إن “الإتجار بالبشر” يعد من جرائم ما بعد الثورات، حيث يعتمد الجناة على جمع الأموال من خلال اختطاف الأطفال وبيعهم، أو من خلال نزع الأعضاء البشرية من الكبار لنقلها لأشخاص آخرين. جرائم اختطاف الأطفال حديثي الولادة ظهرت في البداية بمساعدة بعض الممرضات، وتؤدى لاختلاط الأنساب، وللآسف العقوبات هزيلة وضعيفة
ويتم اعتبار هذه الجرائم جنح، لذا بات من الضروري تغليظ العقوبات.” أن القائمين على اختطاف الأطفال وبيعهم في الأعم الأغلب يكونوا سيدات، وأن الأمر بات يحتاج لتعريف المواطنين بالأمن الذاتي، مما يعنى حماية الأشخاص لأطفالهم من الاختطاف وحماية الكبار من نزع أعضائهم، للأسف القانون يهتم بالإنسان منذ ميلاده وحتى وفاته فقط، ولا يهتم به بعد وفاته حيث تسرق أعضائه، ومن ثم فإن الإنسان يحتاج لتحقيق الحماية الجنائية بصفة عامة سواء أثناء حياته أو وفاته.”
لا تمتثل حكومة مصر امتثالاً تاماً للحد الأدنى من المعايير الخاصة بالقضاء على الإتجار بالبشر، ولكنها تبذل جهوداً كبيرة لتحقيق ذلك. أظهرت الحكومة زيادة في مجهوداتها مقارنة بالفترة التي شملها التقرير السابق؛ لذلك ظلت مصر ضمن الفئة 2. حددت الحكومة المزيد من الضحايا من خلال الخط الوطني الساخن لمكافحة الاتجار بالبشر، وقامت بتحديث وتنفيذ وتحديد جهات اتصال لتحسين تطبيق الآلية الوطنية لإحالة الضحايا، ووقعت على بروتوكول مشترك بين الوكالات لإنشاء مأوى لضحايا الاتجار.
استمرت الحكومة في مقاضاة وإدانة المتاجرين المزعومين، وواصلت لجنة التنسيق الوطنية لمنع ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومنع الاتجار بالبشر تنسيق الجهود المشتركة بين الوزارات لمكافحة الاتجار.
إلا أن الحكومة لم تحقق الحد الأدنى من المعايير المطلوبة في عدة مجالات رئيسية. ولم تبلغ الحكومة عن إحالة أو مساعدة الغالبية العظمى من ضحايا الاتجار بالبشر الذين قامت بتحديدهم خلال الفترة المشمولة في التقرير.
وظلت الحكومة دون إجراءات فعالة للتعرف على الضحايا وإحالتهم. ونتيجة لذلك، ربما تكون السلطات قد عاقبت الضحايا الذين تم التعرف عليهم والذين لم يتم التعرف عليهم بسبب أعمال غير مشروعة أجبرهم المتاجرون على ارتكابها، مثل انتهاكات قوانين الهجرة.
وكما في الفترة المشمولة في التقرير السابق، استمرت الحكومة في افتقارها إلى خدمات الحماية المناسبة، بما في ذلك الملاجئ لضحايا جميع أشكال الاتجار، ولم تقدم الدعم العيني أو التمويل لمنظمات المجتمع المدني التي قدمت الرعاية الأساسية للضحايا. برهنت الحكومة عن بذل جهود متباينة في مجال الملاحقة القضائية. يُجرّم قانون مكافحة الإتجار بالبشر لعام 2010 الاتجار بالجنس والاتجار بالعمالة وينص على عقوبات بالسجن من ثلاث سنوات إلى 15 سنة بالإضافة إلى فرض غرامات. كانت هذه العقوبات صارمة بما فيه الكفاية، وفيما يتعلق بالإتجار بالجنس، تُعتبر متناسبة مع العقوبات المنصوص عليها للجرائم الخطيرة الأخرى، كالاغتصاب.
خلال الفترة المشمولة في التقرير، حققت الحكومة في 78 حالة مزعومة من جرائم الاتجار بالبشر، 21 منها كانت لا تزال مستمرة في نهاية الفترة المشمولة بالتقرير. ومثلت التحقيقات الـ 78 زيادة عن الـ 23 تحقيقاً في عام 2017.
في نهاية عام 2018، أحالت الحكومة 44 حالة للمقاضاة شملت 60 من الجناة المزعومين المتهمين بالإتجار بالجنس والاتجار بالأطفال، وتضمنت الحالات زواج أطفال، لكنها لم تقدم تفاصيل عن هذه الحالات.
هذا مقارنةً بالفترة المشمولة في التقرير السابق حيث أحالت الحكومة خلال تلك الفترة 41 حالة للمقاضاة لكنها لم تقدم تفاصيل عن الحالات. أفادت الحكومة بأنها أصدرت أحكاماً بالإدانة في 11 قضية اتجار في عام 2018، مقارنة بإدانة ثلاثة متاجرين في عام 2017 حكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين أربع وعشر سنوات.
في مارس/آذار 2019، ذكرت وسائل الإعلام أن الحكومة أدانت 40 شخصا، بمن فيهم مسؤول حكومي، بتهمة الاستغلال الجنسي وتهريب الاطفال. وبحسب ما ورد تلقى هؤلاء الجناة أحكاماً بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث سنوات و16 سنة.
أفادت منظمات غير حكومية بأن الشرطة المحلية وأجهزة الأمن والموظفين الحكوميين الآخرين ظلوا يفتقرون إلى فهم جريمة لإتجار بالبشر. وعلى الرغم من أن وزارة العدل احتفظت بـ 27 قاضياً في ثماني دوائر متخصصة في محاكم الاستئناف في ثلاث محافظات لمقاضاة حالات الاتجار بالبشر، إلا أن المنظمات غير الحكومية أفادت بأن هذه المحاكم لم تُستخدم بالكامل خلال الفترة المشمولة في التقرير، ولم تقم وزارة العدل بمشاركة معلومات مفصلة عن موارد تلك المحاكم، وموظفيها، أو المسؤوليات المناطة بها.
ومع أن الحكومة كان لديها توجيهات قانونية بخصوص جمع الأدلة ومحاكمة قضايا الاتجار وحماية الضحايا، إلا أن السلطات المعنية لم تنفذ التوجيهات تنفيذاً كاملاً خلال الفترة المشمولة في التقرير وواصلت التعاون مع منظمة دولية لتحديثها.
في عام 2018، قدمت لجنة التنسيق الوطنية لمنع ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومنع الاتجار بالبشر والوكالات الحكومية الأخرى – بالتعاون مع المنظمات الدولية – عدداً من الدورات التدريبية لمئات من ضباط الشرطة والقضاة ووكلاء النيابة العامة والأخصائيين الاجتماعيين وممثلي المجتمع المدني.
واصلت وزارة الداخلية تضمين المواد التعليمية لمكافحة الاتجار بالبشر كجزء من التدريبات والمناهج السنوية لضباط الشرطة الجدد. كما شملت وزارتا الخارجية والدفاع وحدات تعليمية خاصة بمكافحة الاتجار في التدريبات الأساسية للمسؤولين. لاتجار فى البشر وصمة فى جبين الإنسانية، ليس فى الماضي فحسب بل فى الحاضر «المتحضر» أيضاً. فقد شهدت العصور القديمة هذه الظاهرة الوحشية فى صورة تجارة الرقيق والعبيد وشتى أشكال السخرة التى باركها معظم الفلاسفة والمفكرين
فى تلك الأزمان، ورغم تحريم وتجريم الرق والعبودية فى العصور الحديثة فإنها لم تتلاش تماماً بل اتخذت أشكالاً جديدة تتماشى مع انتقال المجتمعات إلى علاقات الإنتاج الرأسمالية واقتصاد السوق القائم على العرض والطلب، عبر عمليات البيع المباشر للمرأة من خلال العمل فى البغاء، وخلق سوق للإتجار فى الأعضاء البشرية باعتبارها «سلعاً» كباقي السلع التى يمكن تداولها بالبيع والشراء فى السوبر ماركت، ثم انتقلت عدوى الخصخصة فى عصر العولمة إلى إنشاء جيوش «قطاع خاص» فى صورة شركات مساهمة للمرتزقة الجاهزين تحت طلب من يدفع.
ومصر ليست خارج دائرة الاتجار فى البشر فى هذا العالم السفلى، بل إنها تتبوأ مكاناً «رائداً»، لدرجة أن الأمم المتحدة دعت الحكومات المصرية إلى تكثيف جهودها للتصدى لتلك الظاهرة بعد أن تفاقمت كثيراً فى مصر، الأمر الذى جعلها تحتل مكاناً «متقدماً» على قائمة الدول الأكثر تورطاً فى هذا المجال.
ويرى علماء الاجتماع أن هذه الظاهرة المخيفة قد تنوعت صورها كما اتسع نطاقها لأسباب متعددة أهمها الفقر والبطالة والأمية والتمييز بسبب الجنس. وعلى خلفية هذه الأسباب الاقتصادية والاجتماعية تفاقمت أشكال شتى من زواج القاصرات، وعمالة الأطفال، والخدمة فى المنازل فى غيبة كاملة للحد الأدنى من شروط العمل اللائق، والسفر الانتحاري للشباب المصري فى سفن الهجرة غير الشرعية التى تتعرض لخطر الغرق قبالة الشواطئ الأوروبية، فضلاً عن أشكال شتى من الاستغلال الجنسي والبغاء، حتى وصلنا إلى تجارة الأعضاء البشرية التي جعلت مصر تستحق لقب «برازيل الشرق الأوسط»،
نظراً لأن البرازيل تحتل المركز الأول فى أمريكا اللاتينية . وتشير دراسة مفزعة للتحالف الدولى لمكافحة تجارة البشر إلى أن مصر أصبحت تحتل المركز الثالث عالمياً فى تجارة وزراعة الأعضاء البشرية، وقالت إن مصر تشهد سنوياً 1500 عملية زراعة أعضاء غير قانونية، وأن سعر البنكرياس البشرى فى السوق المصرية هو الأرخص عالمياً حيث يبلغ 40 ألف جنيه فقط، والكلية يتراوح سعرها فى السوق بين 30 و80 ألف جنيه، وفص الكبد بين 70 و100 ألف جنيه.
ورغم خطورة ما سبق فإن ما هو أخطر أن مصر – كما تقول جوى نيجوزى مقررة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة تجارة البشر – يمكن اعتبارها، فى آن واحد، «بلد عبور» وأيضاً مصدر ومقصد لضحايا تجارة البشر. وعلى سبيل المثال أصبحت سيناء مسرحاً لتجارة وحشية من نوع فريد حيث يتم احتجاز مئات من اللاجئين وملتمسى الحماية والمهاجرين الأفارقة – وبالذات من إريتريا وإثيوبيا والصومال والسودان – فى سيناء منذ أكثر من عام طلباً للفدية. والأدهى والأمر أن مصادر سيناوية كشفت عن العديد من المقابر التى تضم بقايا مواطنين أفارقة تم ذبحهم أحياء لانتزاع أعضائهم وبيعها لمافيا تجارة الأعضاء الإسرائيلية . ويقول إبراهيم التياهه من قبيلة «التياهه» بوسط سيناء إن تجارة الأعضاء البشرية أصبحت ظاهرة خطيرة فى سيناء بدأت تتصاعد منذ أكثر من عام، والأخطر من ذلك أن سرقة الأعضاء البشرية تتم مع أفارقة أحياء يتم اختيارهم أصحاء ويتم ربطهم بالحبال من الأيدى والأرجل ويتزامن ذلك مع استدعاء «الطبيب المختص» .. الذى يحضر بسيارة مجهزة بثلاجة ومواد حافظة للأعضاء البشرية، ويقوم الطبيب بتخدير الضحايا ونزع أعضائهم، بدءاً من العيون والكلى والقلب وغيرها!
وأشارت مصادر أخرى إلى أن مراكز «تخزين» اللاجئين الأفارقة المختطفين معروفة للكثيرين فى وسط سيناء، حتى إن الجماعات السلفية فى رفح والشيخ زويد لم تستطع تجاهل هذه الظاهرة البشعة وما تشتمل عليه من تعذيب وترويع واغتصاب وقتل، فأصدرت بيانا تتبرأ فيه منها لأنها ليست من شيم أهل سيناء وإنما هى «قلة معروفة».
كل هذه البشاعات كانت تحدث فى أواخر عهد حسنى مبارك، واستشرت بعد تنحيه وما ترافق مع ذلك من تقلص – ثم غياب – الأمن فى أرض الفيروز، التى أصبحت مرتعاً للجماعات التكفيرية، جنباً إلى جنب مع عصابات تجارة البشر وتجارة المخدرات وتجارة السلاح، التى تتساند وظيفياً، وتلتقى جميعها على شىء واحد، هو تهديد أمن مصر الوطنى، وهو أمر غير قابل للتفريط أو المساومة، لا باسم السياسة أو اسم الدين
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان