خطوات الاصلاح الجادة والحقيقية هي القادرة وبكل قوة على اسقاط الاقنعة والرد على محاولات تزييف الوعي واحباط وسائل الاختراق واجهاض عمليات التضليل الممنهجة من اي مكان وليس هناك اقوى من علامات على الطريق تقف شاهدة ترسل بوميض النور لكل من يتطلع الى الرؤية واكتشاف حقيقة ما يجرى وهي تغني عن كثير من الجهود التى يمكن ان تبذل لإثارة الوعي والدفع في الاتجاه الصحيح.
لابد من الاعتراف بان الخروج من حالة السيولة الثورية وما تبعها من موجات فوضوية كان لها اثرها البالغ في كل مناحي الحياة العامة والخاصة على السواء..مسألة ليست سهلة وكان لها ضريبتها الكبيرة التى عانى منها الكثير حتى الدخول الى مرحلة الاستقرار السياسي والبدء فعلا في تنفيذ خطط الاصلاح الشاملة.
هنا تبرز اهمية معركة الوعي على كافة الاصعدة وحتمية العمل الجماعي للدفع في طريق الاصلاح والمضي قدما الى الامام وعدم الالتفات الى الوراء او الى ما يضع العوائق والعراقيل امام تحقيق الاهداف الطموحة او التقليل من اي جهد على الطريق الصحيح او اثارة الاحباط او استدعاء التجارب الفاشلة والنماذج السيئة في الصعود والهبوط والتى من شأنها بث روح اليأس او اثارة المخاوف والتشكيك فيما يجري.
تدعيم الاستقرار وخطوات الاصلاح الشامل يلزمها بالقدر نفسه ثورة اخلاقية حقيقية لان الدرع الاخلاقي ضمان وحماية وقوة في كل مكان ضمان للاستمرارية في مقاومة النفوس الضعيفة ومحاولات الاختراق ومواجهة قوى الشر داخليا وخارجيا ايا كان نوعها وتصنيفها.. ضمان لان تزهر بذور الامل وتمنحها قوة للضياء والاضاءة ونشر شعاعها في كل مكان.
نعم عملية الاصلاح الجادة يلزمها قوة اخلاقية باعتبار ان الاخلاق هي الوقود الحيوي لاي حركة الى الامام من اجل الرخاء التقدم الرفاهية الرقي التحضر المدنية او اي من المسميات سمها ما شئت..هذه القوة الاخلاقية ليست مجرد كلمات تداعب العواطف وتحرك المشاعر في اوقات الازمة او يتم استدعاؤها عند الشعور بالخطر اوعند عملية التعبئة اوالحشد لاي هدف ولكنها منهج مستمر له قواعده الراسخة وادواته ووسائله الممتدة التى لا تنقطع ولا تتوقف لاي سبب من الاسباب وهي ليست قضية دينية فقط بل هي قوة متغلغلة في الاعماق في كل امتدادات الحياة وتفاعلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها على الاصعدة كافة. قوة لا يستهان بها ولا يجوز التفريط او التلاعب بها ولا يجب ان تترك في ايدي الحمقى والمغفلين وارباب السوابق والصحائف السوداء والسجلات المخجلة او لكل من هب ودب اومن سمحت لهم لحظات الخطأ والخطيئة في مسيرة الشعوب ان يحتلوا مقعدا في مراكز التوجيه او التنوير والاستنارة خاصة في مؤسسات التنشئة الاجتماعية او تحمل المسئولية في مواقع مفصلية في التربية والتوجيه العام.
ولعل هذا ما يلفت الانظار الى اهمية وجود وقوة المحركات الاخلاقية جنبا الى جنب مع عناصر القوة الاخرى في المسيرة.. قوة المحركات الاخلاقية وفاعلية نشاطها كفيل بازاحة ادعياء ومدعي القيم والاخلاق ورافعي الشعارات الرنانة والدعاوى الخبيثة والمتاجرين بحق يراد به باطل وكثير من الانتهازيين والجبهات المغرضة والمضللة التى تلعب على اوتار حساسة
وتسعى الى عمليات استقطاب خطرة تجهض اي محاولة للتقدم الى الامام..وامامنا العديد من الامثلة على تلك القوى التى استغلت النقاء الثوري وفورة الشباب وصدق نواياه وقوة حماسه ورغبته في الانطلاق الى افاق ارحب واوسع نحو تحقيق الاحلام والطموحات وما هومرفوع من شعارات عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية..حتى انحرفت وجرفت معها الكثيرين بعيدا عن جادة الصواب..
للاسف الشديد فانه لم يتم الكشف مبكرا عن الجانب اللاخلاقي في الحركة الثورية مما القى بظلال كثيفة على عملية التقدم للامام وكبل عمليات الانطلاق او التوجه بجدية نحو خطوات الاصلاح المطلوب وتسبب في ان يدفع المجتمع ثمنا باهظا لعمليات التضليل والخداع التى استخدمت وسائل شديدة الخبث والدهاء لتحقيق اهدافها..
لكن دعونا نعترف ان الانهيار الاخلاقي لم يكن مرتبطا فقط بالحالة الثورية.. وان العطب قد طال المنظومة الاخلاقية منذ زمن ليس بالقريب وان هذه المنظومة الاخلاقية تعرضت ولا تزال تتعرض لمحنة قاسية ولم يكن البشر على قدر المسئولية والقدرة من السرعة والحكمة في مجاراة ما يحدث من انهيارات وزلازل في محيط الاخلاق على الاصعدة كافة واصيبت بعض المجتمعات وخاصة العربية والاسلامية بما يشبه الشلل امام هجمات العولمة وحتى ما قبلها لزعزعة القيم وضرب الاخلاق بل ومحوها سعيا الى وضع قواعد جديدة تتحكم في سلوك البشر وقولبتها في اطارات محددة وهوما جعل الحرب على الهوية اشد ضراوة وتنكيلا.. ولم تكن لدى المجتمعات المقاومة الكافية او الكفيلة بحماية نموذجها الاخلاقي وكيانها المحترم وفقا لقواعد الدين واصوله او حتى وفقا للاعراف الاجتماعية والانماط السائدة من قواعد الاحترام او مفاهيم العيب بعيدا عن الحلال والحرام..
وبالفعل حدثت خلخلة رهيبة في سلوك كثير من البشر امام ضغوط الحياة المعاصرة ونفاذ طاقات الصبر على المكاره وسيطرة وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من فيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها وامام ضلالات الاعلام المشبوه والموجه والحاح قوى الاستعمار والاستحمار الجديد الامر الذي ساهم في رسم خريطة اخلاقية شديدة العجب والغرابة يصعب قراءتها او فك طلاسمها او حتى استقراء ما ذا يريدون والى اي طريق يسعون الى وضع البشرية على حافته..
القراءة الاولية والسريعة للخريطة الاخلاقية واللاأخلاقية بمعنى ادق تؤكد ان كل شيء من حولنا ينخر في عظام الاخلاق ويحفر سراديب عميقة لطمرها في مقابر جماعية اشبه بما يحدث مع حروب الابادة العنصرية وفي أفضل الاحوال يمارس معها أبشع انواع الاقصاء والتجريح والهلهلة رغم انها هي الحل لو كانوا يعلمون..ولو كانوا يسعون حقيقة الى البحث عن سعادة او عن طريق للخلاص من الشقاء وحالة الشقاوة التى تنغص اركان الحياة المعاصرة..
قد يسأل البعض وكيف الطريق الى الثورة الاخلاقية هذه؟
الجواب ببساطة شديدة الاخلاق تحتاج الى ثورة في الوعي العام والخاص يتواكب مع النهضة العلمية والثقافية والاعلامية والدينية الصادقة..تحتاج الى تضافر وتكامل كل الجهود للدفع في الاتجاه الصحيح والا سيدور الجميع في حلقات مفرغة وكما قال الشاعر:
مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ
إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
وقالوا :التربية الخُلقية أهم للإنسان من خُبزه وثوبه.
العمل هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الأخلاق.
حسن الخلق أحد مراكب النجاة.
رجل بلا أخلاق هو وحش تم إطلاقه على هذا العالم.
إذا أصيب القوم في أخلاقهم.. فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.
السعادة والواجب الأخلاقي متصلان لا ينفصلان.
الحضارة ليست أدوات نستعملها ونستهلكها وانما هي اخلاق سامية نوظفها.
الأخلاق نبتة جذورها في السماء أما أزهارها وثمارها فتعطر الأرض.
تذكروا دائما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أكد فيه منذ اول يوم لبعثته المباركة “انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق”.
والله المستعان ..
Megahedkh@hotmail.com