عندما أشاهد الدمار والأشلاء والدماء تنتشر منذ سنوات في أرجاء المنطقة العربية ، ولا نرى محاولات جادة لوقفها، بل بالعكس كل ما نراه محاولات للتأجيج والتقسيم الطائفي والعرقي والديني . والغريب أن تلك المحاولات كلها تنطلق من الداخل وسرعان ما يتم تغذيتها من خارج المنطقة . والأغرب أن وسائل الإعلام العربية بكافة صورها المسموع والمقروء والمرئي تبث التحركات غير العربية بشان القضايا العربية دون خجل، وتجلب من يسمونهم خبراء لتحليلها . وأحدثها خبر ” اجتماع رئيسا أركان الجيشين الأمريكي والروسي في فيينا لبحث الوضع في سوريا”. ومن قبلها يتم الاعلان عن عقد محادثات رباعية تضم إيران وتركيا وروسيا وأمريكا لبحث مصير سوريا. رغم أن القضية عربية فالاجتماعات لا يحضرها عرب حتى أصحاب القضية ( السوريين) ولا تعقد على أرض عربية .
والأشد غرابة ما تداولته وسائل الإعلام العربية من أخبار تفيد بأن لجنة روسية تقوم بإعداد دستور سوريا الجديد في غياب ممثلين حقيقيين لهذا البلد . ومما يثير الغضب أن يبث الإعلام العربي صورا لقيادات عسكرية إيرانية تشارك في إجتماعات حكومية رسمية عراقية ، وحضور السفير الإيراني وعسكريين إيرانيين اجتماعا لمحافظة سامراء العراقية، وصورا لمشاركة قيادات عسكرية روسية وإيرانية في إجتماعات حكومية رسمية سورية , وهناك فيديو شهير بمنع رئيس دولة عربية من دخول قاعدة عسكرية لدولة كبرى مقامة على أراضي بلاده وبموافقة من هذا الرئيس .
والأمثلة على التدخل الأجنبي في كل الشأن العربي كثيرة يضيق المجال لسردها . ومن المخجل أن وسائل الإعلام العربية تروج لمثل هذه التدخلات على أنها مساع حميدة لحل أزماتنا.
كثيرا ما أتوقف وأفكر بعمق وحسرة لماذا وصل الحال بقوم العرب إلى هذا الوضع المتردي؟!. وماهي الأسباب الحقيقية للأزمة الطاحنة التي نمر بها والتي تهدد بضياع الأرض والهوية ؟!. للوهلة الأولى سيتحدث البعض عن استهداف المنطقة بمؤامرات خارجية ، والرد بان المنطقة مستهدفة على مدى التاريخ ولكن كان هناك طوال فترة ما قبل 2011 حد أدنى من التماسك داخل كل دولة او بين الدول العربية وبعضها البعض .
وبالمتابعة الدقيقة وجدت اثنين من الأسباب الرئيسية ورد احدهما في دراسة للدكتور سليمان عبد المنعم الاستاذ في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية بعنوان (لماذا ينجح المسلمون غير العرب فيما فشل المسلمون العرب ) ويرجع سبب تخلف العرب الى عوامل ثقافية بعدماعقد مقارنة بين العرب وبين المسلمين غير العرب الذين تقدموا مثل ماليزيا واندونيسيا وخلص الى القول :” إن مأزقنا الحضاري من صنع ايدينا نحن ، ونتاج ثقافتنا نحن ، فهذه بضاعتنا ترد الينا في كل عصر وفي كل مكان ، عندما تتغير ثقافتنا يتغير كل شئ “.
أما السبب الثاني فيتمثل في إفتقار غالبية العرب في ادارة كل شئونهم إلى الحوكمة أي التصرفات الرشيدة . واستنتجت ذلك من مقالة للدكتور أحمد يوسف احمد مدير معهد البحوث والدراسات العربية فضح فيها ما اسماه “الإنفاق السفيه الفاسد” في احدي المنظمات العربية مما أوصلها إلى حد الإفلاس . وانصلحت الأحوال عندما تولي الأمر رجلا رشيدا ، فأوقف الأنشطة المظهرية ، ونفذ الأنشطة النافعة بعشر تكلفتها في السابق .