بقلم / نضال أبو زكي .. مدير عام مجموعة أورينت بلانيت
يؤمّن النظام الضريبي الجديد لحكومات منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، مصدراً جديداً للدخل في إطار رؤية استراتيجية جديدة للإدارة المالية، تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، وتوفير إيرادات مستدامة تسمح للدول الخليجية بالاستمرار في الحفاظ على مكانتها الاقتصادية وجودة بيئة الحياة والأعمال والاستثمار فيها. وأقرت دول مجلس التعاون الخليجي الست، الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة، والتي أنهت فعلياً البيئة الخالية من الضرائب في المنطقة.
وتعد ضريبة القيمة المضافة ضريبة غير مباشرة تفرضها الأغلبية العظمى من دول العالم على معظم توريدات السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها، وهي واحدة من أكثر ضرائب الاستهلاك شيوعاً حول العالم، وتطبّق في أكثر من 160 دولة.
وتعتبر الإمارات والسعودية أول دولتين خليجيتين تقومان بتطبيق هذه الضريبة منذ يناير 2018، تلتهما البحرين التي طبقت النظام الضريبي الجديد مع بداية العام 2019. وتم تطبيق هذا النظام بشكل عام على نحو سلس في المنطقة، فيما عدا ظهور بعض التحديات الطبيعية، وبروز عدد من المخاوف التي ما زالت تعالج حتى اليوم.
وبعد مضي نحو عامين على تطبيق ضريبة القيمة المضافة في الإمارات والسعودية، ما يزال يتعين على بعض الشركات فهم التطبيق الصحيح والتام للضريبة؛ الأمر الذي انعكس في العديد من أخطاء الامتثال لقانون الضريبة، وانطوى على تطبيقها نتائج مختلطة، حيث إن العديد من المؤسسات لم تسجل فيها في الوقت المحدد، أو لم يتم إعدادها بالشكل الصحيح. وكان لذلك تأثير مضاعف على أولئك الذين أبدوا استعداداً مسبقاً، حيث تم تكليفهم بمسؤولية توعية وتثقيف مورِّديهم وعملائهم غير المستعدين بشأن كيفية تنفيذ إطار مناسب للضريبة. فبدلاً من فرض العقوبات بشكل فوري على الشركات التي وقعت في أخطاء أثناء تقديم السجلات الضريبة، ركزت الهيئات الضريبية على رفع مستوى الوعي حول الالتزام الصحيح بقانون ضريبة القيمة المضافة.
ويبدو على نحو واضح أن القطاع الخاص ما يزال بحاجة إلى مساعدة في ما يتعلق بالامتثال الصحيح للأنظمة الضريبية المختلفة، حيث يستلزم ذلك الاستثمار في حلول الامتثال المؤتمتة لقوانين ضريبة القيمة المضافة، وزيادة قدرات ومعارف مؤسسات القطاع الخاص حينما يتعلق الأمر بدمج النظام الضريبي في عملياتها وإجراءاتها.
وعلاوة على ذلك، يتوجب على الشركات التعاون مع خبراء الضريبة والمالية لتقديم المساعدة لها في الوقت المناسب، وإعداد عوائدها الخاصة بضريبة القيمة المضافة بالشكل الصحيح.
وسعت دولة الإمارات قبل تطبيق ضريبة القيمة المضافة، إلى عملية تسجيل الراغبين في العمل كوكلاء ضريبيين معتمدين في الهيئة الاتحادية للضرائب، أو المهتمين بتقديم برمجيات محاسبة ضريبية. وشهد مؤخراً عدد الوكلاء المعتمدين نمواً مطرداً بما يتواكب مع التوسع المستمر في قاعدة المتعاملين بالنظام الضريبي، والذي يوفر فرصة أكبر للاختيار أمام الخاضعين للضريبة الراغبين في التعامل مع الهيئة من خلال وكلاء ضريبيين، مما يسهم في زيادة معدلات الامتثال الضريبي بتقديم الدعم الاستشاري والتمثيلي للمنشآت الاقتصادية وغيرها، للقيام بواجباتها والتزاماتها الرئيسية تجاه الهيئة.
وفرضت مملكة البحرين ضريبة القيمة المضافة بنفس النسبة التي تم فرضها في السعودية والإمارات طبقاً للاتفاق الذي وقعته دول مجلس التعاون الخليجي بهذا الشأن، ولكن قد يكون تأثيره مختلفاً في مملكة البحرين؛ نظراً لقيامها بإعفاءات وفرض الضريبة الصفرية على قائمة مختلفة من السلع والخدمات، مثل بيع وتأجير العقارات داخل المملكة.
وحصلت البحرين على المركز الأول في العالم من حيث وقت الامتثال الضريبي العام الماضي، بحسب تقرير البنك الدولي الذي شدد على أن البحرين هي صاحبة أفضل أداء عالمي في ما يتعلق بوقت الامتثال الضريبي، في إطار ما اعتمدته من خطة الإصلاحات الطموحة، كما حققت أهم تحسينات في مجال إنفاذ العقود؛ إذ وسع المجلس الأعلى للقضاء ولاية الأقسام التجارية لتشمل جميع القضايا التجارية، إضافة إلى وضع الأساس القانوني للإخطارات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل القصيرة. ويمكن الآن تقديم الشكاوى إلى المحكمة العليا إلكترونياً.
وفي ما يتعلق بالتأثير التضخمي المرتبط بفرض هذه الضريبة، أشار تقرير صادر عن نشرة «بي دبليو سي» الاقتصادية للشرق الأوسط، إلى أن آثار التضخم الناجمة عن فرض ضريبة القيمة المضافة في السعودية والإمارات قد تم احتواؤها إلى حد كبير.
وقد تجاوزت الإيرادات المتأتية من ضريبة القيمة المضافة، سقف التوقعات وفقاً للبيانات الصادرة بهذا الشأن.
وبحسب البيانات المالية الأولية للسعودية والتي صدرت خلال شهر ديسمبر 2018، بلغت إيرادات ضريبة القيمة المضافة عام 2018 نحو 12.2 مليار دولار، وهو ما فاق التوقعات الأولية للحكومة، والتي أسهمت في الناتج الإجمالي المحلي للمملكة بنسبة 1.6%. وفي الإمارات، بلغ إجمالي المبلغ الذي تم جمعه في نفس الفترة 27 مليار درهم، وهو أعلى من الهدف الحكومي البالغ 12 مليار درهم، ويفوق أيضاً هدفها لعام 2019 البالغ 20 مليار درهم. ومن المتوقع أن تشهد هذه الأرقام تحسناً عام 2019، مع توقعات الدولتين بارتفاع مستوى الوعي بأحكام وقوانين القيمة المضافة، ما سيساعد على سد الثغرات وتعزيز الامتثال لقوانين ضريبة القيمة المضافة.
وما تزال حملات التوعية المكثفة مستمرة لتثقيف المستهلكين والشركات حول ضريبة القيمة المضافة، وفهم مبادئ ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية وكيفية تطبيقهما والإعداد للامتثال للقوانين الخاصة بكل منهما. كما تساعد الندوات وورش العمل الشركات على أن تكون أكثر ثقة عند القيام بالإصلاحات الضرورية في مؤسساتها، حيث تمكن هذه المبادرات الشركات من الحفاظ على النمو في ظل نظام ضريبة القيمة المضافة الجديد نسبياً.