د.عادل عامر يكتب.. العقل المبدع
تكمن ثوابت أي بلد من البلدان على ركائز معينة مبنية على أسس منها التقدم التكنولوجي والتقني أو التطور السياحي أو الاقتصادي وقد يكون السياسي أحيانا وكل هذه الثوابت والركائز مبنية على أساس مصدرها وهو العقل والمعرفة وفن الإبداع ولابد أن تتواجد هذه الثوابت في أي بلد حتى ينهض بشعبه ومستقبل أجياله.
إنه لا إبداع دون اتباع لأن الأمر في هذه الحالة يتحول إلى فوضى والفوضى لا يمكن أن تكون إبداعا على الإطلاق.
إن الفهم الصحيح للإبداع يعنى أن أفكر في الواقع الذي أعيشه وأن أستوعبه وأتفاعل معه وأنفعل به ثم أحاول تطويره. وهذا هو قمة الإبداع.
فالإبداع لا يأتي من فراغ وإنما يأتي من الواقع المعاش ومحاولة نقله من صورة إلى صورة مختلفة 00 وهذه الصورة المختلفة في الإسلام تكون في إطار عام هو إطار التوحيد والعبودية لله وإذا نظرنا إلى القضية من هذه الزاوية فإننا نجد أن الإسلام هو السباق إلى هذا الإبداع العاقل المتزن الملتزم الذي يسعى لصالح الإنسان.
أما الذين يقولون بأن الحفظ ضد الإبداع فنحن نقول أنه لا إبداع دون مخزون يقوم عليه هذا الإبداع 00فلا إبداع من فراغ 00 وإنما يكون الإبداع بناء علي معطيات محفوظة يتم تقليدها والنظر إليها بنظرة نقدية واعية حصيفة فالإبداع لا يأتي من فراغ إلا في حالة الأطفال الذين في سن المهد أو إبداع المجانين
فالذاكرة أساس على ألا تكون هذه الذاكرة ذاكرة ببغاء تقوم على ترديد ما حفظته دون وعي ودون فهم ودون نقد وكيف يتهم المسلمون بأنهم يحفظون ولا يبدعون رغم أن علم الحديث عندهم قام في البداية على حفظ مئات الألوف من الأحاديث ثم طبقوا بعد ذلك منهج التثبت والنقد والجرح حتى صار هذا العلم علوما متعددة شكل آلية متكاملة لأسس البحث العلمي
وتمييز الحق من الباطل وإذا كان الغربيون يتهموننا بأننا تقليديون وحفاظ فإننا نقول أن الأمريكيين أكثر الناس تقليدية 00 فلا يزال وليم جيمس الذي مات منذ قرنين مقدسا عندهم ويرددون كلامه وكذلك جون ديوي
فكل مفكر البرجماتية الأمريكية لا يزالون يعيشون في فكر كل أمريكي يعيش اليوم فالأمريكيون أكثر تقليدية ولكنهم يقلدون النمط البرجماتي النفعي الذرائعي الذي هو دين الأمريكيين هذه النفعية الذرائعية تنظر إلى الأمور بمقياس قيمتها ومردودها المادي ، أما نحن فتقليديون على مذهب نبذ الدنيا وليس هجرها ، وإنما أن نجعل لها مثلا أعلى رفيعا نعيش له أو نموت على طريقه 0
أن الإسلام دين يدعو إلى التفكير وإعمال العقل ويدعو إلى الإبداع 0والتعلم في الإسلام يتم في إطار هذا المثلث 00 وهذا التعليم يدفع المتعلم إلى الإبداع والاختراع والابتكار والنصوص الإسلامية كلها دعوة إلى التأمل والنظر واستخدام العقل وذم التقليد والمقلدين ودعوة إلى التعلم والتففه وهي دعوة إلى التأويل والتفسير والتأويل في الإسلام متعددة الرؤى والنظرة نتيجة لاختلاف التفكير والفهم في الإطار الإسلامي .
إن تفسير النصوص في هذا الإطار وفي إطار أن الإنسان مسئول عن عمارة الكون وعبادة الله وأنه يجمع بين خيري الدنيا والآخرة هو الذي حكم المسلمين رغم اختلاف الزمان والمكان 00 فكيف يكون الإنسان المفكر الذي يعمل لدنياه وأخراه إنسانا آليا مبرمجا ؟
إن لدينا تفسيرات مختلفة للقرآن عبر العصور وليست كلها نسخا متطابقة وإنما فهم متعدد للنصوص وإضافات تتفق مع سعادة ومستقبل الإنسانية فهل العقليات التي فعلت ذلك عقليات آلية ومبرمجة أم عقليات حية مبدعة ؟
إن معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن والخاص والعام والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه وفهم الأحاديث النبوية التي هي بمثابة المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم 00وربط هذه الأحاديث بالقرآن كل ذلك يشكل فهما وإبداعا ولا يستطيع العقل الجامد أن يقوم بهذه المهمة .
إن الإنسان مسئول عن تصرفاته وأفعاله أمام الله 00فكيف يكون هذا الإنسان المسئول المكلف إنسانا لا يفكر ؟ إن الإسلام يدعونا إلى الاجتهاد وإعمال العقل 0
0ففي الحديث النبوي (( من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر )) والمسلمون الذين تفوقوا في العلوم والآداب دليل على العقلية المسلمة وبراعتها في التفكير والتدبر أليست العمارة الإسلامية والهندسة الإسلامية وفن المعاملات التجارية تدل على تفكير عميق وإعمال كامل للعقل ؟
أن الإسلام يدعو إلى تغيير الذهنية ويخاطب القوى المفكرة لا القوى الحافظة 00 كما أن حفظ المسلمين لكتاب الله وللأحاديث النبوية لا يتناقض أبدا مع قدرتهم على التفكير وإعمال العقل والنقد والربط بين النصوص والاستنباط أليست المذاهب الإسلامية الفقهية بما تحتويه من مناهج استنباط ومسائل رياضية كلها تفكير وفهم عميق وتدبر؟
أن الكثيرين من أئمة الإسلام المجددين كانوا دائما يحاربون التقليد الأعمى الذي هو تقليد المذاهب وتقليد المجتهدين بدون إعمال للنظر والعقل وبدون استقلالية في النظر وحتى العلماء المعاصرين المجددون كثيرا ما يوجهون الأنظار إلى عدم التقليد الأعمى .
وهكذا فإن الإسلام كله مقاومة للتقليد الأعمى دون إعمال النظر والتدبر والعلماء المسلمون كثيرا ما انتقدوا الصوفية المبتدعة الذين يتبعون شيخا معينا ويقلدونه دون التبصر بحاله فهذا تقليد مذموم .
.وإذا كان الغرب ينتقد المسلمين ويصفهم بأنهم عقول متبعة للنصوص وليست عقولا مبتكرة فإن هذه المذمة موجودة لديهم في الغرب وليست بنت العقلية المسلمة فالمذاهب الكبرى في الغرب سواء كانت دينية أم دنيوية كلها قائمة على التقليد وعدم الابتكار والكنائس الأوروبية تخاطب أتباعها على أساس أنه عليهم السمع والطاعة والتنفيذ والخضوع 0
كما أن العلمانية والمذاهب العقلية الغربية حينما أسست أحزابا مثل الأحزاب الشيوعية فإنما أسستها على الطاعة العمياء للقائد الذي هو ملهم وعبقري وحتى البروتستانتية التي قامت على عدم التقليد فإنها ما لبثت أن عادت وبنت كنائسها على التقليد.
أن اتهام العقلية المسلمة بصفة خاصة بالتقليدية لأنها قائمة على اتباع النصوص اتهام غير صحيح فالأمر يعود إلى طبيعة الشخصية فقد يكون لدي الشخص قدرات عقلية جيدة ويسعى لتكوين رأي مستقل
وهذا الإنسان لن يكون مقلدا سواء كان مسلما أو غير مسلم أما إذا كان الشخص متواضع القدرات الفكرية فسوف يكون مقلدا حتى ولو كان علمانيا أو شيوعيا أو ملحدا
كما أن قضية التقليد والإبداع ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية التربية والوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل فإذا نشأ الطفل في وسط اجتماعي يشجع العلم والتعليم والقراءة والمناقشة والنقد يتعود الطفل على الاستقلالية
والنقد والتفكير وربما الابتكار والعكس صحيح وإذا كان المقصود بالابتكار هو الابتكار العلمي فإن حضارة المسلمين مليئة بالابتكار في مختلف المجالات من هندسة وجبر وفلك وفيزياء وكيمياء وطب 00 الخ
لذا فهذه مهمة كل أنسان مفكر ومبدع ليس في الوطن فقط بل كل العالم العربي والغربي للتسارع لأنفاذ طبقة من المجتمع العراقي مهددة بالتلاشي والانقراض ويصبح المجتمع العربي عرضة لأنتهاكات الكواسر القادمة بفكرها التكفيري والقاضي بالقتل والتنكيل بأصحاب الكوادر العربية المبدعة.
بالرغم من أن النواحي الآلية في القدرة على القراءة تنمو أسرع من النواحي المرتبطة بالقدرة على فهم المعنى فإن نمو الفهم يزداد عن السرعة في القراءة كما أنه يكون في القراءة الصامتة أكثر كفاءة و دقة منه في القراءة الجهرية ،كما أن الفرق واسع بين التلاميذ في القدرة على الفهم إن للفهم طبيعة سيكولوجية خاصة به تشير
إلى أنه عملية نشطة تتضمن الوظائف العقلية العليا .فالفهم عملية أشبه ما تكون بحل مشكلة ما ثم إنه ينمو لدى التلاميذ و يزداد بداية من المرحلة الابتدائية و ذلك لأن قدرتهم على استخدام الرموز البصرية في القراءة و الكتابة و التفكير تصبح مظهرا سائدا لنموهم العقلي و استخدام اللغة يسيطر على مفاهيمهم.
من الجدير بالذكر أن تعليم الفهم يتطلب استخدام أفضل و أجود أنماط التعليم في سبيل الوقاية من مشكلات تعلمية كثيرة أو تصويبها و تصحيحها بالممارسات التدريسية الفعالة للحد من الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب عن الفشل في تعلم القراءة .و امتداد هذا الفشل إلى مجالات أخرى.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان