اتنشلت! فعلها لص خفيف اليد فتح الشنطة التى كنت ممسكا بها بيدى بكل قوة معتقدا أن قوة ما على وجه الأرض لن تستطيع أن تسرقها منى..كان كل تركيزى ألا يستغل أحدهم الزحام الشديد ويسحب الشنطة منى وهو راكب على دراجة بخارية ليذوب بها وسط الزحام.علقت الشنطة على كتفى وأمسكت بها بإحدى يدى بكل قوة كما أحكمت قبضة الكفة الأخرى على الموبايل. وكما يقول المثل «اللى يتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادي» وقد سبق أن ذقت لهاليب الشوربة عندما استغفلنى منذ سنوات لصان على موتوسيكل وسحبا منى الموبايل وطارا به فى غمضة عين وفشلت كل محاولات استعادته.يومها كنت أمسك الموبايل باستهتار من لا يعطى خوانة ومنذ ذلك الحين وعيت الدرس جيداً فإذا كنت فى الشارع تشبثت بقوة بشنطتى حتى أصل إلى بر الأمان. لكن اللص هذه المرة طور من أدائه حيث فتح الشنطة وهى على كتفى بكل سهولة وسحب المحفظة منها بكل سهولة. وأشهد أنه يمتلك خفة يد جراح ماهر قضى عمره فى غرف العمليات يفتح جسد الإنسان يستأصل ما عطب منه ثم يعيد غلق الجرح ولا من شاف ولا من درى حيث يفيق المريض مستقبلا حياته من جديد.الواقعة حدثت قبيل المغرب وفى شارع مزدحم جدا. ومثل أى مواطن شريف سارعت إلى أقرب قسم شرطة. لم أشأ أن أستعين بأى زميل من قسم الحوادث ليجرى اتصالات تساعدنى فى الإجراءات فالموضوع بسيط ولا يستحق. تقريبا كانت تلك المرة الثانية فى حياتى التى أدخل فيها قسم شرطة. الأولى كانت عند سرقة الموبايل منذ سنوات. المهم هذه المرة أنهم سألونى على الباب ماذا تريد:فقلت: أريد تحرير محضر سرقة فأشاروا إلى حيث المكان المخصص لتحرير المحاضر. وقفت أمام أمين الشرطة فكررت ماقلت فسألنى وماذا سرق منك؟ قلت ملتاعاً:أعز ما أملك ياحضرة الأمين..محفظتى يافندم ! هدأ الرجل من روعتى وقال: واضح إنه كان فيها فلوس كتير! قلت:ثلاثين جنيها بالتمام والكمال..فابتسم وقبل أن يعلق قلت له:ولكن فيها بطاقتى وكارنيهاتى ورخصة القيادة وكل أوراقى الرسمية وأنت تعرف سعادتك أن كل كنوز الدنيا لا تعدل عندى هذه الأشياء..فقال:ولكن سرقة المحافظ لا يتم تحرير محضر بها وإنما «مذكرة فقد»، ثم أضاف معزيا: واضح أن حضرتك ماتسرقتش قبل كده؟ فقلت: لا بالعكس اتسرقت كتير لكن بصراحة لا أخفيك القول كنت استعيض عن تحرير المحاضر بأن أسامح من سرقنى داعيا له بالهداية.كان الرجل يستمع لى بكل اهتمام مما شجعنى على أن أقول له:بصراحة كمان كنت باخاف ادخل اى قسم شرطة من كثرة ماسمعت عما يحدث للمواطنين داخل أقسام الشرطة من أهوال تجعل المواطن يضحى بحقوقه مقابل أن يتجنب الدخول للقسم لكن صدقنى لو كنت أعرف أنكم تستقبلون الناس بهذه الطريقة لما كنت فرطت فى أى حق من تلك الحقوق التى سبق سرقتها منى وعموما ملحوقة وأوعدك بأننى لن أتردد بعد ذلك فى المجيء لو تعرضت لأية سرقة مجددا. أشار لى الرجل إلى حجرة أخرى مكتوب عليها «مكتب تحرير محاضر ومذكرات الفقد» طرقت الباب ودخلت فوجدت موظفا قلت له: أريد تحرير «مذكرة فقد»البطاقة والرخصة والكارنيهات وو… فإذا به يقاطعنى قائلا: الصبح يا أستاذ من 9 ولغاية 2 الظهر. فقلت بسرعة: أيوه سعادتك لكن دى كلها مستندات مهمة وممكن جدا اللص يستغلها ويعمل كارثة وهو يحمل بطاقتى فأجد نفسى فى سين وجيم وكلبوش لا قدر الله، فلم يعبأ الرجل لكلامى وكرر نفس جملته: مفيش محاضر ولا مذكرات فقد بعد الساعة 2 الضهر دى مسئولية موظف مدنى مواعيد عمله تنتهى 2 ظهرا، وهنا أثرت السلامة وغادرت القسم حيث لا أرغب أن أفسد علاقتى بأقسام الشرطة بعد أن فتحت معها صفحة جديدة مستغلا حسن استقبال الأقسام للناس وتلبية مايريدون وليس ذنب نظام العمل أبدا أن اللص الغبى الذى لا يعرف المواعيد الرسمية سرقنى بعد انتهاء موعد تحرير مذكرات الفقد وهى فرصة أن أناشده لعله يراعى ذلك فى المرات القادمة!