إن الجرأة التي يتمتع بها هذه الفئة المضللة في المسارعة بالاتهام ونشر الصورة وترويجها على هذا النحو تنعدم لديه الحواجز النفسية أمام اقتراف جريمة الاغتيال، وتهتكت لديه كل الستائر النفسية التي تجعله يقوم بالاغتيال الاجتماعي لشخص او فئة، إنما يمثل صورة مشابهة تماماً من حيث التكوين النفسي لذلك المجرم الوحش الذي أقدم على فعلته الشنيعة بحق الطفل، فالعينة النفسية متشابهة من حيث انعدام الشعور بتحمل المسؤولية الاجتماعية، والحقد على المجتمع، والتجرد من الأحاسيس والمشاعر الإنسانية العادية الفطرية بحدها الأدنى.
هذه الجريمة الاجتماعية ينبغي أن تكون محل اهتمام بالغ من جميع الأطراف المسؤولة على جميع الأصعدة ذات العلاقة بالحدث على المستوى الأمني والنقابي والسياسي والاجتماعي، ويجب إعادة النظر فعلاً في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في إلحاق الضرر بالأشخاص والمجتمع كله. هناك صنف آخر أخطر من الاغتيالات السياسية، إنه الاغتيال الاجتماعي ويبدو أن حكومتك ماضية في هكذا تمشي لكن غير مدركة لعمق خطورته لأن الاغتيال الاجتماعي لا يسقط الحكومات فقط بل بإمكانه أن يسقط الدولة بكاملها: برئيس جمهوريتها ورئيس برلمانها وأيضا برئيس حكومتها.
من أبشع صور الاعتداء على حرمة إنسان أن يتم تشويه صورته مع بقاء أثر هذا التشويه ليصبح هو الوجه القبيح من لوحة كانت في الأصل ناصعة البياض جميلة البناء بديعة الشكل والمخبر. قد يتم اغتيال قائد أو حتى إنسان عادي اغتيالاً جسدياً ثم يكون في اغتياله تخليدا لذكرى عطرة واتساعاً لرقعة مؤيديه الذين تأثروا بطريقة اغتياله بل قد يعيد بعض مخالفيه النظر في تراثه تأثراً باغتياله.
أما الاغتيال المعنوي الذي يلحق الإنسان حياً وميتاً بتشويه صورته وإشاعة الادعاءات الكاذبة حول سيرته وإنجازاته تاريخياً فهذا أسوء بكثير من الاغتيال الجسدي. وللأسف كان ولا زال الاغتيال المعنوي لشخصيات أو كيانات أو أحداث معينة عاملاً مؤثراً في وعي الأمة ووجدانها أو بمعنى أدق
فالاغتيال المعنوي قديماً وحديثاً من أكبر وسائل التزييف لوعي الأمة الإسلامية. إن شدة الصراعات السياسية والاختلافات الفكرية لا تبرر أن نضحى بكل ما هو أخلاقي من أجل إضعاف خصومنا. الاغتيال المعنوي لا يختلف عن التصفية الجسدية في شيء بل قد يكون أكثر ألما. وجميع صور الاغتيال المعنوي تؤكد على المبالغة والالحاح المستمر على تشويه الضحية وتحطيم معنوياتها وغلق كل أبواب الدفاع عن نفسها، والتعتيم على جوانبها الايجابية.
وتعد المقرات الحزبية ذات التوجهات الجهوية والعنصرية والدينية المتطرفة ومن خلال مراكزها الاعلامية والثقافية ونفوذها السياسي والاقتصادي والفكري على وسائل الإعلام والاتصال من أهم أدوات الاغتيال المعنوي ومنبع تزييف وعي الجماهير وإظهار الخصم بصورة العدو الحقيقي: للدين او المذهب او المجتمع او لحركات الإصلاح،
ومن ثم اغتياله معنويا بعيون الجماهير، وغالباً ما تسخر في اعمال الاغتيال المعنوي ذمم مجموعة من الإعلاميين ذوي السمعة، او مثقف مرتزق يمتلك قاعدة ثقافية ولغوية وقدرة على صياغة أحداث هدفها تخوين الآخر،
وواقع الامر هنا ان الاعلامي او المثقف في هذا المجال لا يعدو عن كونه قاتل مأجور محترف في الاغتيال المعنوي.
