عُرفت “المظلومية” منذ القدم، كوسيلة للضغط النفسي على الآخرين، وإشراكهم في الشعور باضطهاد الآخرين، فقد استخدمها عبيد أثينا القديمة وفلاحو الرومان، كما كان لها حضور قوي في الأوساط الشيعية، منذ النشأة التاريخية لفرقهم المختلفة، فروّج لها الشيعة، جميعهم، وعُرِفت لديهم كذلك بالكربلائيات، نسبة إلى أرض كربلاء، التي شهدت، العام 61هـ، استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، على أيدي أتباع يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
ثم ما انفكّت جماعة الإخوان، في العصر الحديث، تستحضر ذلك المصطلح في أعقاب أيّة مواجهة لهم مع الدولة المصرية، فيأخذون في التباكي والنواح وإظهار مظلومية خادعة زائفة للترويج العاطفي معهم، وتعبئة الرأي العام باستغلال المشاعر،
ونقاط الضعف الموجودة في البلاد، سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً، لتكريس حالة من الشعور بالذنب والاضطهاد؛ لذلك فإنّ “المظلومية” عقدة شبيهة بعقدة الشعور بالاضطهاد، المعروفة في الطب النفسي باسم “البارانويا”؛ وهي حالة شعور مرضي بحت لا وجود لها في الحقيقة، لكنّ المُصاب بها يشعر بالاضطهاد على سبيل الوهم، حتى يتضخّم هذا الشعور بداخله تدريجياً، فيحسّ بأنه مضطهَد لمجرد الاضطهاد!
الفعل تمت التغطية على هذه النشاطات والممارسات بعناوين الاعتصام وتم التترس بالمدنيين الذين خدعوا بالعاطفة الدينية وكان الاعتصام ساحة لتأسيس خلايا عنف سرية جديدة تربط نشاط الاخوان العسكري بمختلف الجهاديين والتكفيريين على الساحة، وظهر من طبيعة العمليات وتوقيتاتها وتوزيعها الجغرافي واسناد مناطق معينة لخلايا الإخوان وأخرى للجهاديين بالصعيد وثالثة للجهاديين بسيناء أن هناك تنسيقا ما يجري في الكواليس وتوزيع أدوار بين الاخوان وحلفائهم.. وكانت الاعتصامات هي بداية الانطلاقة والساحة التي جرى فيها رسم الخطط وملامح المرحلة الجديدة”.
ولا يجب إغفال المواجهة الإعلامية معهم، ومع المنصات والأبواق التي تغذيها بعض الدول، وتفنيد خطاباتهم ومظلوميتهم بالتحليل والنقد لكشف الزيف والكذب اللذين يلتحفون بهما لتبرير أفعالهم، ثم التباكي على قتلاهم، ونعتهم بالشهداء، رغم أنّهم يرفعون السلاح في وجه الدولة، ويستهدفون أمنها واستقرارها، لا لشيء سوى للوصول إلى السلطة.
لا يهدف مستخدم مصطلح المظلومية بالنهاية لرفع الظلم عن الفئة التي تعرضت للظلم , وإنما لاستخدام هذا الظلم لتحقيق أهداف أخرى أهمها السلطة, بل أحيانا يرى بأن من مصلحته تعميق هذا الظلم وزيادته حتى يبرر أكثر اسئثاره بالسلطة عن طريق رفع راية المظلومية , فمستخدم هذا الشعار يعمل على ابتزاز الآخرين لتحقيق مصالحه السياسية .
تحولت فلسفة المظلومية الى أداة سياسية ومبررا لغاية دينية سلطوية, عنصر ابتزاز التعاطف في ادعاء المظلومية كبير , واستدرار العطف الغريزي تحول بفعل التطور الى اجتماعي معنوي سياسي والى استهلاك المظلومية في المشروع السلطوي , ليس للمظلومية بحد ذاتها قيمة كبيرة , القيمة الأكبر هي للتوظيف في صراعات السلطة ,
والقيمة الكبرى تكمن في التمكن من صناعة حاضن شعبي للمظلومية , فقناعة الناس بمظلومية العلويين مهمة جدا لدفع العلوي الى ممارسة القتل , وقناعة الناس بمظلومية السنة أيضا مهم لدفع السني لممارسة القتل , وماذا يحل بالوطن عند نجاح الجميع في تقتيل بعضهم البعض ؟, وما سيحل بوطن يحتضن تلك المشاجرة الدموية ؟؟؟طبعا مصير الوطن هو الاندثار , اذ لاوجود لوطن دون مواطنين أحياء , والا تحولت البلاد الى وطن الأموات .
وبصفة عامة لا يمكننا أن نحصر التطرف في الأنشطة المسلحة؛ حيث إن له جانبًا فكريًّا نشطًا يستقطب الأفراد ويزرع فكرة التمرد في عقولهم من زوايا سياسية أو دينية، قبل أن يُطالبهم بتحويل هذه الفكرة إلى واقع ملموس ذي أثر ضار علي النظام السياسي القائم. ولو تدخل المجتمع في الوقت المناسب من خلال برامج تأهيلية تهدف إلى تمدين العنصر المتطرف أو الحامل لفكرة متطرفة لتمكن من دحر التطرف في بداياته وبمجهود أقل من ذلك الذي يُبذل لاحقًا لوقف عدوى انتشاره بين أفراد المجتمع.
