في أحد أيام شهر يونيو عام 1982 كنت متوجها الى مكتبي بجريدة الجمهورية. وأنا على بعد أمتار من المبنى سمعت المؤذن يؤذن لصلاة الظهر ، فدخلت المسجد المجاور . وأنا أبحث عن دورة المياه للوضوء، فسألت أحد الاشخاص فأشار إلى بأن اتبعه . وبعد أداء الصلاة وجدت نفس الرجل يسير في نفس الاتجاه المؤدي للجريدة . فشكرته وسألته عن عمله قال صحفي بالجمهورية . فابتسمت وقلت له أنا ايضا صحفي بالجمهورية .
هذا الموقف كان بداية تعرفي على أخي وصديق عمري عبد الغفار مصطفى يرحمه الله . وخلال أسابيع قليلة تعمقت علاقتنا نظرا لتقاربنا في الظروف فكلانا ينتمي للريف المصري ونشأ على قيم مصرية أصيلة في مقدمتها حب الخير للاخرين والايمان بأن الرزق من عند الله ، ولا فائدة من التحايل والنفاق للحصول على أي مكسب لان كل شئ مقدر من عند الله . وفعلا التعايش في الريف يعلمك منذ الصغر على التوكل على الله وحده في الرزق لان الفلاح يلقي جبوب وسط الحرث ، وبعد ذلك لا دخل له . فالله سبحانه وتعالى سيتولى انباتها ورعايتها حتى تثمر بالاضافة للجهد البشري . وجمعنا أيضا افتخرانا بجذورنا الريفية وحبنا لاظهار تلك الجذور، على عكس البعض الذي كان يخفي نشأته الريفية ،وكانها عار يسعى للتنصل.
وخلال شهور قليلة جمعتنا ايضا الرؤية المشتركة لمهنة الصحافة والتي تتمثل في انها مهنة ذات رسالة تقوم على الصدق والموضوعية ،ومحكومة بمعتقداتنا الدينية وبقيم مجتمعنا الأخلاقية وبالمصلحة العليا لبدنا الغالي مصر وللأمة العربية والإسلامية.
ومع مرور السنوات تعمقت العلاقة بصديقي عبد الغفار مصطفى على الصعيد الشخصي والمهني. ثم افترقنا ، فقد سبقني بالسفر الى السعودية للبحث عن زيادة مصدر الدخل للمساعدة في تربية الأبناء. واستمر الفراق اكثر من 25 عاما لم نتقابل ، ولم يتم الاتصال التليفوني. لكن أرواحنا ظلت تلتقي . وكان ينطبق علينا قول الشاعر المحترم صلاح جاهين يرحمه الله ” فى ناس بتشوفها مرة … وتعيش جواك سنين”.
وقد سبقته بالعودة من الغربة بحوالي 4 سنوات، والتقينا بمجرد عودته ، وكأننا لم يغب أحدنا عن الاخر يوما. وتوثقت علاقتنا اكثر لدرجة انني لوغبت عن موقع عملي في الديسك المركزي بالجريدة يعلم الجميع انني عند عبد الغفار في القسم الاقتصادي . وعندما كنت اتصل بقسم الاقتصاد اي حد يرد يقول لي مباشرة عايز الاستاذ عبد الغفار . وايضا عندما كان لا يتواجد في القسم الاقتصادي بالدور التاسع للجريدة كان الجميع يعلم انه عندي في الدور الثامن حيث يوجد الديسك المركزي . وعندما يغيب أحدنا يسئلون عنه الأخر.
استعرض تاريخ تلك العلاقة ليس للتسلي او للتباهي ، ولكني أطرح أمام الناس وخاصة الشباب ممن يعملون في بلاط صاحبة الجلالة حيث تتصارع المصالح ، نموذج للصداقة القوية التي تعمقت مع مرور الأيام لانها كان خالصة لوجه الله ، ولم تعكرها المصالح ، ولم تؤثرفيها الفتن ولا كل محاولات الوقيعة . فينطبق عليها قول القائل : ” ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل “.
تعثرت لقاءاتنا خلال العام الأخير بسبب المرض وبسبب وباء كورونا. وكنا نتواصل تليفونيا حتى قبيل وفاته بايام .
ومساء الثلاثاء الماضي شعرت بانني افقد جزء من كياني عندما علمت بخبر وفاة اخي وصديق الصحفي النزيه والمهني المحترم عبد الغفار مصطفى. ندعوالله سبحانه وتعالى ان يتغمده في واسع رحمته وان يجمعنا في الفردوس الأعلى . وخالص العزاء لابنائه ولاسرته وتلامذته ولكل أحبائه.
وقبل موت الصديق عبد الغفار بأيام ،صدمت بموت أخي وصديقي لويس جرجس صاحب الخلق الرفيع ،ثم فوجئنا بموت أستاذنا الكاتب الصحفي الكبير رياض سيف النصر لتفقد الجمهورية خلال أيام قليلة 3 من أعمدتها الصحفية يرحمهم الله جميعا.