منذ سنوات طويلة فوجئنا بآخر شقة خالية فى عمارتنا يسكنها عروس وعروسة كانا محط أنظار جميع السكان بل والشارع كله نظرا لجمالهما الفائق. كان العريس طول بعرض أشقر الوجه أصفر الشعر حلو اللسان، وكذلك عروسه ملكة جمال من نوع خاص، كنا نلمحها فى أحيان كثيرة تضع إيشاربا على شعرها فلم يزدها الإيشارب إلا جمالاً وكان يبدو على العروسين أن الحب يرفرف على عشهما السعيد. لم نتمكن وقتها من معرفة جنسيتهما ولا اسميهما لكننا خمنا بأنهما بالتأكيد من الأجانب فأطلقنا عليهما الأمريكانى الجميل والفارسية الحسناء. بعد حوالى شهرين فوجئنا بالعروسين ينتقلان للإقامة فى حى آخر بعيد عنا وقد فهمنا من سمسار المكان فى ذلك الوقت أنهما كانا قد استأجرا شقة فى عمارتنا مفروشة لحين الانتهاء من توضيب شقتهما التمليك فى المكان الجديد ورويدا رويدا انقطعت أخبار العروسين الجميلين عن حارتنا. منذ أيام وبينما كنت أهم بمغادرة الأتوبيس فى محطة العتبة بوسط البلد كان يسبقنى على الباب نفس الشخص. انتظرت حتى هبط من الأتوبيس ثم تبعته وناديته بصوت مرتفع: يا أمريكانى؟ فتوقف الرجل ويبدو أنه لم يتذكرنى ولكنه لم يشأ أن يحرجنى فتظاهر بمعرفتى ومد يده مصافحا بسلام شديد مما شجعنى على أن أسأله عن حاله ففوجئت به يقول: على خير حال بس إيران تعبانى شوية!، ظننت أننى لم أسمعه جيدا فقلت له: تقصد مدام رانيا ليه خير سلامتها فضحك قائلا: لا مش رانيا اسمها إيران فقلت مندهشا: يعنى فعلا حضرتك امريكانى والمدام إيرانية؟ فقال: أبداً إحنا الاتنين مصريين أبا عن جد حتى إسمى زكى ومراتى إسمها زكية ولا أنا عمرى سافرت أمريكا ولا زكية تعرف بلاد فارس دى فين. ثم أوضح مقصد كلامه فقال شارحاً: أصل يا سيدى العمارة إللى رحنا سكنا فيها عملوا زيكم واعتقدوا إننا أجانب وبصراحة سيبناهم على عماهم. ومخبيش عليك العلاقة بينى وبين مراتى عاملة كده زى العلاقة بين أمريكا وإيران، توتر دائم وتلاسن وتلقيح كلام وطبعا صوتنا كل شوية بيعلى والجيران عارفين كل أسرارنا وكل ما نتخانق أقولها لو ماسكتيش حاضربك علقة تحلفى بيها لكن سليطة اللسان كانت بتقولى لو راجل اعملها وشوف إيه إللى حايجرالك!.
طلبت من الرجل أن يشرفنى فى مكتبى لتناول القهوة وسماع بقية القصة العجيبة ويبدو أنه رآها فرصة جدية للفضفضة فطلب منى أن أسبقه للجريدة مؤكداً أنه سينتهى من مشواره فى العتبة خلال ساعتين ليحضر بعدها إلى مكتبى لو كان الموعد مناسباً. رحبت به وقبل أن ينتهى زميلى فى قسم الخدمات المعاونة بالأخبار ناصر الجندى من إعداد فنجان القهوة كان الرجل يكمل حكايته قائلا: ما خبيش عليك من ساعة ما عرفتها مشفناش مع بعض يوم حلو رغم أن الناس كانت شايف غير كده فقلت له: طب متأخذنيش يعنى مانفصلتوش ليه وكان كل واحد شاف طريقه بعيدا عن التانى فقال: زى ما تقول كده القط بيحب خناقه وبعدين بينى وبينك زكية نفعتنى لإنى باخوف بيها بقية السكان ولو مانفذوش طلباتى أهددهم بأنى أطلقها عليهم تنهشهم فى ثوانى. فسألته: وانت إيه طلباتك منهم ولامؤاخذة يعنى؟ فقال: أقل ما فيها محسوبك مقضيها بلطجة ما بيدفعش الصيانة الشهرية ولا فواتير الغاز ولا الكهرباء ولا الحراسة وباخليهم هم إللى يدفعوا. فى هذه اللحظة رن موبايل زكى فطلب منى ورقة وقلم وراح يكتب طلبات كان من الواضح أن زكية تطلبها منه ثم قال لها: من عينى يا حياتى مسافة السكة ثم أغلق الخط وبرطم قائلا: حتفضلى مقرفة طول عمرك. ثم فوجئت به ينظر لى شذراً طالبا مائتى جنيه لزوم شراء طلبات زكيه! ففعلت ثم قال وهو يغاردنى: استنانى حاجيلك كل يوم!. لم أنطق من هول المفاجأة ثم فوجئت بزميلى ناصر الجندى يدخل المكتب يسألنى هو لامؤاخذة الأستاذ إللى كان عند حضرتك من شوية باعلك بضاعة بايظة ولا إيه؟ قلت: ليه بتقول كده؟ فقال: أصلى سمعته طالع من مكتبك وهو سعيد جدا وبيحط فلوس فى جيبه وبيقول: باينه زبون سقع!