الحمد لله الذي قدر كل شيء فأحسن قدره، وابتلى الإنسان بما يسرّه وما يسوؤه ليحسن في الحالتين شكره وصبره، وجعل لعبده مما يكره أملاً فيما يحب، ومما يحب حذراً مما يكره، فسبحانه واهب النعم، ومقدر النِقم، له الحمد في الأولى والآخرة، لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه، وكل نعيم زائل إلا جنته، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أوذي في سبيل الله أبلغ إيذاء، فلم يزده ذلك إلا إيماناً ومضاءً، وعلى آله وصحبه الذين كانوا في السراء حامدين شاكرين، وفي الضراء خاضعين صابرين، وسلّم تسليماً كثيراً.
الصبر على الهوى أشق من الصبر في المعركة وأعظم أجراً، فالشجاع يدخل المعركة يمضغ في شدقيه لذة الظفر، فإذا حمي الوطيس نشطت نفسه وزغردت، والمؤمن وهو يصارع هواه يتجرَّع مرارة الحرمان فإذا صمّم على الصبر ولَّت نفسه وأعولت، والشجاع يحارب أعداءه رياءً وسمعة وعصبية واحتساباً، ولكن المؤمن لا يحارب أهواءه إلا طاعة واحتساباً.
بطولة كبيرة يسطرها رجال وزارة الصحة المصرية من الفرق الطبية والتمريض داخل المستشفيات في كافة ربوع مصر.. أبطال الخطوط الأمامية .. في مهمة قومية ووطنية جديدة لخدمة المجتمع المصري.
بكل شجاعة واستبسال.. وبكل جدية والتزام وبحرفية شديدة .. انطلقت الفرق الطبية منذ بداية أزمة كورونا في استقبال الحالات المصابة بـ”فيروس كورونا” والمشتبه في إصابتها خلال فترة الحجر بعد إصابة مخالطيهم وغيرهم سواء من المصريين أو الأجانب.
وبدلا من البعد عن مصادر العدوى كما نفعل نحن لحماية انفسنا واسرتنا .. فانهم يقتربون منه .. في سعي دؤوب لحمايتنا وهزيمة “COVID-19” في واحدة من أقسى المعارك الإنسانية.
وتقديرا لدورهم، أطلقت الوحدة المركزية لشؤون مقدمي الخدمة الطبية بوزارة الصحة والسكان، هاشتاج “# جيش _ مصر _الأبيض”، لإرسال رسائل شكر لكل أعضاء الفريق الطبي المشاركين في الحجر الصحي، في أنحاء مصر، لعلاج مرضى كورونا.
لم ينس الأطباء، في الهاشتاج المخصص لهم، دور رجال الإسعاف الذين ضربوا مثالا في الإخلاص والتفاني وقت الأزمات، موجهين لهم الشكر، باعتبارهم كالمحاربين في المعارك.
نقابة التمريض، اكدت بدورها أنه تم تجهيز الطواقم التمريضية على مستوى الجمهورية وتدريبها بشكل مكثف للتعامل مع حالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا.
أطباء مصر، لم يكتفوا بدورهم في المستشفيات .. بل أطلقوا مبادرات تطوعية بلا مقابل لتقديم استشارات طبية عبر خدمة “واتس اب” ليضربوا أروع الأمثلة في العطاء والتضحية في ظل الظروف الوبائية التي يشهدها العالم.. جاء ذلك من منطلق حرصهم على عدم الزحام على المستشفيات، وضمان عدم تعطل المعدات الطبية، والأهم الحرص على سلامة المواطن بالبقاء في منزله، ومنع انتشار فيروس كورونا.
المحاربون الجدد”، أو “جنود المحنة”.. المصطلح الأقرب إلى وصف مجموعة لا يستهان بها من أعضاء الفريق الطبي المنوط بهم مواجهة فيروس كورونا المستجد، سواء أطباء بمختلف تخصصاتهم أو تمريض أو حتى فنيين اشعة وتحاليل وصيادلة يتعاملون مع الحالات المؤكدة بإصابتها بفيروس كورونا أو حتى المشتبه بها
يؤدون دورهم دون تردد أو تخاذل بدءا من تمسكهم بالبقاء في مستشفى العزل (النجيلة) بمطروح بعدما أطلعتهم الدكتورة حالة زايد وزيرة الصحة والسكان على المهمة الموكلة لهم الاستقبال العائدين من ووهان، مرورا بما يقومون به حاليا بمختلف المستشفيات المخصصة للعزل واستقبال المشتبه بهاء الموقف ليس بجديد عليهم فقد كانوا جنود المحنة أيضا في فترة جائحة h1n1 المسماة بأنفلونزا الخنازير ومن قبلها أنفلونزا الطيور
وما بين فترات الجائحات أو الأوبئة يكون أعضاء الفريق معرضين لأنواع عدوى أخرى فالحظر ليس الأمر فقط وقت الأوبئة فكم من حالات وفاة بين الأطباء والتمريض نتجت عن تعرضهم لعدوي خلال تعاملهم مع المرض
وبحسب بيانات نقابة الأطباء توفي نحو 14 طبيبا خلال العشر سنوات الأخيرة نتيجة الإصابة بعدوى أثناء تأدية عملهم ومؤخرا أعلنت الهيئة العامة للمعاهد والمستشفيات التعليمية بوزارة الصحة، إصابة ممرضة بمستشفى حميات إمبابة بفيروس كورونا المستجد عقب مخالطته الحالة إيجابية للفيروس كانت محتجزة داخل المستشفى
المؤكد أن وزارة الصحة تمنح مكافات خاصة لهؤلاء المقاتلين لكن يبقى الحديث إعادة النظر بشكل عام في عن بدل عدوى قد ينظر البعض لهذا الأمر على أنه استغلال للموقف، لكن في وضع مثل هذا، ومواجهة فيروس يرعب العالم كله يكون أي مقابل مادي أقل بكثير من الخدمة التي يؤديها الفريق الطبي، لكنه التقدير، فبجانب التقدير المعنوي والأدبي لا مانع أن تتحدث عن بدل عدوی عادل ومنصف لهذه الفئة،
كل حسب مدى المخاطر التي يتعرض لها، فأن يكون ۱۹ جنيها بدلا لعدوى قد تنهي بحياة شخص أمر أصيح بعيدا عن المنطق، الأكثر من ذلك أن أعضاء الفريق هم أنفسهم قد يكونون مصدرا لنقل العدوى لأسرهم، بدل العدوى المحدد ب۱۹ جنيها، لا يعادل حتى ثمن الكمامة التي وصل سعرها حاليا لنحو ۷۰ جنيها في ظل استغلال وجشع البعض
الحديث عن مخاطر العدوى التي يتعرض لها الفريق الطبي تعكسها بيانات الدول التي انتشر بها فيروس كورونا المستجد، فكانت الحكومة الصينية قد أعلنت وفاة 7 أطباء جراء الإصابة بالفيروس نتيجة المخاطر التي تواجهها الأطقم الطبية خاصة مع نقص الأقنعة وملابس الوقاية وفي تقرير نشرته مجلة لا نست الطبية
فان ۲۰ بالمائة من الأطباء والتمريض الإيطاليين العاملين على علاج مرضی فيروس كورونا المستجد أصيبوا بالمرض، وبعضهم مات، حماية الفريق الطبي في هذا التوقيت أمر لا بقبل للنقاش سواء بتوفير مستلزمات الحماية أو زيادة المتابعة ومراجعة المستشفيات للتأكد من توفير المستلزمات الطبية اللازمة، فحماية الفريق الطبي،
تعد حماية أيضا للمرضى أنفسهم من أن يكون الفريق الطبي نفسه هو مصير للعدوى ومؤخرا حذرت منظمة الصحة العالمية من أن نقص مستلزمات الحماية الشخصية يعرض حياة الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين في الخطوط الأمامية لرعاية المرضى المصابين بعدوی کوفید-۱۹ للخطر، جراء صعوبة الحصول على إمدادات أساسية كالقفازات والأقنعة الطبية وأجهزة التنفس ونظارات الوقاية وواقيات الوجه والملابس الطبية والمريلات.. «المواطنون يقفون على شرفات منازلهم، لإعلان التحية، والتصفيق للأطباء والأطقم الطبية في المستشفيات، خط المواجهة الأول أمام خطر كورونا. المسؤولون عن عافية المصريين.. تحية وامتنان لجهودهم، وإدراكا لحجم المسؤولية والمهمة الوطنية التي يقومون بها، لتجاوز الأزمة الصعبة. الامتنان للأطباء، يشهده العالم كله، خاصة الدول المصابة بخطر الفيروس، اعترافا بجهودهم ودورهم في مواجهة الخطر.
