تكتسب الحصانة البرلمانية أهمية بالغة و لاسيما في هذا العصر الذي نعيش، فمن خلال تتبع الأمور التنظيمية التي تحكم علاقات السلطات الحاكمة في الدول يتضح أنها ازدادت تعقيدا، فغلب الطابع الفني على الكثير من مجالات الحياة، الأمر الذي يجعل السلطة التشريعية كواحدة من أهم السلطات التي تشكل جزءا هاما في النسيج العام للدولة حيث منحت صلاحيات هامة وذات حساسية كبيرة في مجال تحديد الشكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة.
لذلك فقد كان المشرع التأسيسي في معظم دول العالم حريصا كل الحرص على منح هذه السلطات الصلاحيات الواسعة في عملية تشريع القوانين و هي الوظيفة الأساسية التي ينبغي على هذه السلطة القيام بها، و بالإضافة إلى السلطة “التشريعية” منحت كذلك صلاحيات الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية بشكل يسمح لها بالتدخل في كل وقت و في أي وقت تجد فيه أن هنالك تجاوزات قد صدرت عن هذه السلطة.
و لخطورة مثل هذه الصلاحيات ولأهميتها فإن المشرع التأسيسي في مقابل كل ذلك لم يغفل عن إحاطة السلطة التشريعية بالحماية اللازمة و الكاملة و التي تسمح لها بممارسة أعمالها و سلطاتها الرقابية دون أن يكون لديها أي هاجس من هواجس الخوف أو الضغط أو التهديد بالزوال.
لذلك فقد نص المشرع التأسيسي أيضا وفي معظم دساتير العالم على الضمانات التي تكفل للسلطة التشريعية ممارسة وظائفها بكل حرية.
و الحصانة البرلمانية تعتبر واحدة من أهم الضمانات التي تكفل لأعضاء البرلمان الحرية في التعبير عن آرائهم و أفكارهم دون خوف من تعرضهم لأي شكل من أشكال المسؤولية جراء هذا التعبير، و هو ما أطلق عليه الحصانة الموضوعية.
كذلك فقد حظرت الدساتير على أي جهة كانت اتخاذ الإجراءات الجنائية بحق أي عضو من أعضاء البرلمان–عدا حالة التلبس-في حال ارتكابهم لجريمة معينة و هو ما عرف بالحصانة الإجرائية.
و قد عمد إلى بيان إجراءات رفع الحصانة في انجلترا و فرنسا و الأردن في هذا المطلب بالذات و ذلك نظرا لأهمية حالة التلبس كواحدة من أهم الحالات التي تؤدي لانتهاء الحصانة، و من ثم تعرض لحالة صدور الإذن من المجلس المختص كحالة من حالات انتهاء الحصانة ثم انتهاء المدة الزمنية للحصانة بانتهاء مدة المجلس أو بحل هذا المجلس أو بغير ذلك من الحالات التي تؤدي إلى انتهاء الحصانة البرلمانية عن أعضاء البرلمان قبل أوضح قانون مجلس النواب، آليات تطبيق الحصانة البرلمانية لعضو مجلس النواب خلال مدة عضويته بالمجلس. وذكرت المادة ( 30 )من قانون مجلس النواب الصادر عام 2014، أنه لا يجوز، في غير حالة التلبس بالجريمة، اتخاذ أي إجراء جنائي ضد عضو مجلس النواب في مواد الجنايات والجنح إلا بإذن سابق من المجلس.
وفى غير دور الانعقاد، يتعين أخذ إذن مكتب المجلس، ويخطر المجلس عند أول انعقاد بما اتخذ من إجراء. وأضافت المادة: وفى كل الأحوال، يتعين البت في طلب اتخاذ الإجراء الجنائي ضد العضو خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، وإلا عُد الطلب مقبولاً. قد كفل الدستور لأعضاء المجلس حصانة خاصة في بعض الأحكام المقررة في التشريع الجنائي وذلك في حالتين
الأولى: عدم مؤاخذة أعضاء مجلس النواب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أعمالهم في المجلس أو في لجانه وهو ما يطلق عليه عدم المسئولية البرلمانية.
الثانية: عدم جواز اتخاذ أية اجراءات جنائية ضد عضو مجلس النواب -في غير حالة التلبس- الا بإذن سابق من المجلس، وتزول الحصانة عن عضو البرلمان إذا ضبطت الجريمة في حالة تلبس إذ أن حالة التلبس هي حالة تسقط معها كل الحصانات لأن الجريمة تكون مؤكدة ومرتكبها معروف وبالتالي لا توجد أية شبهة أو مظنة للكيد والتلبس المقصود هنا هو المنصوص عليه في قانون الإجراءات الجنائية بحالاته الأربع وهي:
1ـ مشاهدة الجريمة حال ارتكابها 2ـ مشاهدة الجريمة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة 3ـ تتبع الجاني اثر وقوع الجريمة 4ـ مشاهدة مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملا أدلة الجريمة. وفي غير ادوار انعقاد المجلس يتعين أخذ اذن رئيس المجلس، والاجراءات الجنائية التي يتعين استئذان رئيس المجلس في غير دور الانعقاد
تاريخ
ظهرت الحصانة البرلمانية في إنجلترا عام 1688م على أثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية القول – المناقشات – الإجراءات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية أو محلا للمساءلة أمام أي من المحاكم
وإقرار هذه الحصانة في إنجلترا كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك وليس حمايتهم من مواطنيهم والحصانة البرلمانية في إنجلترا كانت قاصرة على الدعاوى المدنية إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة فقد استثنت من نطاق هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن.
ولهذا فقد كان من الممكن دائما القبض على عضو البرلمان في أي من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه، كما استثنت من الحصانة البرلمانية الجرائم التي ترتكب من أعضاء البرلمان في مواجهة إحدى المحاكم وقد أطلق على هذه الجرائم ‘ جرائم إهانة المحكمة ‘ إلا أنه حدث تطور هام خلال القرن الثامن عشر في مجال الحصانة البرلمانية، فقد صدر قانون ينظم أحكامها ويضع بعض القيود والضوابط لكيفية مباشرتها.
فرنسا
أما في فرنسا نجد أن الحصانة قد وجدت في معظم المواثيق الدستورية الفرنسية بذات المضمون الذي كانت عليه في المواثيق الإنجليزية، فقد نص عليها بداية في قرار الجمعية التأسيسية الفرنسية الصادرة في 23 يونيو 1789م ثم نص عليها في دستور عام 1791م. ثم في دستور 1795 وكذلك الدساتير المتتالية في عام 1799 ودستور عام 1848 ودستور 1875 ودستور 1946م وأخيراً الدستور الحالي الصادر عام 1958م فقد تضمنت كل هذه الدساتير مبدأ الحصانة ضد المسئولية البرلمانية أما عن الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية فقد وجدت في فرنسا منذ وقت بعيد نسبيا حيث نص عليها بداءة في قرار الجمعية التأسيسية الصادر في 26 يونيو سنة 1790 م. هذا ولا زالت تلك القواعد والأحكام سارية المفعول حتى الآن.
مصر
و في مصر لم تتضمن أول وثيقة دستورية عرفتها مصر وهي لائحة تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضائه الصادرة في 22 أكتوبر 1868 نصا يشير إلى الحصانة ضد المسئولية البرلمانية. وقد يكون ذلك راجعا إلى حداثة العهد بالنظم الديمقراطية فقد كان هذا المجلس أول تجربة للحياة النيابية في مصر، فكان أمرا طبيعيا ألا يتقرر للأعضاء كافة الضمانات التي تحقق لهم حرية التعبير أو القول عند مباشرة وظائفهم النيابية، ولكن وبمجرد أن استقرت الحياة النيابية وعلى أثر إعادة تشكيل مجلس النواب عام 1882 نجد أن اللائحة الأساسية لهذا المجلس والتي صدرت في 7 فبراير 1882 قد تضمنت نصا يقرر الحصانة لأعضائه ضد المسئولية البرلمانية وهو نص المادة الثالثة الذي جاء به (النواب مطلقو الحرية في إجراء وظائفهم وليسوا مرتبطين بأوامر أو تعليمات تصدر لهم تخل باستقلال آرائهم ولا بوعد أو وعيد يحصل اليهم).
كما تضمن دستور 1930م نصا مماثلا للنص السابق. إلا أن هذا الدستور الغي بأمر الملكي رقم 118 الصادر في 12 ديسمبر عام 1935م وعاد العمل بدستور عام 1923 م بما كان يتضمنه من نصوص خاصة بالحصانة البرلمانية. ثم نص بعد ذلك على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية في أول دستور دائم لمصر بعد قيام الثورة وهو دستور 1956م، أما الدستور المؤقت الصادر 1958م فقد أتى خاليا من النص على الحصانة البرلمانية وقد يرجع ذلك إلى ظروف الوحدة مع القطر السوري آنذاك وبعد أن تم الانفصال عن القطر السوري عاد المشرع الدستوري المصري ونص على الحصانة ضد المسئولية البرلمانية في دستور 1964م.
وأخيرا صدر دستور 1971م متضمنا على الحصانة ضد المسئولية فقد جاء نص المادة (98) كما يلي ‘ لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه ‘.
وتم إلغاء دستور 1971عقب ثورة 25يناير 2011 وتم العمل بالإعلان الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه في مارس 2012 ولقد استمرت هذه المادة في دستور 2012 الذي تم إلغاؤه في 2013عقب ثورة 30 يونيه في 3يوليو 2013أو ثورة 30يونيو 2013 واستمرت هذه المادة في دستور 2014 الذي تم إقراره في عهد الرئيس المعين المستشار العادلي منصور
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان