تعـد الصحـة حقـاً أساسياً لكل إنسان، دون النظر إلى العرق أو الدين أو اللون أو الجنس، وهي حالة من التكامل البدني والنفسي والعقلي والاجتماعي والروحي، وليست مجرد الخلو من المرض أو العجز. ولكي يحظى جميع الناس بهذه النعمة العظيمة ويستمتعوا بها، ينبغي أن يكونوا ملمين بالمعلومات والحقائق الصحية، وأن يشعروا بالمسؤولية نحو صحتهم وصحة غيرهم. وبالتالي، وجب على الجهات المختصة القيام بمبادرات وحملات التوعية الصحية، وتقديم المعلومات والحقائق الصحية المرتبطة بالصحة والمرض لكافة الناس من أجل أن تؤدى تلك العادات الصحية المكتسبة بشكل تلقائي دون تفكير أو شعور من قبل الفرد بسبب كثرة التكرار، وجدير بالذكر الدور البارز للأسرة في تعليم الطفل العادات الصحية حتى يتعود عليها قبل أن يتفهم أو يتعلم الأسس التي ترتكز عليها هذه العادات من الناحية الصحية.
تكمنُ أهداف التوعية الصحية في نشر الوعي والثقافة الصحية وتغيير المفاهيم، وبناء الاتجاهات الصحية الإيجابية وتغيير أنماط السلوكيات الضارة بالصحة بين أفراد المجتمع. وتشمل أماكن التوعية الصحية : المدارس وأماكن العمل ومراكز الرعاية الصحية. ويتم نشر الوعي الصحي ضمن آليات عمل منظمة ومدروسة لضمان تحقيق الفائدة العظمى من ذلك العمل. نأمل أن ينال هذا الكتاب إعجاب القرّاء، وأن يحقق الفائدة المرجوة منه وأن يضيف المزيد من المعلومات حول موضوع التوعية الصحية للقرّاء المهتمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية.
تُعد التوعية الصحية أداة لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، لكن هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه العاملين في هذا المجال، منها: وجود تعريفات ومفاهيم متعددة ومتداخلة للتوعية الصحية، وأيضاً الصعوبات التي يواجهها العاملون في هذا المجال في الحصول على نتائج ملموسة وممتدة للتوعية الصحية بسبب تعدد العوامل المؤثرة على الصحة. وهناك العديد من قصص النجاح المتعلقة بالتوعية الصحية، ولكن بسبب صعوبة المعلومات الصحية وتعدد المستويات التي يجب العمل عليها يصبح تنفيذ المبادرات التي تهدف إلى التوعية الصحية أكثر تحدياً. ويتطلب تعزيز الصحة من واضعي السياسات في جميع الإدارات الحكومية جعل الصحة خطاً أساسياً في سياسة الحكومة.
وهذا يعني أنها يجب أن تدرس الآثار الصحية في جميع القرارات التي تتخذها، وإعطاء الأولوية للسياسات التي تحمي الناس وتقلل من إصابتهم بالأمراض. ويجب أن تكون هذه السياسات مدعومة بقواعد وقوانين تنظم عمل القطاع الخاص بحيث تتماشى مع أهداف الصحة والسلامة للمجتمع. على سبيل المثال، من خلال فرض الضرائب على المنتجات غير الصحية أو الضارة مثل، الكحول والتبغ والمنتجات الغذائية التي تحتوي على نسب عالية من الملح والسكريات والدهون مع تدابير لتعزيز التجارة في مجالات أخرى، ومن خلال التشريعات والخطط القومية التي تدعم إمداد القرى بالماء النقي واستكمال البنية التحتية، وتدعم التحضر الصحي عن طريق إنشاء مدن صحية والحد من تلوث الهواء والمياه، وفرض قوانين للسلامة مثل ارتداء أحزمة الأمان والخوذ…. وغيرها.
إن الغاية من التوعية الصحية هي تحسين الصحة على مستوى الفرد والمجتمع، ومحاولة تقليص فرص وقوع الأمراض، والإعاقات، والوفيات، وتحسين نوعية الحياة للفرد والمجتمع. وللوصول إلى هذه الغاية يجب العمل من خلال الأهداف الرئيسية التالية:
أولًا: نشر الوعي والثقافة الصحية
يُعد القضاء على حواجز الجهل والمفاهيم الخاطئة عن الصحة والمرض أمراً هاماً، ويستوجب ذلك عرض المعلومات الصحية بطريقة يمكن للفرد والمجتمع استيعابها بسهولة، ويؤدي ذلك إلى تحمل كل فرد مسؤوليته عن الرعاية الصحية أكثر من الاعتماد على مقدمي الخدمة الصحية. كما يهتم القائمون على التثقيف الصحي بتصميم برامج لتعريف أفراد المجتمع بالعادات الصحية السليمة وأنماط الحياة الجيدة التي تضمن لهم التمتع بصحة إيجابية وتمكنهم من المشاركة في نمو وتطور المجتمع، كما تعرفهم بعوامل الخطر والممارسات الضارة والأخطار التي تهدد الصحة، مما يساعد أفراد المجتمع على صون صحتهم وحمايتهم من الأمراض السارية وغير السارية، كما تخلق بيئة اجتماعية مشجعة على السلوكيات الصحية.
ثانياً: تغيير المفاهيم وبناء اتجاهات صحية إيجابية
ويتم ذلك عن طريق فهم الأفكار والدوافع والقيم التي تؤدي إلى سلوكيات صحية قد تكون ضارة أو نافعة، ومن ثم يتم التعامل مع الأفراد وتطبيق الأساليب العلمية لإقناع الأفراد بالتخلي عن الأفكار والاتجاهات التي تؤثر سلباً على الصحة والاتجاه نحو تبني السلوكيات الصحية النافعة.
ثالثاً: تغيير أنماط السلوكيات الضارة بالصحة
وقد يمكن تحقيق هذا الهدف عن طريق تحفيز أفراد المجتمع وتشجيعهم وحثهم على اتخاذ القرار بتغيير سلوكياتهم والتخلي عن السلوكيات الضارة وممارسة السلوكيات الصحية السليمة. ويستلزم ذلك تحديد السلوكيات الضارة السائدة وتعليم الأفراد المهارات اللازمة لتطبيق السلوكيات الصحية وتنمية الشعور بالثقة في النفس والإيمان بالقدرة على تحمل أعباء عملية التغيير. ويكمُن معيار النجاح في تحقيق هذا الهدف في الاستمرارية وتبني السلوكيات الجديدة لتصبح عادة تؤدى بتلقائية ودون عناء.
وتعرف العادة الصحية بأنها «ما يؤديه الفرد تلقائياً بلا تفكير أو شعور نتيجة كثرة تكراره.» أما الممارسة الصحية )السلوك الصحي( هي «ما يؤديه الفرد عن قصد نابع من تمسكه بقيم معينة. ويمكن أن تتحول الممارسات الصحية السليمة إلى عادات تؤدى تلقائياً نتيجة كثرة التكرار.»
مستويات التوعية الصحية
يمكن توصيف مستويات التوعية الصحية من خلال ثلاثة مستويات أساسية كالتالي:
المستوى الأول : تعزيز الصحة
ويتمثل هذا المستوى من خلال الآتي:
- التوعية الصحية لعموم أفراد المجتمع
وتتلخص عناصر التوعية في هذا الإطار فيما يلي:
● التغذية السليمة )الـغــذاء الصـحـي والمـتــوازن وسـلامـة الغــذاء وخـلـوه مـن الملوثات.(
● النظافة الشخصية والمحافظة على البيئة.
● النشاط البدني والرياضة والعادات الصحية في النوم.
● التعامل مع الضغوط والإجهاد والوقاية من الحوادث )في المنزل أو الطريق.)
● التحذير من العادات الضارة بالصحة )مثل التدخين وسوء استخدام الأدوية والتعرض للموجات الكهرومغناطيسية …. وغيرها.)
● التوعية بأهمية التطعيمات للوقاية من الأمراض المعدية )السارية.) - التوعية الصحية الموجهة للمجموعات المؤثرة والأكثر احتياجاً
● التوعية الصحية للأمهات في فترة الحمل والنفاس وفي فترة الرضاعة، تعريف الأمهات باحتياجات الأطفال البدنية والنفسية والتربوية، ومعرفة وسائل تعزيز النمو والتطور للأطفال في السنوات الأولى من العمر.
● التوعية الصحية للمراهقين.
● التوعية الصحية لكبار السن والمسنين.
المستوى الثاني: تقليل عبء الأمراض )الوقاية من الأمراض والتعامل معها)
ويتمثل هذا المستوى من خلال الآتي: - التعرف المبكر على وجود الأمراض
إن تعريف الأفراد بالأمراض الشائعة، وإعطاءهم المعلومات الكافية والواضحة للتعرف المبكر على الأعراض المرضية التي قد تكون مؤشراً لوجود الأمراض، يساعد الأفراد على التوجه لطلب الخدمات الطبية وهذا بدوره يؤدي إلى التشخيص المبكر للأمراض والمشكلات الصحية، ومن المعروف أن الاكتشاف المبكر يساعد على تقليل عبء المرض، حيث يكون العلاج ممكناً، كما يمكنه تقليل المضاعفات وتقليل تكلفة المرض الجسدية والنفسية والاقتصادية. - توعية المرضى بكيفية التعامل مع الأمراض
حيث يقوم الطبيب المعالج ومقدمو الخدمة الطبية بتعريف المريض بكل ما يتعلق بالمرض وطرق العلاج والمتابعة الدورية والوقاية من المضاعفات وحماية المخالطين )في حالة الأمراض المعدية أو السارية.( وكلما كانت طريقة التوعية ملائمة للمستوى التعليمـي والثقافـي للمريـض تحسـن الامتثـال للنصح الطبـي والطواعيـة لإرشـادات الطبيب بما يضمن تحقيق الهدف وتقليل عبء الأمراض.
المستوى الثالث : التعايش مع الأمراض المزمنة والتأهيل
إن الأمراض المزمنة تلازم المريض طوال عمره ولايمكن الشفاء التام منها، ولكن يمكن السيطرة عليها والتحكم فيها، حيث يمكن معالجة الأعراض والتقليل من الآثار السلبية للمرض صحياً ومهنياً واجتماعياً. ويكون دور التوعية الصحية في هذا الإطار كالآتي:
● التأهيل الصحي للمريض: التشجيع على مداومة الامتثال للنصح الطبي وتنبيه المرضى لملاحظة التغيرات التي قد تطرأ على الحالة الصحية أو النفسية، وسرعة التوجه لطلب الخدمة أو المشورة الطبية . ● التأهيل النفسي للمريض: لتقليل الآثار السلبية للمرض على الحالة المزاجية أو الدافعية والقدرة على التمتع بالحياة الصحية.
● التأهيل الاجتماعي والأسري: ويهدف لمشاركة الأسرة في التعامل الصحيح مع المريض والتعرف على احتياجاته العلاجية، وعلامات الخطر، مما يستدعي سرعة طلب المشورة الطبية وتبني السلوكيات الأسرية التي تدعم المريـض وتيـسر عليه الالتزام بأنماط الحياة الصحية، ويكون ذلك ممكناً ويسيراً إذا كان جميع أفراد الأسرة ملتزمين بالعادات الغذائية الصحية وأنماط الحياة الجيدة.
● التأهيل المهني والوظيفي: قد تتسبب بعض الأمراض المزمنة في عدم قدرة المريض على الاستمرار في نفس العمل، وخاصة إذا كان شاقاً جسدياً أو نفسياً، لذا ينصح بتغيير العمل أو الوظيفة إلى عمل بمستوى أقل في العبء البدني أو النفسي.