لا يختلف أحد على أن النجم المصري العالمي محمد صلاح بموهبته الكروية وبأخلاقياته وتصرفاته الإنسانية خير من مثل المصريين والعرب والمسلمين في الخارج في تلك الفترة الزمنية من القرن الـ 21 ، والتي زادت فيها عنصرية الغربيين على العرب والمسلمين. وساهمت سلوكيات محمد صلاح داخل الملاعب وخارجها في تغيير الصورة الذهنية السيئة عن مصر والعرب والمسلمين لدى الكثير من البريطانيين والأوروبيين والتي رسخها الإعلام الغربية وعمل على تكريسها خلال عقود طويلة .
ولم يكتف محمد صلاح بالتأثيرات الإيجابية لمهاراته الكروية وسلوكياته الحسنة خارج الملعب ، بل انه إستثمر وجود عشرات الملايين من متابعيه على مواقع التواصل الإجتماعي بدعوتهم بطريق غير مباشر للإطلاع على كتب قيمة قام بتأليفها مؤرخين وعلماء غربيين تكشف عظمة الحضارة المصرية وذلك بنشر أغلفة هذه الكتب باللغة الإنجليزية.
ومن أهم الكتب التي أعادها محمد صلاح إلى المشهد العالمي مؤخرا كتاب ( فجر الضمير ) للمؤرخ الأمريكي جيمس هنرى بريستد الذي صدرعام 1934 وذلك بنشر صورة لغلاف الكتاب على حسابه الشخصي بموقع انستجرام. واختيار هذا الكتاب بالذات يكشف ان صلاح شاب مثقف ومطلع مما يجعله سفيرا حضاريا وثقافيا وليس كرويا فقط . فقد صنف هذا الكتاب كأدق مرجع في تاريخ مصر القديم لأن مؤلفه ظل يبحث في البرديات والمراجع باللغات المختلفة طوال 22 عاما من أجل كتابته . إضافة أن بريستد حاصل على الدكتوراه في علم المصريات من «جامعة برلين» بألمانيا عام ١٨٩٤م.
وقيمة كتاب فجر الضمير أظهرها وصف مترجم الكتاب عالم المصريات الدكتور سليم حسن، والذى أصدر الترجمة العربية عام 1956، بقوله فى تقديمه إنه “يدلل على أن مصر أصل حضارة العالم ومهدها الأول، بل فى مصر شعر الإنسان لأول مرة بنداء الضمير، فنشأ الضمير الإنسانى بمصر وترعرع، وبها تكونت الأخلاق النفسية”.
وأكد بريستد فى كتابه أن ضمير الإنسانية بدأ فى التشكل فى مصر قبل أى بلد بالعالم، وذلك منذ نحو 5000 عام. وأثبت في كتابه أن ما حفظ حضارة المصريين القدماء هى الأخلاق، وأن المصريين القدماء كانوا يعرفون ذلك، لذا سعوا إلى وضع مجموعة من القيم والمبادئ التى تحكم إطار حياتهم تتكئ على فكرة العدالة ، تلك القيم التى سبقت «الوصايا العشر» لسيدنا موسى بنحو ألف عام وقد تجلى حرص المصرى القديم على إبراز أهمية القيم فى المظاهر الحياتية، فكان أهم ما فى وصية الأب قبل وفاته الجانب الأخلاقى، حيث نجد الكثير من الحكماء والفراعنة يوصون أبناءهم بالعدل والتقوى.
كشف بريستد ان المصريين القدماء حققوا أول امبراطوية في التاريخ بقوله في الفصل الـ 15 من الكتاب : ” إن توسع مصر الإمبراطوري شمالًا وجنوبًا، إلى أن شمل سلطان الفرعون الأقطار الآسيوية والأفريقية المجاورة، وكوَّن منها أول إمبراطورية ثابتة الأركان في التاريخ، لهو أبرز حقيقة في تاريخ الشرق في القرن 16 قبل الميلاد “. وأثبت ان المصريين كونوا أول جيش منظم في التاريخ بقوله في فقرة تالية من نفس الفصل :” كما يعد توطيد تلك السلطة على يد «تحتمس الثالث» في مدى عشرين سنة بما قام به من الغزوات في آسيا، حادثًا عظيمًا في تاريخ العمليات الحربية، نرى فيه لأول مرة في تاريخ الشرق مدى ما تستطيعه القوات العاملة المنظمة لدولة عظيمة.
وأوجه خالص شكري وتقديري إلى النجم محمد صالح وألفت نظره إلى أن بريستد ألف عن الحضارة المصرية كتابا أخرى قيمة أيضا وهي : (تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى العصر الفارسي) و(تطور الفكر والدين في مصر القديمة) و(تاريخ المصريين القدماء). وأدعوه أن يخصص جزء من إنفاقه الخيري لإعادة طبع كتب بريستد ومؤلفين آخرين منصفين وتوزيعها مجاناعلى المكتبات العامة في مصر والدول العربية كي يطلع الشباب على الماضي الحاضر. وأيضا طبعها بعدة لغات وتوزيعها على المكتبات العالمية للتعريف بأصالة حضارتنا.
Aboalaa_n@yahoo.com