قال..
ولم تكن تلك السنين قادرة فقط على أن تثخن جراحنا أكثر مما كانت عليه..
أن تبتلينا بالكثير من الأوجاع التي لم نحسب لها حسابا فنعد عدة الليل الطويل ونستعد لذلك السفر البعيد بلا رفقة..
بلا وجهة..
بلا زاد..
بلا علم بالــ (متى) التي تنتهي عندها أزمنة الدموع؟!..
بلا دراية بالتاريخ والميعاد..
لم نكن نعرف بجهالة الإدراك فينا أي قدر يترصد بنا في دجى الأيام؟!..
وأي درب هناك ينتظر خطانا المتعبة؟!..
فانتعلناه على سفاهة الأحلام..
حماقةً..
فكانت الأحزان بالمرصاد..
فعذرا إن لم نكن نعلم..
من ذا الذي يوقن منذ بداية الدرب..
حينما يُمطرُ بالحفر ألا يتألم؟!..
من ذا الذي تلهبه رمضاء الطريق فيحث الخطى..
ولا يهتم..
فينكفيء..
ثم ينكفيء..
لا كتف هناك يريح عليها رحال الدموع..
ولا ساعد تنادي فيتكيء..
فيحمل طفولة التطلع يغلبه الشغف..
وما حيلة عاشق خانته الرؤى زمنا..
كم خدعه درب وأشقاه منعطف..
مسكينٌ..
يقر بأن التعبَ ضريبةُ الوصولِ لا سوى التعب..
وأولئك يا سيدي..
يقسمون..
على أن الموتَ لا غيره..
لا يكفي أن يثمر الجهد..
والوعثاء والشظف..
عذرا..
يا تلك السنين التي مهما كافئتها شكرا..
لا يكفي الشكر..
ولا يجزيء الأسف..
لم نكن نفهم يا سيدي أن السني عجاف..
فكيف يُطلب من يابسٍ ترفُ؟!..
فدع عنك مشقةَ التأويلِ..
التفسير..
والتعليل..
الكم..
والكيف..
وعهودنا المكذوبة بلا ذنب..
فكذبهم دينٌ..
وإفكهم شرفُ..
والأيام محتالة..
الوجه وجه قديس..
والقصد بالأنواء يلتحف..
كم هالنا فعل السنين وأهلها..
فأنكرنا..
وها نحن الآن نعترف..
بأنها..
كانت قادرة على أن تغيرنا كثيرا..
كثيرا جدا..
لدرجة أن تجعلنا في نهاية المطاف أناسا غيرنا..
وتدفعنا لنتساءل باستغراب كلما سقطت وجوهنا سهوا على سطح المرايا..
لمن تلك الملامح؟!..
وننظر بهلع، ما الذي يسكن أعماقنا لتتشوه تفاصيلنا بهذا الشكل؟!..
أي شيء هذا الذي يعيث فسادا في داخلنا؟!..
لدرجة أننا نتوه عنا..
وكأننا فقدنا ذواتنا القديمة ذات عثرة أو عند منحدر ما..
فارتدينا وجوها تضحك بلون البكاء..
وتبكي صمتا دون دموع..
وقد صرنا نفعل ما لا نريد ونتمنى ما لا نفعل..
ولن نفعل..
لم نكن نعلم حينها أن الألم يملك كل تلك القدرة على تشويه آخر معاقل صمودنا..
الحلم..
الحلم البسيط بأن تعود المياة لمجاريها..
وقد عادت..
لكن الماء لم يعد لصفوه الأول..
لم تعد الأحلام نقية كما جاءت..
ولم تعد الأمنيات ملء اليد تتساقط منها رطب العطايا..
بل تهاوت كبناء قديم..
وامتلأت أكفنا فراغا وخيبة..
ولم يعد هنا سوى أن نسلم للجروح..
نذعن للخسارات المتتالية..
ونعلن انهزامنا ليس فقط لمن ألهبونا وجعا..
ولكن أيضا..
لضعف قلوبنا عن مواصلة السير ضد التيار..
ولنصفق بحرارة..
فقد انتهت المسرحية..
أسدل الستار..
وما لمثلنا سوى التصفيق..
ولندع لهم سوق الربح..
وننتظر موسما آخر للحصاد..
لمواعيد أخرى..
وسنينا أُخر..
فربما..
تأتي الريح بما تنتظره الصدفُ..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..