الحبس الشرعى ليس هو الحبس فى مكان ضيق ، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه ، ولهذا سماه النبى صلى الله عليه وسلم أسيراً .
ولكن لما انتشرت الرعية فى زمن عمر بن الخطاب ابتاع بمكة داراً وجعلها سجناً يحبس فيها ؛ ولهذا تنازع العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم : هل يتخذ الإمام حبساً ، على قولين : فمن قال : لا يتخذ حبساً ، قال : لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لخليفة بعده حبس ، ولكن يقومه ( أى الخصم ) بمكان من الأمكنة أو يقام عليه حافظ ، وهو الذى يسمى الترسيم ، أو يأمر خصمه بملازمته كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ومن قال : له ( أى للإمام ) أن يتخذ حبساً ، قال : قد اشترى عمر بن الخطاب من صفوان بن أمية داراً بأربعة آلاف وجعلها حبساً .
وفى السجن الأمن والمصلحة .. إن الحبس وقع فى زمن النبوة وفى أيام الصحابة والتابعين فمن بعدهم الى الآن فى جميع الأعصار والأمصار من دون إنكار ، وفيه من المصالح مالا يخفى لو لم يكن منها إلا حفظ أهل الجرائم المنتهكين للمحارم الذين يسعون فى الإضرار بالوطن وبالمسلمين ويعتادون ذلك .
ويعرف من أخلاقهم ولم يرتكبوا ما يوجب حداً ولا قصاصاً حتى يقام ذلك عليهم فيراح منهم العباد والبلاد ، فهؤلاء إن تركوا وخلى بينهم وبين المسلمين بلغوا من الاضرار بهم الى كل غاية .
وإن قتلوا كان سفك دمائهم بدون حقها ، فلم يبق إلا حفظهم فى السجن والحيلولة بينهم وبين الناس بذلك حتى تصح منهم التوبة ، أو يقضى الله فى شأنهم ما يختاره .
وقد أمرنا الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والقيام بهما فى حق من كان كذلك لا يمكن بدون الحيلولة بينه وبين الناس بالحبس ، كما يعرف ذلك من عرف أحوال كثير من هذا الحبس .
ولا يحل حبس أحد بدون حق .. ومتى حبس بحق يجب المسارعة بالنظر فى أمره .. فان كان مذنباً أخذ بذنبه .. وإن كان بريئاً أطلق سراحه .
ويحرم ضرب المتهم لما فيه من إذلاله وإهدار كرامته . وهل يضرب إذا اتهم بالسرقه ؟ فيه رأيان : فالرأى المختار عند الاحناف وعند الغزالى من الشافعية أن المتهم بالسرقة لا يضرب لاحتمال كونه بريئاً .
فترك الضرب فى مذنب أهون من ضرب برىء . وفى الحديث : ( لأن يخطىء الإمام فى العفو خير من أن يخطىء فى العقوبة ) . وأجاز الإمام مالك سجن المتهم بالسرقة .
وأجاز أصحابه أيضاً ضربه ، لإظهار المال المسروق من جهته ، وجعل السارق عبرة لغيره من جهة أخرى .
ومتى أقر فى هذه الحال فانه لا قيمة لإقراره لانه يشترط فى الإقرار الاختيار . وهنا إنما أقر تحت ضغط التعذيب .
وينبغى أن يكون الحبس واسعاً . وأن ينفق على من فى السجن من بيت المال وأن يعطى كل واحد كفايته من الطعام واللباس .
ومنع المساجين مما يحتاجون اليه من الغذاء والكساء والمسكن الصحى جور يعاقب الله عليه .
فعن ابن عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( عذبت امرأة فى هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار ، لا هى أطعمتها وسقتها ، إذ حبستها ، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض ) .
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com