إن تلك العناوين البراقة التي تتخفى وراءها كل خفافيش الظلام من منفذي المؤامرات التي تستهدف الأمة الإسلامية هي الفاعل الرئيسي في أزمة ما يسمى بمشروع ” سد النهضة ” ، فعندما نبحث الأمر جيدًا نجد أن مسمى سد النهضة في أثيوبيا لا يختلف عن مشروع النهضة في مصر الذي روج له تنظيم الإخوان الإرهابي في الانتخابات الرئاسية ، فكلاهما لا يبتعد أيضًا عن مسميات الأحزاب التي شكلها التنظيم بكافة الدول التي إستولى عليها ، ففي تركيا حزب العدالة والتنمية ، وفي تونس حزب النهضة ، وفي ليبيا حزب العدالة والبناء ، فيما إستبعد التنظيم إسم الحرية من أحزابه بعد سقوطه في مصر ، حتى لا يتذكروا ما فعله بهم الشعب المصري وقواته المسلحة .
فمشروع ما يسمى ” سد النهضة “هو مخطط إخواني أعده هذا التنظيم الإرهابي ودعمه بكافة الوسائل في سرية تامة دون أن يظهر للعلن ، والهدف يتضح الآن ، وهو الاستعانة بمخطط قديم رسمه السياسي البرتغالي ” دالبو كيرك ” منذ أكثر من 500 عام في نهاية القرن الخامس عشر ، عندما كانت البرتغال تستعمر مناطق واسعة في إفريقيا ، وكان هذا المخطط يستهدف إضعاف مصر التي كانت تخضع لحكم المماليك وقتها ، وكانت تعد من الدول القوية ، أي أن هذا المخطط عندما ظهر للوجود كان الهدف منه هو إضعاف مصر وليس تنمية الحبشة ” أثيوبيا” ، ولذلك سمي وقتها بمشروع ” دالبو ” لتحويل مجرى النيل بهدف منع وصول المياه إلى مصر ، حتى تفقد أراضيها الخصبة وتواجه شبح المجاعة من أجل تدميرها ، إلا أن هذا المخطط إنتهى بموت ” دالبو كيرك ” فى عام 1515 .
وظل هذا المخطط يراود أحلام القوى الاستعمارية على مدى قرون، حتى تنبهت بريطانيا التي كانت تحتل مصر وتتخذ منها مخزنًا قويًا للغذاء والتمويل لجيوشها الممتدة في المستعمرات بشتى بقاع العالم، لما تتمتع به من موقع استراتيجي يتوسط العالم وأراض خصبة ذات إنتاج وفير، وقوى بشرية تمثل مددًا قويًا للجيوش البريطانية، فقامت بتوقيع ما يعرف ببروتوكول روما عام 1891 مع إيطاليا التي كانت تستعمر الحبشة “أثيوبيا” يلزمها بعدم إقامة أي منشآت على نهر “عطبرة” يمكن أن تؤثر على تصرفات مياه نهر النيل.
وبعد أن نجحت أثيوبيا في الحصول على أملاك مصر الخديوية في البحر الأحمر من خلال ” معاهدة أوتشيللي ” مع المستعمر الإيطالي ، وقعت بريطانيا مع مينليك الثاني إمبراطور الحبشة اتفاقية عام 1902 يتعهد فيها بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة ” تانا ” أو نهر “السوباط” من شأنها أن تعترض سريان مياه النهر إلا بموافقة الحكومة البريطانية .
أعقب ذلك توقيع اتفاقية ثلاثية عام 1906 بين المستعمرين الثلاثة ” بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ” ينص البند الرابع منها على ضمان هذه الدول تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر، واستمرارًا لمحاولات بريطانيا تأمين حصة مصر من مياه النيل بالاتفاق مع المستعمر الإيطالي لهضبة ” الحبشة ” ، تم التوقيع على إتفاقية ” روما ” 1925 بين البلدين والتي تعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر في مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما وتتعهد بعدم إجراء أي إشغالات عليهما من شأنها ان تنتقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسي.
وفي عام 1929 تم توقيع إتفاقية بين مصر وبريطانيا في أعقاب قيام أثيوبيا ببناء حاجز للمياه عند بحيرة ” تسانا ” وهي أكبر بحيرة في أثيوبيا ومنبع النيل الأزرق بالتوافق بين الدول المسيطرة على تلك المناطق ، حيث أكدت الإتفاقية على عدم القيام بأي أعمال ري أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو البحيرات التي تنبع من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص حصة المياه التي تصل الى مصر أو تعديل تاريخ وصولها أو تخفيض منسوبها بشكل يلحق ضررًا بمصر .
وجاءت إتفاقية 1959 بين مصر والسودان مكملة لإتفاقية 1929 ، وتؤكد موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان
” الروصيرص ” على النيل الأزرق ، وظلت مصر محتفظة بحقوقها في مياه النيل إستنادًا لقوتها التي تحمي كل ما سبق من إتفاقيات ، حتى جاءت أحداث 25 يناير 2011 والتي خططت لها هذه الدول والتنظيمات المعادية والمتربصة بمصر حتى تصبح الفرصة سانحة للعبث في فناء مصر الخلفي ، كما توهم شيطانهم قائد التنظيم الدولي للإرهاب في العالم
” أردوغان ” أنه قادر على تنفيذ هذا المخطط القديم الرامي لتدمير مصر .
إلا أن قيام الشعب المصري بثورة 30 يونيو 2013 التي حماها جيشه ، ثم تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر أوقف كل هذه المخططات التي مازال التنظيم الدولى للإخوان يسعى لتمرير أي جزء منها حتى الآن ، فأردوغان هو من يتصدر المشهد بتفويض من الكيان الصهيوني لتنفيذ أهداف الصهيونية العالمية الرامية إلى تحقيق الرغبة الإسرائيلية الضاغطة لتوصيل مياه نهر النيل إليها .
وننبه هنا إلى أن الخطر الرئيسي في توصيل مياه نهر النيل إلى إسرائيل هدفه الأول هو تصفية القضية الفلسطينية ، بنقل أعداد من الفلسطينيين إلى خارج حدود أراضيهم التاريخية كى يستوطنوا في صحراء النقب بعد تعمير جزء كبير منها بإستخدام تلك المياه ، وبذلك يتفادى الكيان الصهيوني الرفض المصري لمنح الفلسطينيين جزءً من سيناء بديلًا عن غزه كما كان مقررآ أن يقوم به محمد مرسى مندوبهم فى قصر الرئاسة المصرى ضمن ما كان يسمى ” صفقة القرن ” ، ومن ثم تنتهي المطالبات بالحقوق التاريخية في أن تكون القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ، وهو مالا يمكن أن تسمح به مصر فى ظل وجود قائد وطني وزعيم مثل الرئيس عبد الفتاح السيسي .
تلك هي المعضلة الرئيسية في ملف سد النهضة ، وتلك هي الأهداف خلف كل ما يحاك من مؤامرة خسيسة متشابكة الخيوط ، الأمر الذي يستوجب الإصطفاف العربي والإسلامي خلف مصر وقيادتها ، دعمًا وتعضيدأً لموقفها المبدئي الرافض لنقل مياه النيل إلى إسرائيل ودعمآ لقضية العرب والمسلمين الأولى ، وحفاظا على أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين التي ستبقى حقًا أبديًا لا يقبل المساومة وعاصمة أبدية للدولة الفلسطينية ، التى تاجر بها إخوان الشيطان وزعيمهم أردوغان الذى كان يحلم بلقب خليفة المسلمين والإسلام منه براء .