وقف الجيش الصيني لتحية الطاقم الطبي العائد من مدينة «ووهان» بعد استكمال مهمته وتعافي المدينة. الإيطاليون أيضا وقفوا في الشرفات، يرسلون تحياتهم وشكرهم للأطباء (الذين تعرض الكثيرون منهم للهلاك) وقاموا أيضا برفع العلم الصيني على أعمدة مدينة ميلانو امتنانا للدعم الصيني الطبي لإيطاليا.. ليس فقط دعمهم بالأدوات الطبية والكمامات وأجهزة التنفس.. لكن دعمهم بالأطباء والأطقم الطبية المدربة.
الأطباء المصريون وأطقم التمريض والعاملون في معامل التحليل، يبذلون فوق طاقتهم، لتوفير كافة أشكال الوقاية والرعاية للمصابين، أو المشتبه في إصابتهم. يخوضون معركة صعبة وخطيرة وجها لوجه أمام فيروس لا يزال غامضا..
مهددين باحتمالات العدوى في كل لحظة.. جدار الثقة ليس قوياً في كل ما يخص بيانات وتصريحات الحكومة، وهذه أزمة قديمة أن الجانب الإداري في مواجهة الحكومة للأزمة الراهنة هو البرهان على نجاحها وعبورها هذه الفترة العصيبة، بأدنى درجة من الأضرار.
هذا هو الجانب السهل في التصدي لنتائج كورونا، أما الجانب الصعب والحاكم في القدرة على المواجهة الحقيقية للفيروس هو مدى جاهزية القطاع الصحي، وقدرته على التعامل مع المواطنين، ممن يتعرضون لإصابات، بل وحماية جموع الشعب وتوعيتهم بالمخاطر، وتحصينهم من السقوط صرعى الجائحة. بالطبع نأمل محاصرة الفيروس، والقضاء عليه، لكن دوماً يجب توقع السيناريو الأسوأ، خاصة مع وباء يهدد العالم كله،
ويضع البلدان الأكثر تقدماً في أزمة فعلية. أريد التفاؤل، فالمنظومة الصحية الرسمية لا تطمئن، وهي في الأوضاع الطبيعية ليست على المستوى للقيام بدورها في علاج ورعاية المواطنين، فهل ستفعل ذلك في حالة الطوارئ القصوى؟ مستشفيات الدولة بمختلف مسمياتها من مركزية وجامعية وتعليمية وتخصصية وتأمين صحي، وحتى الوحدات الصحية في حالة صعبة، وأزمتها ليست وليدة هذه المرحلة من التاريخ،
إنما منذ مراحل حكم سابقة، بدون الشروع الجاد في وضع خطة علاج جذري لهذا المرفق المرتبط بحياة كل الناس. قطاع الصحة ضخم وقديم وتتوفر له بنية تحتية هائلة وموارد بشرية كبيرة، ولا ينقصه سوى الجدية في الإصلاح، ووضعه على السكة، ليكون الملاذ لكثير من المواطنين، الذين لا يستطيعون تلقي الخدمة الصحية،
وتسديد تكاليفها في المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة التي تبالغ في أسعارها، حيث تحولت إلى أماكن للتجارة بآلام المرضى أكثر من كونها مرافق للعلاج والإنسانية. يساورني خوف من عدم قدرة مرفق الصحة على التعامل مع السيناريو الأسوأ غير المرغوب فيه». المرض مدرسة تربوية لو أحسن المريض الاستفادة منها لكان نعمة لا نقمة. لولا الألم لكان المرض راحة تحبب الكسل، ولولا المرض لافترست الصحة أجمل نوازع الرحمة في الإنسان، ولولا الصحة لما قام الإنسان بواجب ولا بادر إلى مكرمة, ولولا الواجبات والمكرمات لما كان لوجود الإنسان في هذه الحياة معنى.
لكل فضيلة ثمرة تدلُّ عليها، فثمرة الإيمان العمل، وثمرة الحب الخضوع، وثمرة العلم الخشوع، وثمرة الأخوة التراحم، وثمرة الإخلاص الاستقامة، وثمرة الجهاد التضحية، وثمرة الزهد الكرم، وثمرة اليقين التسليم، فإن لم تكن مع هذه الفضائل ثمارها كانت دعاوى.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان