فجأة تحول المطبلون والمنافقون الي معارضين..مدمنو الصوت الواحد أصبحوا أشاوسا يقارعون الحكومة بعد أن دبجوا في عشقها القصائد ملتمسين لها الاف الاعذار وألقوا باللائمة علي الشعب ناكر الجميل ..
لايمكن أن يقتنع المصريون أصحاب الذكاء الفطري بتغيير بوصلة المصفقين بين عشية وضحاها ..خصوصا وأنهم أصبحوا مثل عانس فاتها قطار الزواج وتقف في نافذتها ترمي بشباكها حول شاب يافع يسكن امامها ولاتلاحظ لضعف نظرها أنه متيم بحب جارتهما الحسناء الشابة ..
من ثم فمن يعارض بالامر ويؤيد بنفس الاسلوب لن تكون له مصداقية..التغيير الذي يحس الجميع به الان سببه الوحيد الشعب…نجح في ايصال صوته للدولة بأدب ..بعد أن هونت السلطات من مقالات الصحفيين الناصحة والمحذرة.. ووصل المسئولون الي قناعة أن المصريين يرفلون في النعيم ولكنهم فراعنة لايحمدون ربهم أنهم ليسوا كليبيا وسوريا والعراق..
أثبت الشعب أنه أقوي من الجميع..تفوق بهدوء علي الاعلام والاقلام والكتائب الالكترونية ..هدير مهذب ايقظ النائمين في كهف الخيال..
فاز المصريون في مباراة الاستقرار ..لم يستجيبوا لدعاوي مغرضة من قنوات وتنظيمات مشبوهة تحرض علي الفوضي والخراب..وطبيعي أن أي فائز ينتظر مكافات ..وأبدا لن تكون بزيادة المقررات التموينية وخفض اسعار البنزين ..ماينتظرونه قرارات اقتصادية وشفافية ومصداقية وحرية رأي وتعبير..ننتظر رئة نتنفس منها ..هدنة لالتقاط الانفاس..انتخابات برلمانية تأتي بالمعارض قبل المؤيد مع استبعاد الاخوان..
الحكومة مطالبة بباب مفتوح علي الشعب تسمع أناته وأوجاعه وتلامس أوتار عذابه..والبرلمان يحتاج نافذة جديدة يشم منها اتجاه الرأي العام فلا يخالفه أو يستفزه أويتجاهله..
أحكى لكم عن تجربة شخصية.. مثلت أمام جهات تحقيق إخوانية وفوجئت بعد أن سقطت دعاوى التربح واستغلال النفوذ والكسب غير المشروع أن هناك تهمة عجيبة وهى تضليل الرأى العام.. نظرت للمحقق متسائلا.. ولأنه كان شابا صغيرا يبدو أنهم أرسلوا التهمة إليه فى مظروف، لم يستطع أن يشرحها لى..
قلت : هل تقصد أن الصحف القومية ضللت الناس فى حكم مبارك وجملته وسوقته بما ليس فيه.. وكمن انشرح صدره بعد حيرة.. تهلل قائلا بالضبط! أجبته يا سيدى لا يمكن لإعلام أو صحافة الصوت الواحد أن يلعبا بالبيضة والحجر وتغير قناعات الناس وتخدعهم بأنهم يعيشون فى يوتيوبيا.. كل ما فعلناه أننا سوقنا ما كنا مقتنعين أنه صواب (لم تكن نتائج يناير قد ظهرت بعد).. قال ما دليلك! فورا أجبته إعلام الصوت الواحد لم ينقذ عبدالناصر العظيم من نكسة يونيو، ولم يفلح فى أن يجنب هتلر الهزيمة البشعة من قوات التحالف رغم أنه استعان بجوبلز أول من أسس لفكرة «تجهيل الشعب لصالح النظام».. أكدت له أن قناعة الكاتب ليس بالضرورة أن تكون قناعة الشعب.. ربما يكون مصيبا أو مخطئا.. لكن الشعوب لا تخطئ وإلا لما اندلعت أحداث يناير.. نحن قلنا ما آمنا به ولن نعرف الحقيقة الآن، لكن الشعب كان له رأى آخر.. وهكذا تم صرفى من سراى النيابة لعدم ثبوت تهمة التضليل الإعلامى
لقد اندهشت من التجريدة التى شنتها بعض مؤسسات الدولة والصحفيون المحسوبون عليها ضد سياسيين وصحفيين وإعلاميين ونقابيين بدعوى أنهم يسبحون ضد التيار.. المصطلح نفسه خطأ.. لا يستطيع أحد مهما كانت براعته فى السباحة أن يتحدى الموج.. عفوا أرجو أن تقرأوا رواية جورج أورويل الكاتب الأيرلندى الساخر «1984» التى جسد فيها مشكلات نظام لا يرى إلا نفسه مصيبا ووحده صاحب الحق ودونه الناس أجمعين..
ولديفيد هيرست الكاتب البريطانى مقولة عن الإعلام الصحيح بأنه أشبه ببوفيه مفتوح تختار منه ما تحب أن تأكله.. لكن لا مانع من تذوق صنفين أو ثلاثة من باب العلم بالشىء أو ربما تتوقف أمام صنف يسترعى اهتمامك ولا تتذوقه.. فى كل الأحوال استمتع بالمائدة واختر ما يناسبك..
لقد مضى عصر الزعيم الملهم والمؤمن والذى يصلى خلفه سيدنا رسول الله، والمفروض أننا دخلنا عصر الرئيس الديمقراطى لأنه الوحيد الذى جاء بعد ثورتين.. تعجبنى قناعة الرئيس السيسى أن ما يفعله هو الصواب.. ولا يعجبنى أنه لا يريد أن يرى فعلا آخر أو طريقا آخر.. لقد مضى زمن تأميم الإعلام.. حتى روسيا التى تربت على وكالة أنباء تاس وصحف أزفستيا وبرافدا تغيرت..
إن القرار السياسى حق أصيل للرئيس.. لكن هذا القرار مفروض أن يجىء بعد دراسة كافة الجوانب.. ليس من الحكومة المصفقة فقط.. ولكن لابد أن يكون له مجلس سياسات معارض يستمع إليه ثم يأخذ القرار وهو مطمئن….
إننى أنتظر من الرئيس السيسى اهتماما أكبر بالأصوات المعارضة.. المصفقون الدائمون يساهمون فى إقناع النظام بأن الحياة حلوة.. إن ما تقاسى منه مصر فى الفترة الراهنة ليس هو ارتفاع الأسعار فى السلع والخدمات والعلاج والتعليم- وإن كان يمثل عاملا هاما- ولكنه إحساس المصريين أن هناك فجوة بين مؤسسات الدولة وبينهم.. هناك «فراغ عاطفى» بين الحاكم والمحكومين.. وهى فجوة لا يتم تجاوزها بالتصريحات أو البكاء أو المبالغات اللفظية..
..
احترام أحكام القضاء وتوقير الدستور يعطى النظام «حصانة مجانية» تتيح له التصرف بحرية حركة دون الدخول إلى متاهات ومآزق وأزمات.. على النظام أن يوجه كتائبه الإلكترونية ومريديه وأصواته «المراهقة» فى الفضائيات والصحف إلى التوقف عن وعظ الشعب بأنه سبب البلاء والكرب والفساد وأن الحكومة طاهرة شريفة عفيفة لكن الله ابتلاها بشعب جاحد
.