واختارت الامة وتعيشت بها وعليها.. وعلى العكس من ذلك فالشعوب التي تسامحت وتجاوزت ماضي القرون هي التي حققت التقدم والبناء والعطاء والنماء واستطاعت ان تأخذ مكانتها المتقدمة في الحاضر، ولعل اليابان مثالاً واحدا من امثلة كثيرة نتذكر منها جنوب افريقيا نموذجا ومثالا لتجاوز الماضي والذي مازال البعض يحاول توسله اسلوبا واستخدامه وسيلة لتقويض الحاضر وهدم اركانه.. فلمصلحة من يحدث ذلك..
هذا هو السؤال الذي ينبغي ان نفكك علامات استفهامه الكبيرة والخطيرة والمراوغة بنا حتى لا نترك فرصة او مساحة لان تمكر بنا جماعات في لحظة توهم نخسر بعدها كل شيء لنكتشف المكر متأخرين، حيث لا ينفع الكشف آنذاك، فاللعبة كما يبدو أكبر من اللاعبين.. فهل ينتبهون لذلك؟؟ لعله احد الاسئلة المعلقة والمتعلقة بثقافة ماضوية اسمها المظلومية.
وكان الاعتصام ساحة لتأسيس خلايا عنف سرية جديدة تربط نشاط الاخوان العسكري بمختلف الجهاديين والتكفيريين على الساحة، وظهر من طبيعة العمليات وتوقيتاتها وتوزيعها الجغرافي واسناد مناطق معينة لخلايا الإخوان وأخرى للجهاديين بالصعيد وثالثة للجهاديين بسيناء أن هناك تنسيقا ما يجري في الكواليس وتوزيع أدوار بين الاخوان وحلفائهم.. وكانت الاعتصامات هي بداية الانطلاقة والساحة التي جرى فيها رسم الخطط وملامح المرحلة الجديدة”.
ليس كذلك فقط بل إنه وبحسب الوردي وهو أحد أكبر علماء الاجتماع في العالم عبر التاريخ.. التأكيد على أن لا أحد قام باللطم وتعذيب الجسد في الديانات منذ بدء التاريخ وحتى الآن إلا فئة مسيحية قليلة كانت تعيش في أوروبا الشرقية تتذكر أحزانها باللطم وإيلام الجسد بإحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك ونقل منها وزير صفوي هذه العادة في القرن السادس عشر.. مما يؤكد على أنها دخيلة وليس لها أي أساس. أغاية الطلب ومبتغى الدعوة الوقوف أمام الناس والقول بأننا تجاوزنا المحنة وانتصرنا على الجلاد ببقاء الدعوة، وبأن المشانق التي علق عليها خيرة أبنائنا، والسجون التي فنيت في زنازينها أعمارنا، ووسائل التعذيب الظاهر أثرها في أجسادنا، لم تفلح جميعها في شطبنا من الوجود على الساحة؟ الإخوان نجحت في التخطيط، وفى التوثيق، وفى صناعة الحدث، ولا تزال تواصل خطتها جيداً، وتستغل فض اعتصام رابعة، ليس في الضغط على النظام، بل في قهرنا نحن بالكامل، وإشعارنا أننا سكتنا على دم، وصمتنا على مذبحة، وظللنا فقط في حالة دفاع أمام هجوم متواصل، ولم نأخذ يومًا المبادرة، أو على الأقل فقط، أن نأخذ من أفواههم ما كتبوه، وما قالوه عن تلك المظلومية الطى صنعوها
جب على صاحب الحق ألا يتأخر بالرد على أصحاب الباطل، فكلمة الحق عند قوي الحجة لا تحتاج إلى جهد لإخراجها، فهي تجري على شفته كجريان المياه في الأنهار، فأشعة الحقيقة في طبيعتها واضحة وضوحا جليّا، تحتاج فقط إلى صياغة، ولا تحتاج إلى إقناع، فطبيعة البشر تميل دائماً وتنجذب إلى شعاع الحق، وتتجه فطرياً إلى نافذة الحقيقة، وعلى الرغم من ندرة أصحاب الحجة القوية، مقارنة بأصحاب المهاترات والتزييف والتلفيق، الذين يغص بهم المجتمع، فإن صوت أولئك الأقلية يدحض جميع المزاعم الباطلة وإرهاصاتهم الغريبة.
لقد وظفت منظمات الأخويات، الماسونية وغيرها، إمكانات واستثمارات باهظة على وسائل وأساليب صناعة الإقناع، في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لزرع الوهم بأذهان الجماهير المُستهدفة حتى تتم برمجتهم، والتحكم في عقولهم والسيطرة عليها، بالاعتماد على البرامج الحوارية، والمؤثرات العقلية، والمغريات المرئية، التي تسحر الأعين والآذان، وفي لحظات الانبهار يمكن تمرير أي شبهة وفكرة، بل وترسيخها في مخ الجمهور كحقيقة مسلمة، فعالم الشُبهات الذي يصنعه مثل هؤلاء الفئام،
يستحقون إلى دمغ وقمع وحزم في الزّجر وجزم في الحجر؛ بالحُجة الواضحة البينة. إن حرص منظمات الأخويات عبر مؤسساتها الإعلامية، وغرف منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعمهم، على تشجيع حرية الرأي وممارسة الديموقراطية ليس بهدف التنوير وإثراء الفكر، وإنما لكي تعزز ثقافة الخلافات، والتذمر بحصار كلامي مغرض بين متحاورين، لصناعة الإقناع، بمصادر مشبوهة، وتبقى المسألة مجرد أصوات فارغة، تتصارع لفرض الرأي فقط، وسندهم في ذلك باطل وزيف، ليخدعوا الجمهور بشيء غير مقتنعين به هم شخصياً.
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان