الإغتيال الذي أقصده هنا ليس القتل المباشرلبعض الأباء على يد العاقين من الأبناء والتي تزايدت للأسف في السنوات الأخيرة. وأحدث تلك الجرائم مقتل أب في المنيا بعد أن سدد له الإبن ثلاث طعنات عقب مشادة كلامية بينهما بسبب طلب الإبن 10 جنيهات لم تكن متوفرة لدى الأب ، فدفع حياته رخيصة جدا مقابل أقل من ثمن كيلوعنب.
الإغتيال الذي نقصده هو الإغتيال المعنوي للأباء بسبب سلوكيات وتصرفات الأبناء التي تسبب لهم ألما مكتوما يعرضهم لمتاعب مرضية تؤدي لتدهور سريع في صحتهم يزيد من مخاطره تقدمهم في السن . وأرى أن هذا النوع من الإغتيال هو الأكثر خطورة، أولا لأنه طويل المدى فقد يحدث يوميا وقد يمتد لسنوات ، وثانيا لأن الأبناء الذين يرتكبون هذه الجريمة يفلتون من عقاب القانون ، والأكثر قسوة أن هؤلاء الأبناء لا يشعرون بجرائمهم ، أو لا يعترفون بأنها جريمة .
فمن أشد أنواع الإغتيال المعنوي للوالدين أن لا يعترف الأبناء بفضلهم وبجهودهم المكثقة في تربيتهم، ولايقدرون أن الكثير من الأباء تضطرهم ظروف الحياة لحرمان أنفسهم من بعض الضروريات حتى يتمكنوا من تلبية إحتياجات أبنائهم . بل أن هناك أبناء يتهمون أبائهم بالتقصير في حقهم لعدم حصولهم على المصروف المرتفع أو تمكنهم من شراء الملابس غالية الثمن . وأعرف أباء سقطوا فريسة المرض عندما تبجح بعض أبنائهم بالقول ” ليه خلفتونا لما مش قادرين تصرفوا علينا “. وتبلغ قمة الجحود أن يقول بعض الأبناء للوالدين :” انت عملتوا لنا ايه .. شوفوا فلان او علان عامل ايه لأولاده “. فيا أيها الإبن عندما تشعر والديك دائما بالعجز وعدم القدرة على تلبية احتياجاتك المبالغ فيها أحيانا ، فأنت تغتالهم دون أن تدري.
ونوع أخر من الأغتيال المعنوي يتمثل في عدم زيارة الأبن للوالدين عندما يستقل في بيته وينشغل باولاده وأعماله . وقد شاهدت وسمعت بنفسي في أحدى البرامج الدينية بالتليفزيون أم تناشد فضيلة الشيخ أن يوجه نداء لأولادها كي يزوروها ، قائلة بالنص :” انا مش محتاجة منهم حاجة.. معاشي يكفيني وزيادة .. أنا عايزه أشوفهم بس وأشوف عيالهم “. وهناك عشرات الوقائع لأباء وأمهات يعيشون بمفردهم في شقة بعد أن تزوج الأبناء أو سافروا للخارج ، وعندما صعدت روحهم إلى ربهم لم يعلم أحد بموتهم إلا بعد أن شم الجيران لرائحة جثثهم .
وشكل آخر من الاغتيال المعنوي يتمثل في تجرأ بعض الأبناء على رمي الوالد أو الوالدة في دار المسنين تهربا من خدمتهم خاصة إذا كانوا مرضى . ومن قساوة قلوبهم لا يكلفون أنفسهم عناء زيارتهم في تلك الدور . وقد إشتكى كثيرمن مسئولي دور رعاية المسنين أن هناك نزلاء لا يزورهم أحد بالشهور . وهناك وقائع مريرة تتحدث عن وفاة مسن أو مسنة ولم يجد المسئولين عن دور الرعاية عناوين او تليفونات لاقارب لهم لتسلم جثثهم.
ونذكر جميع الأبناء بنين وبنات أن الله سبحانه وتعالى وضع قواعد ملزمة في التعامل مع الوالدين ، وردت في الآيتين الكريمتين من سورة الإسراء في قوله جل جلاله : ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً﴾.