في الاسبوع الماضي تم نشر دراسة ممتازة جدا عن انخفاض او انحسار الاجسام المضادة Antibodies خلال ثلاثة أشهر بعد الإصابة بفيروس الكورونا. هذه الدراسة من امبريال كولدج البريطانية، وتمت على شريحة كبيرة جداً من الناس ٣٦٥ ألف شخص.
هل هذا امر مقلق او يدعو للخوف؟
الجواب: لا.
نستعرض هنا نتائج الدراسة، ونشرح لماذا هو امر غير مقلق.
في نتائج الدراسة وجدوا ان انحسار الاجسام المضادة خلال ثلاث شهور في الفئة عمرية من ١٨-٢٤ وكان الانحسار ١٥٪.
الفئة العمرية من ٧٥ كان الانحسار ٤٠٪.
الاشخاص بلا اعراض بغض النظر عن الفئة العمرية كان الانحسار ٦٤٪ (أعلى فئة).
الاسباب التي تجعل من هذه الدراسة غير مقلقة. جهاز المناعة جهاز معقد ويوجد أشكال مختلفة من الرد المناعي في الانسان.
على سبيل المثال الاطفال يتغلبون على الفايروس فقط بالمناعة الفطرية او الخلايا التائية المساعدة الاولى لذلك يوجد اجسام مضادة قليلة او لا توجد. وهذا هو الحال ايضا في الاشخاص بلا اعراض.
يوجد ثلاث أشكال محتملة من رد الفعل المناعي.
الشكل الاول هو المناعة الفطرية Natural Immunity تقدم معلومات الفيروس الى المناعة المكتسبة Acquired Immunity وبعدها يحدد المسار المناعي.
بوجود الخلايا التائية T cells المساعدة الثانية وبعض المواد الكيميائية (IL) تنتج الخلايا البائية B cells وهي المسؤولة عن انتاج الاجسام المضادة فقط.
المعلومات التي تصل من الخلايا التغصنية والبالعة Macrophages تسلم الى خلايا تسمى بال”الخلايا التائية المساعدة” وهنا يبدأ القتال الحقيقي هذه الخلايا تنظم عمل الدفاع المناعي المكتسب سواء بتفعيل الخلايا البائية او التائية او الاثنين معاً.
الخلايا البائية عادة ما تتكون في بداية التعرض الى العدوى: تنتج الاجسام المضادة والتي بدورها ترتبط بالفيروس وتمنع دخوله الى الخلايا وتمنع المرض واذا انحسر الفيروس تنتج خلايا بائية ذاكرة، تجول في الجسم تحسبا لاي طارىء.
الخلايا التائية هي الجنود على ارض المعركة، والتي فعليا تقاتل الفيروس وهي المسؤولة ايضا عن قتل خلايا الجسم اذا فلت الامر ولم يستطيع الجسم السيطرة على الوضع وبمبدأ علي وعلى اعدائي تقوم الCytotocic T cell بعمل دمار شامل حتى لخلايا الجسم وهذا ما قد يفسر العاصفة السايتوكينية Cytokine storm.
لماذا الكورونا خطر على بعض الاشخاص دون غيرهم؟ وهل فعلاً الفيروس هو من يقتل المرضى، ام هو رد الفعل المناعي؟
سنتكلم اولا عن موت الخلية..
لاحظ العلماء الخلايا الحيوانية بعد حقنها بالفيروس، امرا مثيرا عن هذا الفيروس، فهو ينسخ نفسه بسرعة كبيرة جدا
(superantigen) بمجرد إصابة الخلية مما يسبب ضغط هائل عليها ويجعلها تطلق نداء استغاثة SOS في الجسم. هنا يأتي دور بروتين مهم يسمى السايتوكاين.
السايتوكاين هو من يُفعّل الجهاز المناعي ويعطيه الضوء الاخضر للهجوم.
عند وصول قوات الدفاع (الكوماندوز) الخلايا التائية T cells تبدأ بتدمير الخلايا المصابة، لكن وبسبب كثرة الفيروس وبمبدأ علي وعلى اعدائي يقوم الجهاز المناعي بتدمير شامل بدون تفريق. اضافة الى ذلك الخلية نفسها إذا لم تستطع السيطرة على نسخ الفيروس تقتل نفسها لكي لا ينتقل الفيروس الى الخلايا الاخرى.
اذا حدث هذا كله في نفس الوقت يسبب دمار هائل في النسيج المصاب وهو على الاغلب النسيج الرئوي في الحويصلات الهوائية والتي تمتلىء بالسوائل مسببه متلازمة الضائقة التنفسية. هذا الاجتياح المناعي يعرف بالعاصفة السايتوكينية Cytokine storm. وهو تقريبا شبيه لما يحدث في الامراض المناعية مثل الروماتيزم والذئبة الحمراء وغيرهم.
السؤال هنا لماذا يصاب مريض الكوفيد بهذه العاصفة.
السبب الاساسي كما هو الحال في جميع الامراض المناعية “غير معروف”. لكن هناك بعض النظريات سأذكر هنا بعضها ..
السبب الاول:
ضعف الجهاز المناعي وخصوصا المناعة المكتسبة. المناعة الفطرية تحفز المناعة المكتسبة لمواجهة الجراثيم، واذا كانت المناعة المكتسبة ضعيفة، تبالغ المناعة الفطرية في ردة فعلها مما تسبب الدمار الشامل والهجوم على الجسم نفسه.
السبب الثاني:
قد يكون بسبب خلل جيني في صناعة البيرفورين وهو السلاح المستخدم من قبل الخلايا التائية لمحاربة الفيروسات Porphyrin, which is the weapon used by T cells، وجدوا انه هذا الخلل قد يزيد من احتمالية حدوث العاصفة السايتوكينية.
اسباب اخرى قد تكون مرتبطة بالعاصفة السايتوكينية:
السمنة المفرطة.
نقص فيتامين د.
تضخم الطحال.
نقص في عدد الخلايا البيضاء White blood cells.
وبما اننا ذكرنا العاصفة السايتوكينية، لابد ان نذكر دورها في دخول الجسم في حالة التهاب جهازي مما يؤدي الى مجموعة من المشاكل من ضمنها خلل في نظام التخثر في الجسم ويسبب ما يدعى بالتخثر clotting المنتشر داخل الاوعية (DIC). هذا المرض هو المسؤول عن وجود تجلطات لدى مرضى الكوفيد-١٩ وهو ليس بسبب الفايروس مباشرة وانما بسبب حالة الالتهاب الجهازي التي يمر فيها الجسم.
دراسة المانية لتشريح جثث الكوفيد-١٩ اظهرت ان ١١ من اصل ١٢ توفوا نتيجة وجود تجلطات.
مريض الكوفيد-١٩ الذي يمر بحالة خطرة في العناية يكون تحت مميع للدم كنوع من الوقاية.
لكن السؤال هنا ماذا عن المريض المصاب باعراض خفيفة. هل ينصح باخذ مميع للدم مثل الاسبرين؟ او هل ينصح باخذ المميعات للفئة المعرضة لمخاطر الكوفيد-١٩ ممن يعانون من امراض مزمنة.
كل هذه الاسئلة تحتاج لدراسات وبحث لانه هذه الادوية لها اعراض جانبية اولها النزيف الشديد لذلك يجب الحذر. لكن من المؤكد وهذا ما نعرفه لتفادي مضاعفات المرض علينا بتقوية المناعة:
بممارسة الرياضة
التغذية الصحية
النوم الكافي
تقليل التوتر
وقبل ذلك كله احسن الظن برب العالمين. الله المستعان.