تحدثنا في مقال سابق عن كيفية الحجر على عقول الأطفال ، وتشويه البيئة التي تنمو فيها عقولهم ، بالتهرب من الاجابة على أسئلتهم الحرجة بعبارة تتوارثها الأجيال ” عيب تسأل السؤال ده.. لما تكبر حتعرف “. وعندا يكبروا تتواصل عملية على الحجر على العقول من خلال العبارة المتوارثة ” لما الكبار يتكلموا الصغار يسكتوا”. وتتغير حلقات الكبار بتغير المراحل العمرية، فدائما هناك كبار يجب السكوت في حضورهم . ففي نطاق الأسرة الأب الأم والأخ الأكبر أو الأخت الكبرى ، وفي المدرسة يكون الكبير هو المعلم ، وفي الجامعة يكون الكبير هو الدكتور . وبعد التخرج والعمل يكون رئيسك هو الكبير الذي ينبغي ان تسكت عندما يتكلم ، ويسمح لك بالكلام فقط عندما تؤيد رأيه.أما إذا كان لك رأي آخر فاحتفظ به لنفسك وإلا تعرضت للعقاب.
وقد شخص الدكتور احمد زايد هذا الواقع في كتابه (خطاب الحياة اليومية في المحتمع المصري ) بقوله :” توجد بعض المؤثرات الاجتماعية والثقافية التي تحكم عملية التواصل اللغوي والتي تحدد من له الحق في الكلام ، ومن له الحق في التساؤل ، ومن يتحدث أكثر ومن يصغي أكثر . وهذه المؤثرات تتمثل في السن والنوع والطبقة والقوة والتعليم ، التي تتحول الى أدوات للقهر في الحديث. من ثم فالفرصة غير متاحة أمام الجميع للحديث بتلقائية”.
هذا الاسلوب المتوارث الخاطئ في التربية القائم على التسلط ينتشر بعدة اساليب ذكرتها الدكتورة فاطمة الزهراء محمد الشافعي في كتابها (ثقافة العيب في حياتنا اليومية ) ، وأولها التشجيع وضربت على ذلك مثل :” اب يشجع ابنه الصغير على ضرب اخته التي تكبره ببضع سنين قائلا له : جدع ياض .. اضربها كمان .. اديها فوق دمغها .. ربيها خليك راجل “.
وثانيها التحقير والأمثلة في الحياة اليومية كثيرة ، فعندما يحاول الابن لفت نظر والديه إلى خطأ ما في أقوالهم أو أفعالهم يكون رد الغالبية :” بقى انت يابن امبارح اللي مبتفهمش حاجة حتعلميني.. انت مهما كبرت حتفضل في نظري عيل صغير”. وكان رجل مسن في قريتي يرفض عندما يمرض أن يكشف عليه حفيده رغم أنه أصبح طبيبا مشهورا ويقول : ” يعمل دكتور عليكم انتوا انا لسه فاكر وهو كان بيعملها ( يتبول )على حجري وكأنها امبارح”.
وثالثها اسلوب التخويف وخاصة باستخدام الدين فعندما يرفض الابن او الابنة تنفيذ رغبات والديه التي تتعارض مع رغباته فيعنفوه قائلين :” انت بكدى تعصى والديك تعقهم ، وغضب الوالدين من غضب الله “. ورابعها اسلوب العنف الجسدي وفي هذه الحالة يكون الضرب هو الاسلوب الوحيد الذي يستخدمه الوالدين او المربي في التعامل مع الابناء او التلاميذ او صبيان الأسطى.
وفي الغالب تنتج هذه الطريقة في التربية شخصية معاقة فكريا وسلوكيا وعاجزة عن الإبداع حتى وإن كانت صحيحة بدنيا . متى ندرك أن لكل مرحلة عمرية طريقة تفكيرها التي يجب عن نعمل على تنميتها؟!، متى ندرك أن الصغير يكبر ويجب أن نعطي له مساحة للتحاور معه والاستفادة من أرائه ومقترحاته في كافة المجالات ؟!.