مسايرة للعولمة الاقتصادية تبنى المشرع المصري نظام اقتصاد السوق الذي يرتكز أساسا على مبدأ حرية المنافسة الذي يؤدي إلى تحقيق الجودة وتحسين الخدمة ووفرة الإنتاج وتخفيض الأسعار وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للمستهلك.
و رغم ما تحققه المنافسة في ظل هذا النظام من تحرير للسوق و توفير للسلع إلا أنها تنطوي على عدة مخاطر على صحة و أمن المستهلك الذي يعد الطرف الضعيف في العقد الاستهلاكي.
فإن مبادئ الاقتصاد الحر ألا تتدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية الحاصلة على أرضها وأن تترك الأسواق تضبط نفسها بنفسها، فهذا يعني أن هذه الدولة تعتمد على مبادئ النظام الاقتصادي الحر، وإضافة إلى ذلك
فإن ما ستقوم به دولة الكويت هذا الأسبوع بعقد ملتقى الكويت للاستثمار الذي تنظمه هيئة تشجيع الاستثمار المباشر في ظل سعي الدولة لتشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية من خلال تعزيز بيئة الأعمال وتفعيل دور القطاعات المعنية بدعم العملية الاستثمارية عبر خلق بيئة تواصل إيجابية بين المؤسسات المعنية بالعملية الاستثمارية في القطاعين العام والخاص،
إذ يعد حافزا مهما للربح الدافع الأساسي لزيادة الإنتاج، وهو المحرك الأساسي لأي قرار يتخذه المنتجون والمستثمرون، ويؤدي التنافس بين المنتجين أنفسهم وبين المستهلكين فيما بينهم إلى الاستغلال الكفء للموارد الاقتصادية، فتؤدي المنافسة إلى توفير السلع بأحسن جودة وأفضل الأسعار من خلال تعريف المستثمرين ببيئة الأعمال الجديدة وبفرص الاستثمار المتاحة المحلية والخليجية بأكبر عائد وأقل تكلفة وجهد خلال المستقبل القريب، وكل ذلك يصب في المصلحة العامة للمستهلك المصري
شيوع ظواهر سلبية كثيرة في الأسواق؛ أبرزها الغش الصناعي والتجاري، والاحتكار، والمغالاة في الأسعار، وهذه الظواهر لا تضر بالمستهلك وحده، لكنها تضر بالمجتمع كله، وهناك مؤشرات للخسائر الناتجة عن الغش التجاري في البلاد العربية التي تعاني من هذه المشكلة وهي مؤشرات تحتوى على أرقام ضخمة،
ومن هنا أصبحت المواجهة واجبة وحتمية، وهذه المواجهة تحتاج إلى تكاتف جهود مؤسسات وأجهزة كثيرة داخل المجتمعات العربية، منها أجهزة الرقابة والمتابعة، وهذه لديها صلاحيات الضبط، وتحرير المخالفات، وتطبيق العقوبات على المخالفين والمتجاوزين للقواعد الضابطة للأسواق.. لكنها وحدها لا تكفي، ويجب أن تواكبها حملات توعية وتوجيه، ونشر للقيم الدينية الضابطة لسلوك كل المتعاملين في السوق.
ان المستهلك يظل هو العنصر الأضعف في منظومة السوق، فهو ضحية الغش، والمغالاة في الأسعار، والتطفيف في المكيال والميزان، وهو ضحية كل صور الاحتكار، ولذلك يجب أن نعترف بأن المستهلكين في حاجة إلى مزيد من إجراءات الحماية وحماية حقوقهم، وهنا لا ينبغي أن نحملهم مسؤولية ما تشهده أسواقنا من فوضى واضطراب ونطالبهم بالمراقبة أو المقاطعة، لأن رقابة الأسواق لها أجهزتها المعنية بذلك والتي تمتلك كافة الصلاحيات لمحاسبة المتجاوزين وتقديمهم للعدالة.. ثم يأتي دور المستهلك بعد ذلك، وهذا الدور لن يستطيع المستهلك القيام به دون وعي وتوجيه مستمرين، ودون وجود هيئات وتنظيمات شعبية تعاونه على ذلك.
بعد تطور التجارة من خلال الأنترنت في الآونة الأخيرة، مما يتوجب عليه محاولة إيجاد الطرق لحماية المستهلك من الغش أو الخداع الذي قد يتعرض له مثل شراء بضائع منتهية الصلاحية وذلك من خلال شبكة الإنترنت، أو شراءه أجهزة عندما يقوم باستلامها يجد أن بها عيباً أو غيره من الخدمات التي قد يقوم بطلبها من خلال شبكة الأنترنت ولا يوجد ما يؤمن له حقوقه كمستهلك لها.
وقد ظهرت العديد من المواقع في الدول الأوروبية تدعم المستهلك وتواجه الغش والتضليل التجاري، وظهرت كذلك العديد من المواقع العربية لحماية المستهلك وتعريفه بحقوقه الاستهلاكية وتؤكد على حقه في الاختيار وحقه في التأكد من سلامة المنتج ومعرفته بأي عيوب بها، وحقه في التعويض في حالة ما إذا كان هناك ضرر في هذه السلعة.
وتقوم هذه المواقع بتقديم خدماتها من خلال منتديات ومنصات يتم فيها تبادل الخبرات ويعرض فيها المستهلكين تجاربهم السيئة في الشراء حتى يستفاد منها الآخرون، وتقدم تحديثات دائمة بشأن مواقف الغش التجاري وتحليلها من قبل المتخصصين في هذا المجال.
وتقوم هذه المواقع بتلقي الشكاوى من خلال البريد الإلكتروني، وتعطي الكثير من الوقت والمساحة لعرض الكثير من المعلومات التي تساعد المستهلك على معرفة حقوقه وتجنب الوقوع في فخ الغش والتضليل.
وقد بدأت التجربة الأولى في حماية المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عام 1962 وقد أعلن حينها الرئيس الأمريكي جون كنيدي في الكونجرس الأمريكي أن هناك أربعة حقوق يجب أن يتمتع بها المستهلك وهي:
الحق في المعرفة
الحق في الأمان
الحق في الاختيار
الحق في الاستماع
ويقوم بتطبيق هذه الحقوق مؤسسات التجارة والغذاء وكذلك هيئة المستهلك لسلامة الدواء. كما شهدت كل من بريطانيا وفرنسا تجارب كبيرة في مجال حماية المستهلك، وأصدرت العديد من القوانين التي كان لها الكبير من الأثر في دعم وحماية المستهلك. إن الموازنة بين النشاط التنافسي وحقوق المستهلك أمر فرضته قواعد اقتصاد السوق، وذلك نظرا لاتساع اختلال التوازن بين المستهلك كطرف ضعيف في العلاقة الاقتصادية وبين العون الاقتصادي الذي يهيمن على تلك العلاقة بقوته الاقتصادية وكفاءته التقنية في مجال الإنتاج والتوزيع. لأجل ذلك تدخل المشرع المصري بموجب قانون حماية المستهلك وقمع الغش،
وكذا قانوني المنافسة والممارسات التجارية، بفرض جملة من الآليات الموضوعية والإجرائية على العون الاقتصادي، والتي من شأنها حماية حقوق المستهلك وتحقيق علاقة اقتصادية متوازنة.
تتبنى مصر اقتصاد السوق الحر وقد بدأ برنامج إصلاح اقتصادي شامل لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري منذ عام 1991 وتضمن هذا البرنامج حزمة من السياسات المالية والنقدية وسياسات الخصخصة وإصدار العديد من التشريعات. ولقد ساهم هذا البرنامج الإصلاحي بشكل كبير في تعزيز الأداء الاقتصادي للسوق حيث شهدت الألفية الجديدة تزايد نسبة الاستثمار الأجنبي في السوق المصري.
يقصد باقتصاد السوق الحر النظام الاقتصادي الذي يتمتع فيه كلا من البائع والمشتري بحرية الاختيار حيث تتحكم آلية السوق بتحديد الأسعار طبقا لقوى العرض والطلب الخاصة بكل سلعة أو خدمة.
يقتصر دور الدولة في الاقتصاد الحر على تطبيق القوانين ومراقبة الأوضاع داخل السوق. وهذا يعني أن الحكومة لا تتدخل بشكل مباشر في عملية تحديد ووضع أسعار السلع فهي مجرد مراقب لهذه العملية وكل ما عليها هو التأكد من أن الأسعار المحددة هي أسعار موضوعة طبقا لقوى العرض والطلب. ولا تدخل الحكومة في إدارة الاقتصاد بشكل مباشر إلا في حالات استثنائية ووفقا لضوابط وشروط معينة
تعد سياسات الإصلاح الاقتصادي التي اتبعتها الحكومة المصرية من أهم السياسات الاقتصادية منذ التسعينات لأنها أسهمت في تغيير بنية الاقتصاد القومي من اقتصاد يعتمد على القطاع العام إلى اقتصاد يتزايد فيه دور القطاع الخاص،
ومن الدور المركزي في إدارة الاقتصاد إلى السماح لقوى السوق بالعمل في مجالات متزايدة. وقد تضمن البرنامج عدة سياسات منها إصلاح وتحرير سعر الصرف ، وتنفيذ برنامج للخصخصة وتحرير القطاع العام والتجارة الداخلية والخارجية.
وقد أصبح المستهلكون يهتمون اهتماماً غير مسبوق بطريقة إنتاج الأغذية وتجهيزها وتسويقها، وتتزايد مطالباتهم بأن تتحمل الحكومات مسؤولية أكبر لحماية المستهلك وضمان سلامة الأغذية.
وتهم منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية اهتماماً كبيراً بتعزيز النُظم الوطنية للرقابة على الأغذية التي تستند إلى المبادئ والخطوط التوجيهية العلمية، والتي تتناول جميع قطاعات السلسلة الغذائية.
ولهذا أهمية خاصة في البلدان النامية في سعيها إلى تحسين سلامة الأغذية وجودتها ورفع مستوى التغذية، ولكن هذا الأمر يتطلب مستوى عالياً من الالتزام السياسي.
وفي كثير من البلدان تكون الرقابة على الأغذية ضعيفة بسبب كثرة التشريعات وبسبب تعدد جهات الاختصاص وبسبب نقاط الضعف في الرقابة والرصد والإنفاذ. وتسعى الخطوط التوجيهية التالية إلى تقديم المشورة للسلطات الوطنية بشأن استراتيجيات تقوية نُظم الرقابة على الأغذية بما يضمن حماية الصحة العامة ويمنع الغش والتحايل، ويتجنب تلويث الأغذية، ويساعد على تسهيل التجارة.
ومن شأن هذه الخطوط التوجيهية أن تساعد السلطات على اختيار أنسب الخيارات في نُظم الرقابة على الأغذية من حيث التشريع والبنية الأساسية وآليات الإنفاذ. وتوضح الوثيقة المبادئ الواسعة التي تحكم نُظم الرقابة على الأغذية، وتقدم أمثلة على البنية الأساسية والأساليب التي يمكن أن تسير عليها النُظم الوطنية.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان