يحتل الدستور وضعاً سامياً فى البناء القانوني للدولة ،حيث يتم تحديد شكل النظام السياسي ورسم معالمه ، فهو يعد المرجع الذى يحتكم إليه الجميع فى حالة نشوء نزاع أو خلاف, بحيث لا يمكن لآي سلطة مهما كان لها من نفوذ ان تتجاوز منطوق وروح الوثيقة الدستورية وما تسعى اليه من تحديد لمجال تدخل السلطات وضمان الحقوق والحريات.
ونتيجة لهذا الدور الهام للدستور، فقد أضحت العدالة الدستورية تمثل محور الارتكاز لدولة الحق والقانون ،وحيث إن المناط الأساسي للتشريع وغايته المثلى هو تنظيم العلاقات الاجتماعية واقرار الحقوق والحريات سواء الفردية أو الجماعية ، فإن القضاء الدستوري أنيط به حماية مصالح المواطنين من خلال تنقية المنظومة القانونية من كل خلل دستوري وذلك من خلال الرقابة السابقة على صدور القوانين، حيث تعرض القوانين عليه قبل صدورها، ومن خلال الرقابة اللاحقة والتي تتمثل باحكامه بعدم دستورية القوانين , فالقانون الذى يخالف الدستور تتصف أحكامه بعدم الإنصاف والعدالة .
فالحقوق والحريات لا وجود لها إلا فى دولة القانون ، فدولة القانون هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها وأياً كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لاعمالها وتصرفاتها فى اشكالها المختلفة ، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد ولكن تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، وتتحدد ضمانات خضوع الدولة للقانون فى استقلال القضاء وحصانته , وتأكيد حق التقاضي للأفراد ، حيث يكفل الدستور للأفراد حقهم فى الدفاع عن حقوقهم بكل الطرق المشروعة ، وضمان تنفيذ الأحكام القضائية.
و يتمثل مبدأ الفصل بين السلطات فى أن تكون لكل سلطة من سلطات الدولة اختصاصاتها وحدودها بالتوازن بينها لتتبادل الرقابة فيما بينها وفقاً لما يرسمه الدستور وبما يسمح لكل سلطة بأن توقف طغيان السلطة الأخرى لاجل الصالح العام .
وقد تضمن دستور البحرين المعدل 2002 النص على مبدأ الفصل بين السلطات وإن كان أقرب الى الفصل المرن الذى تمارسه الديموقراطيات الأخرى ، ويقوم على أساس الفصل والتعاون واحداث نوع من التوازن بين السلطات, فقد أناط الدستور السلطة التنفيذية بجلالة الملك المفدى ومجلس الوزراء ، والسلطة التشريعية يمارسها الملك والمجلس الوطني، وقد أخذ الدستور ايضاً بمبدأ التوازن والتعاون ومشاركة الشعب فى الشأن التشريعي من خلال ما يتم طرحة من قوانين للاستفتاء من قبل جلالة الملك. وصلاحيات الملك فى الشأن التشريعي لم يقصد بها التقييد أو التدخل بل تحديث سلطات الدولة تمهيداً لحياة برلمانية قائمة على وجود مجلسين لسلطة التشريع وفصل مرن للسلطات وشراكة مجتمعية على اعتبار أن الشعب مصدر السلطات وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى فقرة/د, كما نصت الفقرة/ه على كفالة حق المواطنين رجال ونساء فى المشاركة فى الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشح ولا يجوز حرمان أحد المواطنين من هذا الحق الا وفقاً للقانون. كما تضمنت المادة 18 النص على مساواة المواطنين فى الحقوق والواجبات وعدم التمييز بينهم لآى اعتبار، وكفلت الفقرة (أ) من المادة المذكورة الحرية الشخصية وفقا للقانون ، أما حرية التعبير والرأي والإجتماع بما فيها تكوين الجمعيات وما الى ذلك فقد أقرتها المواد (22 وما بعدها), كما قررت المواد الأخرى(19, 20 وما بعدهما) ضمانات التقاضى والحقوق القانونية بما يكفل تحقيق العدل والإنصاف.
وهذه المبادىء الدستورية التى ترسخت فى مواد الدستور البحرينى إنما تشكل فى مجملها مظلة للحماية الدستورية لهذه الحقوق سواء انتهاكاً أو تجاوزاً, وذلك على مستوى التشريع حيث تنقي المحكمة الدستورية القوانين من تجاوزات مشروعات القوانين لتلك المبادىء، كما أن القضاء الدستوري يشكل حماية لاحقه برد القوانين والأحكام المخالفة لتلك المبادىء التى تكفل حماية هذه الحقوق.
نائب رئيس جمعية المحامين البحرينية