كانت الوحدة الوطنية على مر العصور هي حائط الصد الأول لمصر في وجه الكثير من مؤامرات الشر؛ لأن كل المصريين بألوانهم وأطيافهم وعقيدتهم وميولهم يعرفون أن مصيرهم مشترك، وعلى مر الأزمنة ظهرت مشاهد التلاحم والترابط والتعاطف بين المسلمين والمسحيين على أرض الكنانة، ومنها مشاركتهم في كافة المناسبات الدينية لكل منهما، كما وصلت أبهى صور التسامح الديني بينهما إلى قيام كل طرف بالتبرع لبناء دور عبادة للآخر.
هكذا مصر دائمًا يسودها جو المحبة ويعيش المسلمون جنبًا إلى جنب بجوار إخوتهم الأقباط في المنازل والأراضي الزراعية والعمل، وفي كل مناحي الحياة اليومية، ويشتركون معًا في السراء والضراء والفرح والكرب، وستظل مصر بلد الأمن والأمان ولا فرق بين مسلم ومسيحي، شركاء في وطن واحد بعيدًا عن التعصب الديني والمتطرفين من الجانبين.
وتتجلى مظاهر الوحدة والتآخي بين الأقباط والمسلمين في أبهى صورها دائمًا في الشدائد، ومنها الثورات والحروب فكثيرًا ما دقت أجراس الكنائس تضامنًا مع المساجد وجرت دماء مسلمة في عروق مسيحية وأيضًا في الأفراح والمناسبات، خاصة في المولد النبوي الشريف، وفي مولد السيدة العذراء وفي الأعياد يدخلون بيوت بعضهم البعض ويتبادلون التهنئة، وتلك الروح علمت أجيالًا بأن الدين لله والوطن للجميع، ولا ننسى القمص سرجيوس كان خطيبًا للثورة العرابية، وأول مسيحي يخطب فوق منبر الأزهر مناديًا بالوحدة الوطنية.
وأتذكر عندما كنت في مدينتي السنبلاوين بمحافظة الدقهلية لزيارة الأهل، وكان في فترة عدم الانضباط الأمني في الشارع أيام ثورة يناير الخراب وهجوم بعض إخوان الشر على عدد من الكنائس، وكانت المساجد تنادي في الميكروفونات على الشباب، وأهل السنبلاوين لحماية الكنيسة الوحيدة بحي البرجاس، وكان ذلك في الفجر، وكان يحرسها دائمًا الشباب المسلم والمسيحي معًا، بجانب الأمن كل ذلك فعله الإخوة المسلمون بدون مقابل، فقط لحماية إخوانهم الأقباط.
ولذا لابد أن نتنبه جميعًا قيادة وحكومة وشعبًا من خطر الفتنة الطائفية الذي يتربص بمصر ومن تجار الدين والمأجورين من الجانبين الذين لا يمثلون جوهر الإسلام، أو جوهر المسيحية؛ حيث هناك دائمًا مخططات قذرة تجرى الآن على قدم وساق تقودها قوى مخابراتية لها أذرع في الداخل لضرب الدولة الوطنية في مقتل وإشاعة الفوضى والاقتتال الديني والعرقي.