكثيرا ما يعد الوالدان الطفل بهدية في حال اجتهاده الدراسي ، ثم ينسون الأمر بمجرد حصوله على التفوق المطلوب ، بينما يظل الوعد محفورا في ذاكرة الطفل.
فعدم الوفاء بالوعد للأبناء يعتبر جريمة غش تهدد كيان الأسر واستقرار المجتمع ، بالاضافة إلى أنه خلق سئ يورثه الآباء للأبناء . وجاء في (موسوعة الفرقان ) :” الوفاء بالوعد أسلوب تربوي ودَيْن ، وقيمة إنسانية وأخلاقية تدعم الثقة بين أفراد الأسرة. ومن أخطر النتائج التي تترتب على عدم الوفاء بالوعد فقدان الطفل للثقة بأبويه جراء عدم التزامهما بالوعد المقطوع، وشعور الأطفال بالضياع وعدم الأمان”.
ومن أبرز مظاهر هذا الغش ظاهرة السلوك الإتكالي للأبناء التي تشكو منها ملايين الأسر ،والتي تبدأ بترك الأطباق التي يأكلون فيها في أماكن متفرقة من المسكن وترك بقايا الفاكهة على أسرة نومهم. وصولا إلى عدم قدرتهم على تحمل أي مسئولية أو اتخاذ أي قرار يخص حياتهم ، فالآباء والأمهات يتحملون مسئولية غرس هذا السلوك في نفوسهم من خلال تدليلهم الزائد منذ الصغر ، وتعويدهم على قضاء أبسط حاجياتهم ما يؤدي إلى إحساس الإبن أو الإبنة بضعف الثقة بالنفس وشعورهم بالعجز عن القيام بأي مهمة يمكن أن يكلف بها.
وتعددت مفاهيم السلوك الإتكالي، وأتفق مع المفهوم الذي ورد في دراسة نشرتها صحيفة الخليج الإماراتية :” الاتكالية هي الحالة التي يتوقع فيها الفرد المساعدة من الآخرين ويبحث لديهم عن الدعم العاطفي والمادي وكذلك الحماية والرعاية اليومية، فالشخص الاتكالي يعتمد على الآخرين بالتوجيه وفي اتخاذ القرار وفي الإعالة”.
وأشارت الدراسة إلى أن خطورة هذه الظاهرة لا تقتصر على الأسرة بل تمتد إلى الدولة ككل . فأحد أهم أسباب ضعف التنمية في العديد من بلدان العالم الثالث هو الإتكالية التي تولد الكسل في نفوس أبناء المجتمع وعدم إتقانهم العمل “.
وأتفق مع الباحث مسعود صبري الذي يرى أن من مظاهر غش الأبناء وعقوقهم الاهتمام بالمظهر دون الجوهر، فكثير من الآباء يعتقد بالخطأ، في أن دورهم محصور في توفير المسكن والملبس والطعام والشراب لأبنائهم، ويهملون إحتياجاتهم الروحية والأخلاقية والعاطفية والفكرية.
قد يصطدم الكثير من الآباء بمصطلح ” غش الأبناء” ولكنها الضروة التي تدفعنا لطرحها من أجل التصحيح ، مع التأكيد بأن كل الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء، وما أكثرها ، تعد غشا لهم وجريمة في حق المجتمع .