“دعيت يوماً لزيارة بعض العائلات فرأيت طفلة تبلغ الخامسة من عمرها مطروحة بين أيدى والديها والدم ينزف من إحدى ساقيها ، وعلمت أن الابنة كانت تلعب بمقص فجرح ساقها ، فأسفت جداً لوقوعها في هذا المصاب وجهل والديها بالوسائط الصحية الصغيرة التي لو كانا يعرفانها لأنقذاها من الخطر “. تصدرت تلك العبارة الانسانية كتاب ( المطالب الطبية ) للدكتور إبراهيم منصور الصادر في القاهرة عام 1900. وواصل الطبيب الإنسان حديثه في مقدمة كتابه القيم قائلا :” ومن ثم عرفت حاجة الأهليين إلى كتب طبية صغيرة ترشدهم إلى علاج الأدواء البسيطة وتساعدهم على تلافى أمور كثيرة كهذه قلما تحتاج إلى طبيب”.
قد يرى تجار الطب الحاليين وهم غالبية كبار الاطباء وكل اصحاب المستشفيات الاستثمارية الذين يغالون في أسعار الكشف وفي تكلفة العلاج، ويشترطون على أهالي المرضى دفع عشرات الالاف من الجنيهات مقدما قبل علاجهم ، ويحتجزون جثث المرضى الموتى رهنا لدفع تكاليف العلاج، قد يرونها دعوة لقطع أرزاق الاطباء بتعليم العامة وسائل علاجية بسيطة . ولكن الكتاب في حقيقة ” علم ينتفع به” من طبيب قبطي مصري التزم بالوطنية وخدمة الانسانية خاصة الفقراء بعيدا عن الطائفية. ويواصل الدكتور إبراهيم منصور رسالته في خدمة المصريين الفقراء باصدار كتابه ( الطب المنزلي ) عام 1893 في جزئين ويتضمن الكثير من الفوائد الطبية الصحيحة والجليلة .
وحتى لا يعتقد البعض أن اهتمام الدكتور ابراهيم منصور اقتصر على الجانب النظري المتمثل في تأليف الكتب ولكنه كان منهج حياة بالنسبة له. ويقول رشدي الطوخي في كتاب (مصر والأقباط في مائه عام ) الصادر عام 1993: “حول دكتور ابراهيم بعد تخرجه من مدرسة الطب بيته بشارع كلوت بك رقم 50 بالقاهرة إلى مستوصف لعلاج المرضى مجاناً وكان يصرف لهم الدواء مجاناً بالتعاون مع زميلة وصديقه د. عازر فوزى صاحب صيدلية بباب الحديد. لذلك كان البر بالفقراء والمحتاجين متأصلاً في نفسه منذ شبابه المبكر”.
وتشهد بانسانيته جهوده في رئاسة المستوصف الطبي القبطي الذي أسسته جمعية المساعى الخيرية عام 1908 ( الذي تحول فيما بعد الى المستشفى القبطي ). فذكرت موسوعة ” ويكيبيديا ” أنه فتح أبوابه المستوصف لمعالجة جميع الفقراء مجانا بدون استثناء سواء فقراء الجمعية أو غيرهم على مبدأ (الإنسانية لا تتجزأ).
لم يقتصر دور الدكتور ابراهيم منصور على خدمة المرضى الفقراء ولكنه ساهم بدور كبير في اصلاح احوال المجتمع من خلال مشاركته في تأسيس جمعية التوفيق القبطية بالقاهرة 24 أغسطس عام 1891 والذي تولى رئاستها خلال الفترة من عام 1896- عام 1917 . ويقول لمعى المطيعى في كتابه (هؤلاء الرجال من الأقباط ) الصادر عام 1989 أنه من خلال الجمعية أسس العديد من المدارس في القاهرة والمحافظات لتعليم البنات . وساهم في نشر الافكار الاصلاحية للمجتمع المصري من خلال مطبعة جمعية التوفيق التي كانت تطبع العديد من الصحف والمجلات منها: جريدة مصر اليومية – مجلة التوفيق – المجلة القبطية – مجلة الكرامة – مجلة عين شمس – مجلة ميزان الاعتدال – مجلة البستان الزاهر .
كما تجلى دور الدكتور ابراهيم كمصلح اجتماعي عبر مساهماته الفاعلة في جمعية الشبيبة المصرية التي تأسست عام 1902 للمساعدة على جمع شمل الشباب بالمطالعة والألعاب الرياضية والمساجلات الأدبية . والتزمت بالوطنية المصرية ولم تلتزم بديانة أو ملة ولم يكن لها صفة الطائفية.
ولد الدكتور ابراهيم منصور بالقاهرة عام 1860 وتوفي بها ايضا عام 1930 عن عمر يناهز 70 عاما بعد مسيرة عطاء علمية وعملية في خدمة المجتمع المصري، فعليه وأمثاله من رجال مصر المجهولين رحمة الله.