أجمع المؤرخون على أن مصر أعرق بلاد العالم وأقدمها تاريخا مدونا. تاريخ طويل يمتد لحوالي 7 الاف عام عاشت خلالها متغيرات كثيرة وكبيرة ، وتصدى شعبها لغزوات الطامعين من الفرس والإغريق والرومان والصليبيين والتتار والعثمانيين والاستعمارين الفرنسى والبريطاني، وتعرضت لمؤثرات أمريكية وروسية واسرائيلية. ورغم ذلك حافظت على هويتها ، وحافظ المصري على شخصيته . وأرى أن ابدع وصف للهوية المصرية جاء في كتاب (هوية مصر فى عالم متغير: رؤية استشرافية) والصادر عن كتاب الجمهورية عام 2001 من تأليف د. محمد نعمان جلال وجاء فيه :” هوية مصر هوية فاعلة ومنتجة ومتفاعلة ومنفتحة ومعتدلة ومرنة ومتسامحة وطيعة وعصية فى آن واحد, وهذا أحد أسرارها العميقة مثل عمق تطورها العلمى والتكنولوجى فى بناء الأهرام والتحنيط واكتشاف أسرار علوم الفلك”.
وهناك شعوب كثيرة قاومت العزاة ، ولكن ما يميز الشخصية المصرية كما ورد في الكتاب : “أنها استطاعت ان تحول الكثير من الغزاة لمواطنين كما فعلت مع الإغريق والرومان والبطالمة، وحولت الجنود المستجلبين من الخارج الى مؤمنين بوطنهم الجديد مدافعين عنه كالمماليك، ومع ذلك فان مصر فى تفاعلها مع الغزاة والطامعين أثرت فيهم وعلمتهم بعض التوجهات الحضارية. كما تفاعلت مصر مع الجوانب الإيجابية فى سلوك هؤلاء الغزاة”.
ورغم تعدد الابحاث والباحثين الذين كتبوا عن الشخصية المصرية . وتعدد جنسياتهم وأهوائهم . ستظل شخصية المصري صعبة القراءة. ولا يمكن لأي باحث مهما كانت قدرته أن يضع سمات محددة يمكن من خلالها التنبؤ بسلوكه الاني او المستقبلي. فلو اجتمع كل علماء النفس والاجتماع في لقاء مطول سيعجزون عن تفسير كيف تمكن المصري البسيط من بناء الاهرامات . وكيف تمكن الجندي المصري العادي أن يطور في صواريخ سام ارض جو الروسية . وكيف تمكن الجندي عبد العاطي بمفرده من تدمير أربعة عشر دبابة للعدو الاسرائيلي علي ارض سيناء في حرب اكتوبر المجيدة. ولا يمكنهم تفسير كيف حصل الجندي الأمي عبد الباسط علي المركز الاول في التصويب بالبندقية .
وأقرب التفاسير التي أقتنع بها تري أن الأداء العجيب والمثير للمصري يحدث فقط ودون سابق انذار عند التلاحم الحقيقي القائم علي الاقتناع بينه وبين قائده. ففي أوقات التلاحم حقق المصري بذكائه الفطري إنجازات غيرت وجه التاريخ قديما وحديثا.. أقاموا أول جامعة في التاريخ وهي جامعة أمون والتي يقول المؤرخون إن سيدنا موسي عليه السلام أحد طلابها وبنوا الاهرامات ذلك العمل الإعجازي في 20 عاما فقط . وهزموا المغول وقضوا علي حلمهم في السيطرة علي العالم . وهزموا الصليبيين وانهوا تواجدهم في الشرق . وبنوا نهضة اقتصادية كبري في عهد محمد علي واسرته وفي عهد عبد الناصر. والحقوا بالعدو الاسرائيلي اول هزيمة في اكتوبر 73.
فالشعب المصري معتاد على مواجهة التحديات وتجاوز كل الصعاب ، بل أنه يهون من كل صعب ويعبر عن ذلك بالمثل الشعبي ” يا ما دقت على الراس طبول” . وهذا يجعلنا مطمئنين بأن الشعب المصري سيتجاوز بالتلاحم مع قيادته كل التحديات المعاصرة.