مهما بلغت قدرة المرء على التخيل فانه لن يستطيع ان يستوعب بعقله وخياله ذلك القدر من الجمال والرهبة والسمو بالنفس الى عوالم غير محدودة وربما غير مرئية الا عندما يزور ويشاهد المومياوات وعالمها المدهش شديد الغرابة والعظمة ايضا..
انت في حضرة ملوك متوجة داخل الاكفان وخارجها روحها وحديثها الصامت وكلامها غير الساكت الذي يقفز بك رغما عنك الى كل العصور السحيقة الغابرة والحاضرة ايضا من التاريخ وكيف كان هؤلاء البشر ومن اي طينة جبلوا وتطير مع سحابات الخيال الى عوالم مشحونة باقصى ما يمكن تخيله من عبقرية علمية وفنية وتقنية وقدرات لا محدودة على الابهار والانجاز لتتاكد حقيقة ويقينا ان لا شيء امام هؤلاء كان مستحيلا او ربما معجزا لانهم على ما يبدو كانوا يتنفسون وياكلون ويشربون المعجزات فما صنعوا وما خلفوا يفوق وصف المعجزات وكانهم لم يكن ليشغلهم شيئ عن صنع المعجزات والغرائب والعجائب.
تتملك المرء الحيرة امام ما ترى العين انها رسائل الهية لكل البشرية تعلموا اعتبروا اتعظوا اقتبسوا من تلك الانوار المذهلة علها تنقذكم تنتشلكم من الوهاد الصعبة في حياتكم المريرة.
العالم العلوي والسفلي للمومياوات كله علم وفن وايمان وسياسة واقتصاد وعلاقات وهي ركائز اساسية في ادارة الحياة وحين تملك امة ناصية هذه الركائز فلن يعجزها اي شيء في العالم وما فيه من قوى واقطاب.
من الخطأ الذي يرقى الى الخطيئة ان يتوقف المرء امام عالم المومياوت ويحصره في اطار عمل اثري وزيارة وفرجة وينتهي الامرانها رسائل خالق الكون والبشرية الى كل البشر” فاعتبروا يا اولي الابصار”.
اسعدني الحظ ان زرت قاعة المومياوات الملكية بالمتحف وشاهدت واستمتعت مرات بمفردي ومرات برفقة علماء ومفكرين كبار من العالم الاسلامي وذلك اثناء مشاركتهم في المؤتمرات التى ينظمها المجلس الاعلى للشئون الاسلامية سنويا.
كنت اراقب الاشارات والانفعالات على الوجوه التى تتفحص المومياوات وكنت اشعر وكانهم يريدون ان ينفذوا ويقفذوا الى داخل الجثث المحنطة امامهم يقرأون بعناية كل شارة وعلامة. تستوقفهم النقطة وما دونها وكان فرعون موسى هو الاكثر اثارة ونجومية..اخذ بألباب الجميع ومن فرط الدهشة تكاد تسمع احاديث النفس انهم يكلمون انفسهم بالفعل امام الفرعون يقولون الكثير والكثير وبعضهم كانت تغلبه الضحكة والاستنكار والتامل من المصير المحتوم لللانسان مهما علا وتجبر وتكبر ومهما بلغ به الطغيان والغرور حد القول “انا ربكم الاعلى”.
الظلال والاضواء وكل شيئ في المكان كانه يردد معك سرا وعلانية قول الحق سبحانه وتعالى :” فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية”.
نعم انه اية من ايات الله ماثلة امام الاعين تؤكدها حقائق التاريخ ومعالم الجغرافيا والنظريات العلمية.
انها الاشارات والعلامات التى قادت اصحاب العقول النيرة الى الايمان الحق واجبرت المعاندين على التراجع والخضوع والاعتراف بالحق والحقيقة وتصحيح المسارات الى الايمان بالله الواحد الاحد وبرسله عليهم افضل الصلوات والتسليم.
لعل اصدق مثال ما حدث مع العالم الفرنسي الشهير موريس بوكاي (19يوليو 1920 -17 فبراير 1998) وما فعلته به مومياء الفرعون الكبير.
والحكاية انه لسبب او لاخر سافرت مومياء الفرعون الى باريس في رحلة علمية اواستشفائية واستقبلتها الدولة الفرنسية استقبال الملوك كما لوكان الفرعون حيا وتقدم المستقبلين الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران وكان متيما بالاثار المصرية وعدد من افراد الحكومة وفي جناح خاص بهيئة الاثار الفرنسية خضع الفرعون لدراسات علمية دقيقة في الطب والتشريح والتحنيط ووعلوم الاوبئة والفطريات والبكتريا وما الى ذلك اكثر من 23 معهدا وجامعة ومؤسسة فرنسية ساهمت في فريق البحث الذي رأسه عالم التشريح الدكتور موريس بوكاي.
كل ما يخطر على البال من اسئلة علمية او لاعلمية اتهامات خزعبلات قصص وروايات لخبراء الأثار لعلماء التاريخ والمصريات وعلماء مقارنة الاديان كانت على المشرحة وطاولة البحث .
بوكاي جلس يتأمل المومياء بدهشة حائرة لم ينم ليله مما سمعه ويعرفه عن الفرعون وما همسوا به في اذنه من ان هناك روايات اسلامية بل وايات في القران الكريم تتحدث عن الفرعون وان الله جعله اية وعبرة وعظة للبشر جميعاالامر الذي زاد من حيرة بوكاي..
اثتاء عملية التشريح وفك أربطة المومياء فوجئ فريق العمل باليد اليسري للجسد المحنط تندفع فجأة إلي الأمام وفهم من ذلك أن المحنطين كانوا قد أجبروا تلك اليد علي الانضمام إلي الصدر عنوة كما ظهرت بقايا مِلْحية عديدة علي جسد المومياء وتبين أن عظام المومياء مكسورة في أكثر من موضع بدون تمزق الجلد واستنتج الدارسون من الملاحظات أن صاحب المومياء لابد وأنه مات غارقا في بحر مالح وأن تكسر عظامه دون تمزق الجلد يرجع إلي قوة ضغط الماء علي جسده بعد غرقه, وأن أمواج البحر ألقت بجثته علي الشاطئ بعد غرقه مباشرة أو أن فريقا من الغواصين قد استخرجها بعد واقعة الغرق في الحال.
وفسرت الوضعية الغريبة ليد المومياء اليسري بتشنجها لحظة الغرق وهو يدفع الماء بدرعه التي كان يحملها بها بينما كان يحمل لجام فرسه أو سيفه باليد اليمني فتيبست اليد اليسري علي هذا الوضع واستحالت عودتها إلي سيرتها الأولي.
الطريف ان بوكاي بعد الانتهاء من العمل اراد الاعلان عن سبق علمي هواكتشاف قصة موت فرعون و”انه مات غرقا” فنصحه احد زملائه قائلا له ما اذهله ”لا تتعجل مسيو موريس فإن المسلمين يعرفون ان فرعون قد مات غرقا في البحر وإن قرآنهم اوضح لهم ذلك منذ قرون ”ولكن موريس استنكر بشدة وصرخ في وجهه متعجبا قائلا هذا الاكتشاف لا يتم الا من خلال أجهزة حاسوب حديثة ذات دقة بالغه بالاضافة الى ان جثة فرعون تم اكتشافها في عام 1898وايضا البشرية باكملها لم تعلم شيئا عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جثث الفراعنة إلا منذ عقود قليلة فكيف يكون القرآن أبلغهم بذلك.
الامر دفع بوكاي الى دراسة مفصلة للواقعة في القران الكريم والتوراة والاناجيل ولما تيقن من صدق ودقة الايات القرانية اشهر اسلامه.
القران الكريم سجل واقعة غرق فرعون بدقة فائقة في كثير من الايات منها قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(يونس92).
روى ابن عباس انه:لما جاوز موسى البحرَ بجميع من معه التقى البحر على فرعون وقومه فأغرقهم فقال أصحاب موسى:إنا نخاف ألا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه! فدعا ربّه فأخرجه فنبذه البحر حتى استيقنوا بهلاكه.
وقد حاولت بعض الطوائف من بني إسرائيل انكارالامر ولم يصدقواأن فرعون غرق وقالوا:هوأعظم شأنا من ذلك فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه ليظل عبرة لبني اسرائيل والناس اجمعين.
**من أشهر مقولات بوكاي:”القرآن فوق المستوى العلمي للعرب وفوق المستوى العلمي للعالم وفوق المستوى العلمي للعلماء في العصور اللاحقة وفوق مستوانا العلمي المتقدم في عصر العلم والمعرفة في القرن العشرين ولا يمكن أن يصدر هذا عن أميَّ وهذا يدل على ثبوت نبوة محمد وأنه نبي يوحى إليه”.
والله المستعان..
Sent from Yahoo Mail on Android