لم يعد غريبا ولامفاجئا ان تجد كل يوم وقائع تزوير وتحريف وتشويه لايات القران الكريم على النت لكن المدهش والمثير لكل علامات التعجب ان تجد تلك الاخطاء والخطايا متسربة ومتسللة عبر اصوات كبار القراء والمشاهير سواء في مصر اوالعالم الاسلامي وبطرق في غاية المكر والدهاء والخبث بحيث لا يكتشفها احد وتمر مرور الكرام على غير المتخصصين اوغير الحفاظ والخبراء في القراءات القرآنية.
والغريب ان معظم الاخطاء يتم اكتشافها بالصدفة البحتة ففي رمضان الماضي اكتشفت واحدة من المحاولات الخبيثة وانا اتابع قراءة القران برواية ورش بصوت القارئ الاشهرالشيخ محمود خليل الحصري. ففي النسخة التى قمت بتنزيلها من النت تم اسقاط كلمة من الآية 112 من سورة البقرة ” بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ” تم حذف كلمة وجهه من صوت الحصري. تم الاتصال مع مسئولي اذاعة القران الكريم والاذاعي القدير محمد عويضة الذي قام مشكورا بجهود كبيرة مع الزملاء في الاذاعة للتأكد من سلامة الاشرطة والتسجيلات الخاصة بالحصري التى تبثها الاذاعة.
الاسبوع الماضي أبلغني الشيخ محمد رمضان امام مسجدنا وهو أحد القراء والحفاظ المجيدين باكتشافه خطأ في سورة النساء على النسخة المجودة للشيخ المنشاوي في الآية الثامنة” وإذا حضر القسمة اولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه..”في التسجيل تسمع كلمة “اولي “بدلا من اولوا وهو خطأ فادح لا يقع فيه قارئ مبتدئ..
بالبحث على المواقع وجدنا ان النسخة المرتلة للشيخ المنشاوي صحيحة وليس بها الخطأ.
اتصلت بالصديق العزيز الإعلامي الكبير عبد العزيز عمران رئيس الإدارة المركزية للشئون الدينية بالتلفزيون المصري وأحد أبرز المهتمين بقراء القرآن الكريم وما تركوه من ذخيرة .. سألته عن تسجيلات المنشاوي لدي التلفزيون فأكد أنها سليمة وصحيحة تماما مرتلة موجودة ايضا..
سألنا خبراء ومختصين في الصوت ومؤثراته عن حقيقة ما يجري فقالوا انها تحدث بسهولة من خلال الاجهزة الحديثة بطرق وخدع فنية عالية لا تشعر السامع باي شيء. وفي بعض الاحيان يتم استخدام اصوات شبيهة لمن يقلدون اصوات المشايخ الكبار ويتم دسها داخل مقاطع معينة وفي آيات بعينها يتم تغيير كلمة او حرف وإزالة كلمة من موضعها فيتغير المعنى تماما الى عكس ما تقصد الآيات القرآنية..
والحقيقة ان المسألة ليست جديدة وقد تم اكتشاف اخطاء على فترات متباعدة وكان يتم التعامل معها بطريقة التنبيه والتحذير فقط دون اتخاذ اجراءات بالحماية او المواجهة باعتبار ان القران مستهدف من قبل جهات عديدة على الساحة ويزعجهم بشدة ما يتمتع به القران الكريم من خصوصية في الحفظ والبعد عن التحريف والتبديل وقد اتضح للجميع ان المسألة لم تقف عند حدود المستشرقين قديما وأعداء الاسلام صراحة بل ان المعركة مستمرة ويشعل اوارها اذناب المستشرقين والعملاء الجدد والمتعالمين والعلمانيين والملاحدة ومن يدور في فلكهم وانضم اليهم حديثا راكبو الامواج تحت دعاوى تطوير وتجديد الخطاب الديني ويحصروه في حذف آيات من القران مرة لأجل المراة ومرة لاجل المدنية الحديثة ومرة لاجل الرحمة بحقوق المجرمين والمغتصبين والحرامية واشباههم.
عدد من المهتمين بشئون القران الكريم أحصوا أحد عشر تطبيقا تستهدف القران الكريم على النت وهذه التطبيقات القرآنية المحرفة مجهزة خصيصا للعمل على الأجهزة الذكية ويمكن الحصول عليها من خلال متاجر المواقع التسويقية ولعل أشهرها (أبل ستور) وعليه تطبيق باسم(القرآن) ومسجل باسم مطوره (A.S.H) وهو رجل يهودي ولمزيد من التضليل وضع على غلافه مصحف المدينة النبوية وفيه نقص في الكلمات والأحرف .
الوقائع الخطيرة للتحريف والعبث بالقران وبأصوات كبار القراء تعيد الى الذاكرة وقائع مماثلة كانت حامية الوطيس مع القران المطبوع في بداية الستينيات من القرن الماضى يقودها الكيان الصهيوني حيث قامت هوجة لتوزيع مصاحف فاخرة ومذهبة بها تحريفات للآيات القرآنية الكريمة وهو ما كان وراء القرار التاريخي للرئيس جمال عبد الناصر بإنشاء اذاعة القران الكريم.
فقد اكتشف علماء ومشايخ الازهر طبعة مذهبة من المصحف ورق فاخر وإخراج أنيق بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض الآيات مثل قوله تعالى:”وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {85 آل عمران). وتم حذف كلمة “غير” فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تمامًا ! وكانت هذه الطبعة رغم فخامتها رخيصة الثمن وكان تحريفها خفيًّا على هذا النحو.وايضا كما في قوله تعالى:«قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ» (الأعراف156)، فكتب «أساء» بالسين بدلًا من الشين.
وبعد مناقشات في هيئة كبار العلماء بالأزهروالمجلس الاعلى للشئون الاسلامية التابع لوزارة الاوقاف تقرر القيام بتسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ الحصري على أسطوانات وتوزع نسخ منها على المسلمين في أنحاء العالم وكافة المراكز الإسلامية باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم .
ثم توالت التسجيلات بأصوات الاربعة الكبار الشيخ الحصري ومحمود على البنا ومحمد صديق المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد وكانت اذاعة القران الكريم مقصدا وبيتا لتخريج كبار القراء وكانت تبث التلاوات على مدار الساعة مرتلة ومجودة. ومع تطور اساليب التسجيلات كان يتم نقل الاعمال على وسائل حديثة( شرائط الكاسيت واسطوانات الكومبيوتر والفلاشات وغيرها.
والشيء بالشيء يذكر فقد رحل عن عالمنا أحد أبرز اعلام اذاعة القران الكريم الاسبوع الماضي الاعلامي القدير الدكتور عبد الخالق محمد عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة فقد كان أحد الاقطاب المؤسسين فعليا لإذاعة القران الكريم وكان له فضل رعاية وابراز عدد لا حصر له من مشاهير القراء وتقديمهم للعالم عبرا ثير الاذاعة المصرية. وساهم ايضا في تأسيس وانشاء العديد من اذاعات القران الكريم في العالم العربي والاسلامي تحمل الاسم نفسه وتقوم بالدور العظيم في تقديم القران صحيحا لأبناء المسلمين وغيرهم في كل مكان.
الضربة القوية لمحاولات العبث بالنسخ المكتوبة وبعمليات طباعة المصحف لم توقف العابثين او تجبرهم على التراجع او التوقف عن مخططاتهم الخبيثة ولكنهم ركبوا الامواج الهادرة للفضاء الالكتروني اللامحدود ووجدوا فيه ارضا خصبة للتسلل وممارسة انشطة العبث والخداع والتضليل ووجدوا فسحة كبيرة وعونا من العلمانيين وصبيان المستشرقين الجدد على الفضائيات والاذاعات الماجورة والمشبوهة والتى سخرت ابواقها لكل زاعق وناعق وخاصة اذا كان يحمل جنسية عربية اواسلامية اواسما محمديا.بل وقدموا مشروعات باسم القران صريحة مثل المشروع الصهيوني اليهودي “القران نت ”
الفضاء الالكتروني الجبار اذا كان قد اعطى مجالا وفرصة ثمينة لاهل القران ومحبيه من العلماء والدارسين ومن المخلصين لكتاب الله والراغبين في حفظه وتحفيظه لمن يشاء .. وحفل بمشاريع عظيمة لخدمة كتاب الله وعلومه الا انه يحفل ايضا بنصوص مجهولة وتنسب الى علماء مسلمين والى مصادر اسلامية من هنا وهناك تنشر سمومها ولا تتوقف ليل نهار وتلاحق الشباب وغيرهم اينما وجدوا وكانوا .. حتى اصبحت الساحة اشبه بالفوضى العارمة وكأنك امام بحور بلا شطآن مما يفتح ابوابا للفتن التى تدع الحليم حيرانا..
الحملات المتتالية التى تستهدف القران الكريم صراحة ومعه النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد يجدي معها اصدار بيان اواستنكار وتحذير من مؤامرة ومحاولات مشبوهة واغراض خبيثة وعدم تداول نسخ من القرانبدأت تظهر على مواقع التواصل تتضمن تحريفا متعمدا لبعض الآيات. فالمطلوب على وجه السرعة وبمنتهى الجدية عمل مؤسسي واضح وصريح وقوي يتعامل مع الفضاء الالكتروني بقواعده واسسه وشروطه وظروفه الحاكمة وادواته الفاعلة والضاغطة ومتابعة ومطاردة كل الخبثاء وكشفهم صراحة وبلا مواربة ودون تأخير وإبطاء لإجهاض رسائلهم ووأدها في مهدها كلما استطعنا الى ذلك سبيلا.ولاتاحة بديل مناسب وحيوي لكل من يريد شيئا عن القران وشئونه وعلومه.
نعم نستطيع والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com