من جانب اخر قد تعمد منظمات إرهابية او جهات سياسية لديها أهداف معينة الى استغلال أخطاء الحكومة في اجراءات معينة منها اشراك الجيش او الشرطة في قمع المظاهرات ومواجهة الشعب الذي يسعى للإصلاح وبخاصة عمليات القمع التي وصلت الى ارتكاب جريمة قتل متظاهر،
هنا يكون من السهل جداً ممارسة عملية الاغتيال المعنوي للعناصر الامنية وتشويهها وكسر معنويات أفرادها وتحريض الناس للتطاول عليها مما يدفع البعض للأحجام عن واجباته في الحفاظ على أملاك الدولة ومؤسساتها او يقف متفرجاً حيال ما يحدث
وفي النتيجة يتحقق سقوط كافة الرموز الفردية والجماعية وفقدان الثقة بين الجميع وفقدان الأمل في الإصلاح، وتكون الدولة وكذلك التوجهات المعارضة او الإصلاحية او قيادات التظاهرات الشعبية المنادية بالإصلاح وتغيير الأنظمة فاقدة لبوصلات التوجيه في المجتمع
ان الإصرار على المبادئ والإصرار على التغيير والإصلاح من خلال التظاهر والاعتصام والتثقيف للتغيير من أكثر الأمور التي تفكك وتكشف أساليب الاغتيال المعنوي والجهات المخططة له فتضع الجميع أمام مصداقية حسن النوايا و التوجهات .
إن الشخص الذى يمارس الاغتيال المعنوي، يُعرف ببعض العلامات، والتي منها: إلحاحه المستمر على تشويه ضحيته، وابتعاده عن الموضوعية، ومبالغاته الواضحة، وتسليطه الضوء على عيوب المجنى عليه طوال الوقت؛
بحيث لا يرى فيه إلا العيوب والخطايا، ويعجز الناس عن رؤية علامة إيجابية واحدة فيه، كما تعكس لغة الجسد لديه حالة من الغضب، والاشمئزاز، والعدوانية، بينما هو يتحدث عن ضحاياه. لم تقتصر أساليب الاغتيال المعنوي على المقالات والحوارات والمناقشات، وإنما امتدت من خلال برامج ساخرة تهز من قيمة ووقار واحترام الشخصيات، بحيث لا يبقى لأحدٍ هيبة، ولا ننسى النشاط الإلكتروني الممول على الإنترنت، الذى يمارس من خلاله مثل تلك الهجمات، ويشارك فيه ملايين الشباب من كافة الاتجاهات.
وقد يخلط البعض بين النقد والاغتيال المعنوي، فالأول مشروع ومطلوب لإصلاح المسيرة، والثاني مدان ومرفوض؛ لأنه يهدم المقومات البشرية في المجتمع، وللأسف الشديد يساهم في هذا الاغتيال مجموعة من الإعلاميين، أصحاب الشعبية الكبيرة، والتأثير الخطير، دون إدراك لحجم الخطورة.
النتيجة النهائية لذلك؛ سقوط كافة الرموز الفردية، والجماعية، وفقدان الثقة بين الجميع، إضافة إلى فقدان الأمل أيضًا، في تحقيق نهوض أو إصلاح، وفقد بوصلات التوجيه؛ ليدخل المجتمع في حالة اختناق داخلي لا يعلم مداه إلا الله.
لوحظ أن تكتيكات الاغتيال المعنوي موجه في الدرجة الأولى إلى الحالات الشريفة الصامدة، الغير قابلة للشراء، أصحاب الأثر الأقوى في قطاعات المجتمع المصري، فنجد كل من يقف في طريق تقدم الوطن وارتفاع رايات النهوض، والعمل، والتنمية،
يسارع باستغلال منصات التواصل الاجتماعي ليشيع ظلام نفسه الشاسع على كل ما هو إيجابي، وعلى كل ما يسطع ضوئه، فهناك من يعشقون الظلام الدامس، وحلمهم الوحيد أن يجروا أعدائهم إلى ساحات الكره، والابتزاز، وتشويه السمعة، والتشهير، ونشر الإشاعات، وأحيانا تصل إلى التشكيك في الذمة، أو الشرف والعرض.
تحصنوا بصحبة صالحة مخلصة، لا يغركم العدد فهو لا يؤثر أثناء الموج العالي، ادخروا لسنوات عمركم الداكنة عددًا من الناس؛ لتذهبوا إليهم وقت هذا النوع من الأذى الذى من الممكن أن يصل بصاحبه إلى الاكتئاب والموت، فالصديق قبل الطريق، وأنتم تختارون صحبتكم؛ راعوا أنكم تخبئونهم للزمن، والأيام.
احذروا من الاغتيال والإرهاب المعنوي، فهو وفاة دون قبر، والفاعل في أغلب الأحوال مجهول، أو مهدر دمه بين هذا وذاك، وليس منه نجاة إلا بتمسكنا بقيمنا، وأعرافنا، وادعو الله أن يرزقكم بأصدقاء الدرب والحرب
وعليه يشير المجد الأمني إلى ضرورة عدم الالتفات أو التفاعل مع مثل هذه الفبركات والأكاذيب، أو الوثوق بها أو بمن يقف خلفها، إذ أن المعطيات تفيد إلى أن العدو يطلق العديد من المنصات والحسابات الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي
لاستهدف قيادات وشخصيات مصرية فاعلة ومؤثرة، من كافة فصائل العمل الوطني بهدف إضعاف فاعليتها وتأثيرها، وكذلك إحداث حالة من فقدان الثقة بين مكونات المجتمع وتشويه صورته النضالية.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان